الاثنين، 29 مارس 2010

قدس بنصف مليار



مصطفى محمد أبو السعود
كاتب من غزة
قمة سرت كغيرها من القمم العربية السابقة التي عقدها القادة العرب فهي تتشابه في الظروف والضيوف والأفكار والأطروحات والنتائج والكثير من الأشياء إلا أنها تختلف فقط في شئ واحد هو تغيير مكان الانعقاد فمن مصر إلى لبنان لسورية لقطر إلى ليبيا والرابح  الأوحد من هذه التنقلات هي الابنة الكريمة التي تسمى المبادرة العربية.
والمستمع لكلام الحكام العرب يشعر انه أمام مواطن من الدرجة العاشرة يعيش في أفقر أحياء العالم العربي ،فإذا كان الحاكم يخاطب زملائه  الحكام بضرورة الاتحاد والتعاون فمن ذا الذي يمنعهم من التوجه لأقرب مأذون شرعي وفسخ العقد من أعداء الأمة والانصهار في أحضان الأمة  ووضع حجر الأساس لبناء علاقة متينة تصنع لبناتها من العزة والكرامة والنخوة  للدفاع عن مقدراتها ومقدساتها،فالمتأمل لقمة سرت  يجد أنها قد خيبت آمال الأمة في حكامها خاصة أنها عقدت في عاصمة التمرد على الواقع المر كما أنها جاءت في وقت عصيب تعيشه المنطقة من خيبة إلى انتكاسة إلى الجري وراء مصطلحات فضفاضة لتبرير الهزيمة النفسية الرسمية لحكام العرب و الجلوس  في المسارح الإعلامية لمشاهدة مسرحية الانزعاج الأمريكي من إسرائيل بسبب الاستيطان،وبرغم الضعف الذي امتازت به القمم السابقة إلا أن قمة سرت قد حازت على نيشان الفشل وذلك للأسباب التالية.
*أن رمز التمرد لم يعد يعتبر التمرد فرصة مناسبة لإبداء الآراء لان الأمر الواقع أقوى من الطموحات والقدرة على التمرد.
*حتى الكلمات المكتوبة أمريكيا بإملاء صهيوني والقارئ حاكم عربي  لم نعد نسمعها وكأن أمريكا وإسرائيل أرادتا قطع ألسنة الحكام ليخرسوا عن الكلمات التي من شانها طمأنة الشعب العربي بأن الحاكم لا يزال ينطق بالعربية.
*اثبت الحكام العرب أن القدس ليست ذات أهمية وإلا فما تفسير اكتفاء العرب بالتبرع للقدس بنصف مليار دولار فقط في حين لا يقاتلوا ولا يدعموا إعلاميا وسياسياً بالشكل المطلوب تجاه مدينة مقدسة مثل القدس أم أنهم نسوا أن مبلغ كهذا لا يكفي لإصلاح ما أفسدته إسرائيل في يوم واحد من هدم بيوت ومدارس ومساجد ومقابر وشوارع وتهجير السكان وطردهم  أم أنهم تناسوا أن مبلغ (500)مليون دولار يستطيع اصغر رجل أعمال يهودي أن يتبرع به لبناء مستوطنة وان  الكثير من رجال الأعمال العرب  ينفقون  أكثر من هذا المبلغ على أشياء اقل أهمية من القدس مثل الرحلات والقصور والخيول والقنوات الفضائية الهابطة اما حين يتعلق الأمر بالقدس حينها تصبح الأموال عزيزة.
* غاب عن العرب أن مبلغهم الهزيل يذهب إلى الخزانة الصهيونية لتبدأ مرحلة مساومة وابتزاز من اجل التنازل عن بعض الحقوق، وإن تسلمته الجهات الرسمية الفلسطينية فان المبلغ يصل مشفراً لأهله هذا إن وصل أصلا لان المسجلين في القوائم الطويلة من المشتريات  كثيرون.
*لو نظرنا إلى من حضر القمة فإننا نلحظ أن القدس تسكن في أوراق الجرائد وقصائد بعض الشعراء والكتاب وليس في أجندة أولى العزم من الحكام  او في عقل وقلب من يملك مفاتيح الحل والتغيير إن أراد، فغياب الرئيس المصري يمكن تقبله اما ما لايمكن قبوله هو غياب الملك السعودي وآخرون من  سراه الأمة.
وهنا يطرح سؤال هل غياب بعض القادة يعود للعلاقات المتوترة بين ليبيا وبعض الدول فإن كان الجواب( نعم) فنقول ألا تستحق القدس منا أن نتعالى على الجراح ونتحد وان كان (لا) يطرح سؤالاً أخر هل  لوتعلق الأمر بافتتاح  برج او مقهى او مؤتمر هل سيغيب القادة  العرب عنه  ،الجواب( لا) والدليل أن الكثير من الحكام العرب يحضرون لقاءات يوجد بها قادة الكيان الصهيوني وأحيانا يتصافحون.
إذن النتيجة واضحة توتر العلاقات ليس سبباً في الغياب ولكن الخشية من انزعاج أمريكي هو السبب الأقوى خاصة وان الحكام العرب يحاولون الآن كسب ود أمريكا من باب استثمار البرود العاطفي الشكلي بين إسرائيل وأمريكا وغياب بعض القادة هو من ضمن محاولات كسب العرب للموقف الأمريكي وتفويت الفرصة على  الغرب بالقول أن العرب لا يريدوا السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق