السبت، 27 مارس 2010

الإختيار الصعب بين الجدري و الكوليرا....


سعد العميدي
أفرزت نتائج الأنتخابات العراقية نتائج ربما كانت متوقعة إلى حد بعيد , لكنها في الوقت نفسه أدت الى تعقيدات جديدة في حل إشكالية السلطة و مبدأ التداول السلمي لها و الأهم من هذا و ذاك هو كيفية منع عودة البعثيين الى السلطة من بوابة الأنتخابات نفسها و كذلك عودة الميليشيات و قوى الإرهاب إلى الشارع و من خلال صناديق القتراع هذه المرة.
مشكلة الأحزاب العراقية المزمنة لا بل مشكلة العراقيين الجوهرية و التي أدت الى معاناة دائمة و تبعتها قرارات فردية أدت الى تدمير العراق و تبذير ثرواته , هي عدم وجود قيادة عراقية متعقلة و حكيمة تضع مصالح العراق و العراقيين على رأس سلم أولوياتها بعيدا عن الحزبية الضيقة و مصالحها الأنانية و الآنية و كذلك بعيدا عن التخندقات الطائفية و العرقية.يضاف إلى ذلك الأحتراب و اللجوء الى العنف في حل الخلافات السياسية و هو أمر طبع الحياة السياسية منذ أربعينيات القرن الماضي و إستمر حتى بعد سقوط الدكتاتورية بفعل التدخل الخارجي و غزو العراق و إحتلاله  كمحصلة نهائية لرعونة و تخبط البعث و قياداته و الحروب العدوانية و الغزوات التي لم يكن للشعب العراقي فيها مصلحة تذكر.
منذ سقوط البعث كحزب حاكم سي\ر على السلطة و جيرها لصالحه لمدة تقارب الأربعة عقود , لم تستطع القوى و الأحزاب السياسية العراقية تقديم نموذج للحكم يختلف عما كان سائدا قبل سقوط بغداد في التاسع من نيسان 2003 , و ما جرى خلال السبع سنوات الماضية أكد و بشكل كبير أن اغلب الأحزاب العراقية حاولت تجيير السلطة لصالحها بعيدا عن مصالح الشعب و الوطن و مهدت لشكل جديد من أشكال الدكتاتورية و التفرد بالسلطة و هيمنة الحزب الواحد على مقدرات الدولة و المجتمع. و من أهم الشخصيات التي تركت أثرها على العراق خلال السنوات الماضية
-         الدكتور علاوي – صحيح أنه إستلم الوزارة في ظروف سياسية معقدة كان العراق يعاني فيها من التمزق و التشرذم لكنه لم يتصرف بشكل وطني و لم يضع مصالح الشعب العراقي نصب عينيه , حيث تحولت دوائر الدولة بما فيها القوات المسلحة إلى قواعد تأهيل البعثيين بما فيهم عتاة المجرمين , و شهدنا خلال هذه المرحلة سيادة القرار الفردي و محاولات تكريس المجد الشخصي و النزعة إلى التفرد بجميع القرارات المصيرية , و هذا الأمر لا ندعيه و لكن مجريات الأحداث و إنسحاب أقرب المقربين من كتلة علاوي لاحقا أو الأحزاب التي تحالفت معه بسبب فرديته و عنجهيته و تعاونه اللامحدود مع بقايا البعث , أكدت هذا الأستنتاج.
-         الدكتور إبراهيم الجعفري – ربما أن العراق لم يشهد خلال تاريخه القديم و الحديث شخصية مهزوزة و ضعيفة كما هو الحال مع السيد إبراهيم الجعفري , حيث شهد العراق خلال حقبة توليه السلطة في عام 2004 و 2005 تدهورا أمنيا خطيرا و كان يقتل المئات يوميا إما بفعل إرهاب القاعدة و المتحالفين معها أو بفعل الميليشيات التي كان قسم كبير منها متحالفا مع السيد الجعفري. كما إن العراق تحول حينها الى ضيعة إيرانية و هو أمر لا زلنا نعاني منه حتى الساعة. و أدت سياسة الجعفري و فرديته إلى إنحدار العراق نحو مستنقع الطائفية و الأقتتال الداخلي.
-         السيد نوري المالكي – يعرف عن السيد المالكي الفردية الشديدة و العصبية و التسرع في إتخاذ القرارات و غياب مستشارين ذوي خبرة و حنكة سياسيتين , كما إن الدولة العراقية جيرت رويدا رويدا لصالح حزبه , حزب الدعوة الأسلامية , هذا لا ينفي حدوث تحسن أمني في بغداد و بقية المحافظات , الفضل يعود في جزء كبير إلى زيادة عديد قوات الأحتلال و كذلك الرغبة الأمريكية في تحسين الأوضاع لما في ذلك خدمة للمخططات الأمريكية في المنطقة , منها الأيحاء لجيران العراق و محيطه أن التجربة العراقية نجحت و أن عليهم الأقتداء بها. ما يعاب على السيد المالكي هو قيامه بتدمير جميع الجسور التي تربطه مع أقرب الحلفاء و تنكره لسياسات التحالف الأنتخابي الذي أوصله إلى دكة رئاسة الوزراء, لكن يجب الأشادة ايضا بأن محاربته للميليشيات و قضائه عليها في البصرة و بغداد يعتبر من أهم إنجازاته على الأطلاق. من أهم المثالب التي يؤاخذ عليها هو دعمه للمفسدين من داخل حزبه و تقديم الحماية لهم حتى أن وزيرا متهما بالأختلاس و هدر المال العام مثل الوزير فلاح السوداني لازال حرا و لم يحكم عليه حتى الساعة.
و بالعودة إلى نتائج الأنتخابات الأخيرة سيتبين لنا بان سيناريوهات متعددة ستنتظرنا قبل تشكيل الحكومة العراقية القادمة منها و هذا تصوري الشخصي و ربما يعتبر خاطئا هو قيام تحالفات جديدة سوف لن تؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة الحاكم و الحكم و لن تؤدي ايضا إلى القضاء على الفساد و الإرهاب , بل على العكس من ذلك سنشهد ربما حملة تصفيات جسدية متبادلة بين الفرقاء المتصارعين على حكم العراق , و كذلك سنشهد وضوح الأجندات الأقليمية و خاصة الإيرانية منها في فرض طبيعة التشكيلة السياسية القادمة التي ستحكم العراق على مدى الأربعة سنوات القادمة.و من المتوقع ايضا عودة ميليشيات جيش المهدي بشكل قوي إلى الشارع العراقي.
إن أحد أفضل أسوأ السيناريوهات التي من الممكن توقعها هو قيام تحالف بين السيد علاوي و الأكراد و الأئتلاف الوطني العراقي و برعاية إيرانية و هذا الأمر ربما بحثه السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية و نائبه عادل عبد المهدي اللذين يزوران طهران حاليا, و لن يجد السيد نوري المالكي ترحيبا و لن يدعى إلى هذا التحالف بسبب ممارساته السابقة و مواقف الأطراف الأخرى منه و رفضها التجديد له لفترة مقبلة.
إن هذا التحالف الذي قد يوصل علاوي الى السلطة مجددا لن يكون سسهل المنال إلا في حال تقديمه تنازلات سياسية كبيرة تتعارض مع مواقفه السابقة المعلنة من كثير من القضايا و هو أمر قد يشق قائمته و ربما يتمرد عليه نواب الموصل جميعا و البالغ عددهم 20 نائبا.
في هذا التحالف المتوقع و الذي أدعي بانه ربما يكون خيار الآخرين في موادهة طموحات المالكي للتجديد , ستكون الكتلة الصدرية فيه هي بيضة القبان , و سنشهد عودة تدريجية للميليشيات و محاولات إقامة حكم طالبان شيعي في المناطق التي يقوى فيها التيار الصدري و للعراقيين تجربة مريرة مع هذا التيار و خاصة في المناطق الشيعية , حيث لا زالوا يتخوفون من عودة القمع و المحاكم الشرعية و القتل المجاني و تطبيق القوانين الخاصة بهذه الجماعة و التي تلغي الكثير من الحقوق المدنية التي يكفلها الدستور العراقي.
في المقابل ربما يلجأ المالكي ايضا إلى تقديم تنازلات واسعة الى حلفاء الأمس , لكنه سيواجه برفض من قبل التيار الصدري و كذلك السيد إبراهيم الجعفري الذي نحي من قيادة حزب الدعوة لصالح المالكي. و على المالكي ايضا تقديم التنازلات للإيرانيين و أن يقبل بالرجوع كليا الى أحضان ولي الفقيه , بعد ان لاحت منه بعض التصرفات التي فسرت إيرانيا على أنها محاولات للخروج من فلك السياسة الإيرانية. عودة المالكي إلى أحضان الإيرانيين سيكون مرحبا به ليس فقط من قبل المجلس الأعلى الذي يقوده الحكيم بل ايضا من قبل بعض قيادات حزب الدعوة.
ما يمكن إستنتاجه هو أن المالكي حتى و إن قدم الكثير من التنازلات و لأبدى مرونة كبيرة في التعاون مع حلفاء إيران في العراق , إلا أن تجربة حكمه ربما ستجعل منافسية يفكرون ألف مرة قبل عقد أية صفقة حكومية معه.
إن مصالح الشعب العراقي الحقيقية تتمثثل في
-         التصدي لية محاولات قد تعيد البعثيين إلى الواجهة تحت شتى المسميات و مختلف الذرائع لما للعراقيين من تجربة مريرة مع البعث و بسبب الجرائم التي إرتكبت خلال عهده
-         عدم عودة سطوة الميليشيات على شتى انتماءاتها السياسية و المذهبية
-         ان يكون لي تحالف سياسي قادم برنامج سياسي متفق عليه , يتصمن من ضمن ما يتضمن النقطتين أعلاه بالأضافة الى برنامج إقتصادي شامل يقضي على البطالة و يعيد عجلة ألأقتصاد العراقي إلى سابق عهده و كذلك تأهيل المصانع
-         خطة وطنية لمكافحة الفساد و التصدي له بالأعتماد على تجارب الدول الأخرى في هذا المجال و كذلك الخبرات العراقية المستقلة المشهود لها بالكفاءة و النزاهة
-         إعتبار المواطنة الأساس في تولي المناصب الحكومية و إعتماد مبدأ الكفاءة و الأختصاص للفصل في ذلك , و إبعاد الأحزاب عن الدوائر و المؤسسات الحكومية و ساحات العلم كالمدارس و الجامعات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق