الجمعة، 5 فبراير 2010

المهمة الرئيسية الراهنة من اجل نهوض عربي


الدكتور محمد المسعود الشابي
 كثير من المثقفين العرب يتساءلون عن المدى الذي سيستمر فيه المأزق العربي الراهن ..ويكتب البعض مقالات بلغة تحتاج إلى خبراء لتوضيح مدلولاتها وفك شفراتها حول الحداثة ومعاني  الحداثة وهل الأمة العربية قابلة للحداثة ، كما يكتب البعض الآخر مقالات مطولة في كيفية نهوض الأمة على نمط ما كتب كتاب النهضة في القرن التاسع عشر مثل الأفغاني وعبده وغيرهم ..وكأن المشكلة تتجسد في عدم وجود أفكار نهضوية متجاهلين المشاكل الحقيقية المطروحة على الوطن العربي ..والتي يأتي على رأسها الهيمنة الأجنبية على العقول والأوطان مثل قضية فلسطين واحتلال العراق ..وخروج أهم قطر عربي من ساحة النضال ( مصر ) ..دون أن يكون لهؤلاء استراتيجية واضحة ومنهجية لحل هذه المشاكل في صيغتها المتشابكة والمترابطة مع بعضها ..وقد أدى هذا الضباب في عقلية النخبة إلى استمرار الأزمة دون العثور على رأس الخيط فيها .ذلك أن أول بند يجب التفكير فيه هو ماهي المهمة الرئيسية التي يجب التوجه للقيام بها لكسر جدار الأزمة والتي تكون المفتاح الأول في طريق بقية المهام الأخرى مثل الديمقراطية والتنمية والتقدم التكنولوجي ..
 المهمة الرئيسية
 من الواضح أن الديمقراطية والتمية والتقدم لا يمكن أن تنجز ما دامت الهيمنة الإمبريالية قائمة على الوطن العربيلأن الشعب  العربي إذا أتيحت له فرصة التعبير عن أهداف سيكون أول بند هو التحررمن الهيمنة الأجنبية ..وما دامت الهيمنة الأجنبية قائمة فلن تسمح له بالديمقراطية التي تتناقض مع هيمنتها ..
كما أن التنمية الإقتصادية والإجتماعية تحتاج إلى أن تتكتل البلدان العربية في تضامن ووحدة تمكنها من خلق سوق واسع لإنتاجاتها ..وهو الأمر الذي لا تسمح به الهيمنة الإمبريالية لأن ذلك سوف يخلق من  الوطن العربي قوة تخشاها الدول الكبرى منذ زمن بعيد ..لأسباب مختلفة منها المادي ومنها رواسب الصراعلت الصليبية القديمة ومعارك التحرير الحديثة .كما أن التقدم التكنولوجي سيكون من الصعب الحصول عليه لأسباب ترجع إلى الأنظمة العربية التي لا تضع موازنات مالية كافية وضرورية لذلك التقدم من جهة ..ولاحتكار الدول الكبرى لتلك التكنولوجيا ومنعها عن الوطن العربي من جهة أخرى ..
وهذه المهمة الرئيسية إذا لم تنجز فإن الأزمة العربية الراهنة ستبقى مستمرة لأن العرب إذا أرادوا أن يتحرروا فعليهم أن يمتلكوا قوة تسمح لهم بوضع حد للهيمنة الأجنبية ..سواء كان ذلك لمواجهة الصهيونية أو لمواجهة الغرب الإمبريالي الذي غرس إسرائيل في الوطن العربي ..وحافظ عليها عسكريا وديبلوماسيا لأنه يعتبرها حجر الزاوية في استراتيجية إخضاع الوطن العربي ..وبالتالي لا يقبل النقاش في وجودها وقوتها ...
وحتى يملك العرب قوة فلا بد لهم من أن يتوحدوا ..إلا أن وحدتهم تتحكم فيها إشكالية معقدة لم يهتد العرب إلى كيفية الوصول إلى حلها ..والتغلب على العقبات التي تحول بينهم وبينها .و أولى العقبات هيمنة القوى الخارجية على أنظمة حكوماتهم .وانسجام مصالح تلك الأنظمة مع الهيمنة الخارجية ..
أما العقبة الثانية فتتمثل في خوف الأنظمة من أي حراك في قطر ما نحو الوحدة .ومن ثم تتكاتف تلك الأنظمة للإطاحة بذلك القطر بشتى الأعذار والوسائل ..والعقبة الأخرى أمام عملية التوحيد جهل النخب جهل النخب بآليات التوحيد ..كما وقع في مصر وسوريا سنة 1958م  إلى حد أن كثيرا من المثقفين لا يقبلون بأي وحدة إلا إذا كانت ديمقراطية مهذبة يجدون فيها راحتهم .أما أن تتوحد البلدان  العربية  ويتم النضال من أجل الديمقراطية من داخلها فإن ذلك أمر غير مقبول في نظر هؤلاء ..كأن يتوحد اليمن بشماله وجنوبه بواسطة نظام سلطوي ..
والعقبة الرابعة رفض ( النخبة ) الإنخراط في حركة عربية واحـــــــدة - وفقا لقوانين علم الإجتماع السياسي – لأن هذه النخبة من اللإضل لها أن تفتح دكاكين ذات عصبية قطرية من أن تنخرط في نضال مكلف يحرض عليها الأنظمة القطرية وغضب الهيمنة الأجنبية .
 أسباب الأزمة الحالية :
 بدأت الأزمة الحالية باتفاقيات كامب دايفيد التي أخرجت مصر أهم قطر عربي من ساحة الصراع ..
أما السبب الثاني فهو احتلال العراق وتدمير قدراته التي بناها نظام صدام حسين ..ومن ثم إخراجه بالقوة من معادلة الصراع في المنطقة بواسطة الإحتلال الأمريكي وتآمر الأنظمة العربية ودول الجوار عليها .الأمر الذي مكن إسرائيل من التغول في المنطقة وأتاح لإيران أن ترخي بظلها الثقيل على الشرق الأوسط ..فانكشف الخليج استراتيجيا ..وأصبح بين فكي الكماشة الأمريكية والإيرانية ، الامر الذي أثار فزع النظام السعودي وحليفه المصري ، وفجر من جديد الصراعات الطائفية في أبشع صورها التقليدية ..
 المطلب الرئيسي

فإذا كان هذا التوصيف دقيقا - وهو كذلك  فعلا– سيكون على الذين يريدون تغيير الأوضاع أن يركزوا الجهد الرئيسي للأمة  علىحل مشكلة العراق بأن يدعموا  المقاومة الباسلة فيه لكي تحرز النصر الواضح  فيرجع العراق لكي يعيد التوازن للأمة ..
أو يقع تركيز الجهد الرئيسي على مصر لكي تتغير أوضاعها وتعيد التوازن المختل بسبب خروجها من دائرة الصراع .
وإذا كانت المهمة في العراق تعيقها التركيبة السكانية من شيعة وسنة وأكراد وقوميا أخرى ..وإذا كان جواره المعادي يعقد المهمة ..فإن مصر يعيقها التنامي الديمغرافي وتوسع الفقر واستشراء الفساد بسبب الهيمنة الأمريكية على النظام مما يجعل من الصعب على صاحب القرار – مهما كان صاحب القرار – أن يرجع عقارب الساعة إلى ماكانت عليه على عهد الناصريين ...ومن العوائق أيضا رغبة النظام المصري عن التوجه نحو السودان لحل مشاكله الغذائية ..
تلك هي المسألة إذا كان هذا النفر من المثقفين العرب والنخبة العربية يسعون للبحث عن حل للأزمة الراهنة .
نقلا عن موقع العرب و الفكر الاستراتيجي للدكتور محمد المسعود الشابي
تجدون كتب الدكتور الشابي و مقالات استراتيجة قيمة في الموقع
http://www.arabstrategie.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق