الجمعة، 5 فبراير 2010

اجتثاث معالم الحبيبة بغداد


جاسم الشمري
بغداد التي بناها الخليفة أبو جعفر المنصور (عام 145 هـ)، تمتاز بكثرة المعالم الرائعة التي تزينها في مختلف نواحيها، ومن أبرز معالم حبيبتنا الأسيرة بغداد، مدرسة الآصفية، وجامع مرجان، والمدرسة المستنصرية، وجامع الخلفاء، وجامع الإمام الأعظم، وساعة بغداد، وبرج بغداد، ومرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، والمحطة العالمية، ونصب الحرية، ونصب الشهيد ونصب اللقاء وغيرها، بالإضافة إلى عشرات المساجد الرائعة من حيث التصميم والعمران، وأغلب هذه الأماكن ـ إن لم تكن جميعها ـ قد تضررت بسبب التدمير المتعمد من قبل قوات الاحتلال الأمريكية، والتي جاء بها الساسة الذين يجلسون في المنطقة الخضراء اليوم.
والواضح للعيان أن قرارات الاجتثاث في العراق «الديمقراطي الجديد»، شملت الأحياء والجمادات، فبعد أن أصدرت الحكومة قرار اجتثاث البعث، وهجرت عشرات الآلاف من العوائل، وأفقدتها مصادر رزقها؛ بحجة الانتماء للبعث، وقبل أقل من شهر شمل الاجتثاث شركاءها في العملية السياسية الهزيلة، وبالمختصر المفيد، إن كل من يقف حجر عثرة في طريق الحكومة، ومصالحها الحزبية، والفئوية، فإن قرار الاجتثاث ينتظره، وبلا رحمة، وبعد كل هذه الإجراءات التعسفية، نجد أن هذه الحكومة جادة في تدمير معالم مهمة في العاصمة بغداد، وبقية المدن العراقية.
ومن أبرز المعالم التي هدمت بعد الاحتلال عام 2003، نصب الخليفة العباسي الثالث الواثق بالله، كما سرق نصب رئيس الوزراء في العشرينات عبد المحسن السعدون، وفي عام 2005، فيما فجرت الجماعات الإرهابية التابعة للحكومة نصب أبي جعفر المنصور في بغداد، وأزالت الحكومة عشرات النصب، من بينها «السفينة» في ساحة العلاوي، ونصبا بلاط الشهداء والأسير العراقي، وأزيلت معالم نصب الضباط الذين شاركوا في انقلاب 1941، بقيادة رشيد عالي الكيلاني من مركز المدينة، وحطمت أيضاً مجموعة متكاملة من النصب لضباط عراقيين أعدموا في منطقة أم الطبول غرب بغداد عام 1959.
وفي يوم 2/2/2010، دمرت السلطات في بغداد نـصب اللقاء، حيث بدأت بالشروع بإزالته من مكانه في منطقة المنصور، وكذلك نصب « قوس النصر» في ساحة الاحتفالات الكبرى، بعد أن ظلت مؤسسة الذاكرة العراقية تقف منذ ست سنوات ضد هذا الإجراء الذي أصرت الحكومة على تنفيذه، ضمن سلسلة عمليات إزالة رموز الوحدة الوطنية، والتراث الوطني العراقي في بغداد، والمدن الأخرى.
ونصب اللقاء كما يعرف ذلك كل العراقيين يضم آيات قرآنية، تدعو إلى الوحدة، والتلاحم بين المسلمين، وعلى الرغم من ذلك حطم الموظفون التابعون للحكومة آيات القرآن الكريم المنقوشة على هذا النصب، طبقا لتعليمات الحكومة التي تهدف إلى طمس وتدمير التراث الوطني العراقي.
و لا ندري هل هذا النصب يمثل النظام لسابق؟!!
وإن كانت حجتهم أنه بني في زمن الحكومة السابقة، فعلى «الدولة» المفترضة اليوم في بغداد، أن تهدم مؤسسات العراق من أقصاه إلى أقصاه؛ لأن أغلبها بنيت في زمن النظام السابق.
هذه المعايير السقيمة لا يمكن أن تقود إلى بناء دولة؛ فالدول الحديثة هي التي تبنى على العلم والتمدن، وليس على أفكار الانتقام، والمظلومية الفارغة، التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الأحقاد، والتباغض بين الناس.
والحقيقة أن هذا التصرف غير المسؤول ليس الأول من نوعه، فقد سبق للحكومة الحالية في المنطقة الخضراء، وطبقا لأوامر أسيادها، أن هدمت قوس النصر في ساحة الاحتفالات الكبرى في بغداد.
والسؤال المهم الذي أتمنى أن تجيب عنه الحكومة، هو ما الذي قدمته هذه الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال، وخصوصا حكومة المالكي، التي لا تقبل أن تتحرك قيد أنملة من مكانها، ولو هدم العراق بأكمله، أقول ماذا قدمت هذه الحكومات للعراقيين؟!!
هل بنت مدرسة، أو مصنعا أو أو أو؟!!
أما حديثهم عن أكذوبة الإعمار، فإنكم أنتم من ساهم في الخراب، ثم بعد أن خربتم بيوتنا تمنون علينا أنكم تحاولون إعادتها على أنقاضها السابقة بحجة إعادة العمران؟!!
في حالة واحدة نقبل منكم يا ساسة المنطقة الخضراء أن تتصرفوا بهذه الطريقة: لو كان القرار السياسي بيدكم، وفي نفس الوقت، أنتم عمرتم البلاد، وأنشأتم مجموعة من المعالم الجديدة لبغداد الحبيبة، حينها يمكن أن نقبل منكم ـ وعن مضض ـ أن تزيلوا ما شئتم، وتبقوا ما شئتم، لكن هذا الأمر لم يحدث أبداً.
الحقيقة الساطعة أنكم تتحركون وفق أجندة طائفية بغيضة غريبة عن المجتمع العراقي، وهذه التصرفات تأتي في وقت تعجزون فيه، وبإخفاق باهر، عن السيطرة على أمن، وحياة المواطن العراقية الذي تعبث به المنافسة غير الشريفة بينكم.
بغداد مدينة يراد اغتيالها من قبل الغرباء، والمصيبة أنهم يدعون محبتها، ويعملون في نفس الوقت ضدها، هي حالة من التخريب المستمر، شملت كل ما هو وطني، وجميل، ورافض للاحتلال، والعملاء، هو بلاء يتطلب مزيدا من الصبر والتلاحم إلى حين زواله!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق