السبت، 13 مارس 2010

مغربهم الكبير ومغربنا العربي


بقلم : عبد السلام بوعائشة

  أصبح مشروع اتحاد المغرب العربي مطلبا وطنيا  لدول الاتحاد الخمس تجد فيه حلا للمشكلات التنموية التي تعاني منها اقتصادياتها المنهكة وتتعاون فيه دفاعا عن كياناتها في مواجهة غول العولمة الرأسمالية ومشاريع التوسع الأوروبي  . وهو أيضا عند الوحدويين العرب  خطوة  في الطريق إلى الوحدة العربية الكبرى تصحيحا لتاريخ المنطقة وانسجاما مع حقائق النسيج الحضاري الاجتماعي للشعوب المغاربية ومصيرا حتميا تقود إليه كل المحاولات الصادقة لتحقيق التنمية الشاملة التي تستجيب لطموحات المواطن في كل قطر من أقطار الاتحاد.
 وحدة المغرب العربي أصبحت مطلبا وطنيا مغاربيا ومطلبا عربيا وحدويا. كل هذا من حيث التاريخ ومن حيث المبدإ  مفهوم ومعروف ولا يختلف فيه عاقلان غير أن ما لا يعرفه الكثيرون وقد نختلف فيه مع بعض المتابعين هو أن ثمة طرف ثالث يتربص بالاتحاد ويسعى لتوجيه مساره نحو مقاربة معادية تماما لرغبة القادة  المغاربيين ولرغبة الشعب العربي في هذه الربوع ,مقاربة تريد فتحا استعماريا جديدا يختطف الجغرافيا المغاربية ويفرغها من مضمونها الحضاري العربي الإسلامي ويقطعها عن محيطها الجيوسياسي القومي العربي ليلحقها بنظام التوسع الأوروبي- رغم عدم اكتماله بعد- تحت عباءة" الاتحاد من اجل المتوسط". ومن أجل تحقيق هذا الفتح تعمل الآلة الأوروبية مجتمعة ومنفردة و على جميع الأصعدة الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية في اتجاه منع أي تقارب مغاربي مستقل عن نهج الشراكة الثنائية معها وتصر على الانفراد بكل دولة على حدة لتفرض عليها برامج التعاون والشراكة التي تضعف جهود التكامل و التعاون المغاربي  المستقل وتقوي جهود الإلحاق المغاربي التابع لأوروبا.
 يمكن أن نتبين هذه السياسة الأوروبية في الحرص على عقد الاتفاقيات الثنائية مع كل دولة مغاربية على حدة سواء فيما يتعلق بالشراكات الاقتصادية أو ما يتعلق بالهجرة والأمن والتعليم والتعاون الثقافي أما في ما يخص السياسات الخارجية لدول الاتحاد المغاربي  فان أوروبا وخصوصا فرنسا تسعى جاهدة لربط مواقف دول الاتحاد بمواقفها واستراتيجياتها الكبرى في المنطقة العربية وإفريقيا والعالم وتعمل بخاصة على إضعاف أي تقارب بين دول المغرب العربي ودول المشرق وبأكثر تخصيص مع مصر رغم الدور السلبي الذي ما زال يتحكم في القرار السياسي للحكومة المصرية. وباعتبار ما للثقافة والإعلام من دور خطير في إنجاح برامج الدول وتعبئة الرأي العام حول أهدافها ومشاريعها ونظرا لما يوفره هذا القطاع اليوم من إمكانات هائلة بفضل ثورة تكنولوجيا المعلومات وتوسع فضاءات البث الرقمي وانحسار الحدود الثقافية للدول والمجتمعات فإننا نشهد توسعا وحدة في الفعل الثقافي والإعلامي الموجه أوروبيا للفضاء المغاربي رغم أن القيادة فيه للإعلام والثقافة الفرنسية صاحبة السبق التاريخي في بلداننا, توسعا لم يقتصر على الفاعلين الأوروبيين القادمين من وراء الضفة فحسب  بل تعدى ذلك إلى ما هو اخطر عبر الاستثمار المكثف  والمباشر في النخب المحلية المنبتة بشتى أصنافها السياسية والحقوقية والإعلامية والثقافية وذلك بدعم كل مبادراتها التي تصب في مشروع إلحاق دول المنطقة بأوروبا ماديا وسياسيا  وتحريكها كطابور خامس قوي وعنيف يعمل بفاعلية على استقطاع دول المغرب من محيطها الحضاري العربي و تحريرها من سجن التخلف الشرقي وجرها عنوة نحو حداثة الاستعمار الجديد. و لعل ابرز مثال على هذا السعي ما تروّج له عديد  القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية والصحف و شركات الإشهار وعديد المنظمات والجمعيات والأحزاب في دول المغرب العربي من مضامين ذات علاقة بالدعوة والدعاية للعلمانية والنعرات العرقية وثقافة الفرد في مواجهة ثقافة المجتمع وثقافة الغرب في مواجهة ثقافة الشرق  وثقافة العري والإباحية  في مواجهة ثقافة التأصيل الأخلاقي والديني وثقافة الفرنكو-آراب في مواجهة ثقافة العروبة والتعريب وثقافة "المغرب الكبير" في مواجهة ثقافة"المغرب العربي". مواجهة تستعمل فيها كل أساليب الإغواء والإغراء وأساليب الإنزال السياسي والحضاري وراء خطوط  الأسرة والأحزاب الوطنية وخطوط الحضارة القومية عبر استهداف فئة الطفولة و الشباب والمراهقين واستهداف برامج التعليم والأسرة والمرأة. كل هذا يجد صورته المكتملة في الخط الدعائي لقناة" نسمة" التي تعلن دون ملل و بشكل فاضح ومستفز على أنها قناة" المغرب الكبير" وتعمل جاهدة على أن يكون بلا عروبة  و مناقضا بل ومعاديا للمشرق العربي ومتكاملا مع الغرب وثقافته العلمانية المتصهينة.
مشروع المغرب العربي كحلم تاريخي وهدف سياسي للمرحلة القائمة لا بد أن تتحمل الدول المغاربية والأحزاب الوطنية المقاومة حمايته و تحصينه من محاولات الاختراق الاستعماري الجديد وتعمل على تحرير إرادة بنائه عبر توحيد مواقف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي ودوله والقضاء على كل الأنشطة المشبوهة التي تمثل بحق طابورا خامسا للعدوان الخارجي و لا بد أن يتحمل الحاكمون  فيه مسؤوليتهم في تفعيل مسار تعريب السياسات وتعريب الثقافة والخيار اللغوي ودفع مسارات التعاون والتضامن السياسي الأمثل مع الدول العربية وفق مقاربة  وقف التداعيات الكارثية لمنهج التطبيع مع الصهيونية وتحقيق أقصى  ما يمكن من الاندماج الاقتصادي دفعا للاستثمار ونهوضا بالتبادل التجاري وحلا لمعضلة البطالة التي حولت الشباب العربي  إلى جيوش من المتسولين والمغامرين  على عتبات السفارات ومنافذ الهجرة بكل أشكالها.
اتحاد المغرب العربي  ليس هدفا في ذاته كما انه ليس بضاعة سياسية و إعلامية بل هو مشروع  الأمة العربية منذ حرب التحرير الوطنية وأداتها في مواجهة مشاريع الاستعمار القديم والجديد ولا يمكن السماح بتحويله إلى آلية جديدة للإلحاق بالفضاء الأوروبي المتوسطي القادم على قواعد القطع مع العروبة والتطبيع مع أعدائها . وليس من سبيل أمام الدول المغاربية وحكوماتها وأحزابها للنهوض بهذا الجهد سوى المراهنة الجادة على الخيار الشعبي المستقل وتحرير الإرادة الوطنية من أسر الضغوط الاقتصادية والسياسية الخارجية وأسر مراكز النفوذ و التنفذ الداخلي المتسلط على الخيارات والقرارات لأن المنافسة والمنازلة الخارجية المفروضة اليوم على مشروع اتحاد المغرب العربي  مناطها الاقتصاد والثقافة و أن كل الوقائع تشير إلى أن المغرب العربي في أوضاعه الحالية عاجز عن النهوض باستحقاقاتها بعيدا عن يقظة التاريخ الاجتماعي والوطني للشعوب وتحرر إرادتها السياسية وهذا هو الطريق الذي يهزم مشروع" مغربهم الكبير" ويحقق وحدة" مغربنا العربي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق