الأربعاء، 21 أبريل 2010

القدس التائهة 2/2


محمد سيف الدولة  
تحدثنا في الجزء الأول عن انه في سوق المقايضات الدائر منذ أكثر من نصف قرن، هناك أكثر من عشرة أقداس مختلفة، واحدة منهم فقط هي القدس الفعلية والباقي زائف أو ناقص.
تناولنا خمس منها بالوصف هي: القدس الموحدة عاصمة فلسطين التاريخية، والثانية هي المدينة القديمة، والثالثة هي المقدسات المتجسدة في الحرم الشريف، والرابعة هي القدس تحت الانتداب البريطاني، والخامسة هي القدس الغربية .واليوم نستكمل ما بدأناه:
***
6 -   وهناك سادسا القدس الشرقية الأردنية، وهو مصطلح حديث لم يظهرإلا بعد حرب 1948
 وكان يطلق على ذلك الجزء الذي خضع للإدارة الأردنية بموجب اتفاقيات الهدنة الموقعة عام 1949
 وكانت مساحتها حينذاك لا تتعدى 11,48% من مساحة القدس تحت الانتداب، بما يوازى 2,20 كم2، زادت إلى 6,60 كم2
عام 1967.  وهى تضم داخلها المدينة القديمة.
 أما ما تبقى من القدس بعد الاغتصاب الصهيوني والسيادة الأردنية، فلقد خضع لسيادة الأمم المتحدة، و مساحته 4,39 % من قدس الانتداب بما يوازى حوالي 0,850كم2 وأطلق عليه المناطق الحرام التي تفصل بين القدس الشرقية والقدس الغربية.
 وفي عام 1967بلغ عدد سكان القدس الشرقية 266300 نسمة، كلهم عرب.
  وفى عام 1967 قام الصهاينة باحتلالها مع باقي الضفة الغربية وغزة.
ومصطلح القدس الشرقية يطلق مجازا على مسميات متعددة: منها ما ذكرناه عاليه. كما يطلق أيضا على محافظة القدس الحالية، ولكن التعبير الأكثر تداولا الآن هو الذي يطلق على ذلك الجزء الذي اقتطعته إسرائيل وضمته إليها والمسمى بـ (J1 ) كما سيرد لاحقا.
***
7 -  وهناك سابعا محافظة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية التي تطالب بها السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية وغزة . و تتفاوض بشأنها مع الصهاينة منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993 بلا جدوى.
 وهى واحدة من 16 محافظة تنقسم إليها أراضى السلطة الفلسطينية.
 وتبلغ مساحتها 353,7 كم2
 و تنقسم طبقا للدراسات الفلسطينية إلى منطقتين المنطقة الأولى هي القدس الشرقية الحالية وهى تلك المنطقة التي ضمتها إسرائيل إلى بلدية القدس ويطلق عليها (J1 ) والمنطقة الثانية هي التي لم تضم (بعد) وتسمى بـ .(J2) .
 ويبلغ عدد سكانها من العرب حوالي 365 ألف.
 ويبلغ عدد الصهاينة المستوطنين فيها حوالي 255 ألف.
 بينما تبلغ جملة عددهم في الضفة الغربية كلها حوالي 485 ألف صهيوني.
 أي أن 53 % من صهاينة الضفة يرتكزون في محافظة القدس التي لا تتعدى مساحتها 6,25 % من مساحة الضفة.
 ويتم التعبير عنها أحيانا بأنها القدس الشرقية عاصمة فلسطين كما أسلفنا ، ولكنه توصيف غير دقيق.
***
 
8 -  وهناك ثامنا القدس الشرقية الحالية ( J1) وهي ذلك الجزء من محافظة القدس الذي اغتصبته إسرائيل، وقامت بضمه
 إليها عام 1980، ليشكل مع القدس الغربية، ما يسمى بالقدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل.
 وهو ما يعتبر إعلانا صهيونيا مبكرا بأنها لن تنسحب منه، ولن تتفاوض بشأنه.
 وكما صرح نتنياهو أخيرا في خطابه أمام منظمة الإيباك، مارس 2010، بان ما يقومون ببنائه في القدس الشرقية ليس مستوطنات، وإنما هو بناء في ارض إسرائيل وعاصمتها.
 وتبلغ مساحة القدس الشرقية الآن حوالي 70 كم2
 وتضم في أقصى الغرب منها المدينة القديمة التي تبلغ مساحتها كما أسلفنا 0,90 كم2.
 وتخضع لإدارة موحدة هي بلدية القدس الإسرائيلية.
 و يقطنها حوالي 250 ألف مواطن عربي طبقا لإحصاء .2007
 و يستوطنها حوالي 200 ألف صهيوني.
 وهى المنطقة التي تتركز فيها منذ بضعة سنوات الاعتداءات الصهيونية ، بهدف تهويدها وتكرار ما تم فى القدس الغربية معها .
فهي الجبهة الأمامية الحالية .
 وهو ما يتم من خلال نزع واغتصاب الاراضي العربية ، وتحريم وتجريم أعمال البناء للعرب في 92 % من أراضي القدس الشرقية .
وبناء أحزمة من المستوطنات الصهيونية لمنع الامتداد العمراني العربي شرقا، ولمنع تواصل التجمعات العربية القائمة .
 وكذلك سحب الهويات المقدسية من السكان العرب
  وهدم المساكن العربية في المناطق المحيطة بالمدينة القديمة، مثلما يتم الآن في منطقة السلوان بحي البستان
 وفرض ضرائب باهظة على المؤسسات والمتاجر العربية لإغلاقها
  وإهمال هائل للبنية التحتية، يتمثل في أن 5 % فقط من ميزانية بلدية القدس الموحدة يصرف على القدس الشرقية، بينما تذهب الـ 95 % الأخرى للقدس الغربية، مما خلق مشكلات كبيرة للمواطنين العرب في الصرف الصحي والمياه والكهرباء والطرق والتعليم وخلافه، في إطار هدف صهيوني واضح هو طرد وتطفيش العرب خارج القدس.
***
9 -  وهناك تاسعا القدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل، وهى تضم القدس الغربية، والقدس الشرقية الحالية المسماة بالمنطقة J1)  )كما اسلفنا، و تبلغ جملة مساحتها حوالي 125 كم 2 ، و يقطنها حوالي نصف مليون يهودي بالإضافة إلى 250 ألف عربي، بنسبة 66 % إلى 34 % لصالح اليهود.
 وهي كلها أراضينا وأوطاننا، و جزء من فلسطين التاريخية.
 ويهدف الصهاينة منذ 1967 وبتوصية من جولدا مائير، إلى تخفيض نسبة الوجود العربي فيها إلى 20 %، حتى لا يكون هناك
مجال للتفاوض حولها، أو المطالبة بأي حقوق فلسطينية فيها.
***
10 - وهناك عاشرا القدس العظمى وهى المصطلح الذي يطلق على القدس كما يريدها الصهاينة في المستقبل، والتي تضم بالإضافة إلى القدس الإسرائيلية الموحدة الحالية، كل الأراضي الممتدة شرقا إلى حدود الأردن. في إطار المخطط الصهيوني الهادف إلى ابتلاع الضفة، والقضاء على أي إمكانية لبناء دولة فلسطينية فيها. وتبلغ مساحتها التقديرية حوالى440 كم2 .
***
11 -  وهناك أخيرا القدس كما جاءت في مشروعات التسوية النهائية في الدهاليز الأمريكية الصهيونية الفلسطينية، وهى معروفة لأولى الأمر منهم ، ومتفق عليها على الأغلب ، ولكنها تنتظر الظروف الملائمة للإعلان عنها . وخلاصتها انه سيكون لكل طرف قدس ما، له فيها السيادة على مواطنيه ومقدساته بصرف النظر عن حدود 1967 ، وبصرف النظر عن أى ثوابت وطنية فلسطينية. وسيتم تقنين الواقع الحالي على الأرض على قاعدة 2: 1 لصالح إسرائيل حيث أنها النسبة الحالية بين اليهود والفلسطينيين في القدس الموحدة الحالية . أما بالنسبة للمقدسات، فالمطروح هو اقتسام وتوزيع السيادة عليها داخل المدينة القديمة مع تشكيل مجلسين بلديين في المدينة القديمة احدهما فلسطيني والآخر إسرائيلي.
****
بعد هذه الجولة السريعة مع الأقداس العشرة المتداولة في الأحاديث والوثائق المختلفة خلال أكثر من نصف قرن، نصل إلى مربط الفرس والذي يمكن أن نحدده في الآتي:
 إن القدس واحدة، بعضها مغتصب هو القدس الغربية، والباقي محتل وفى طريقه إلى الاغتصاب مثل القدس الشرقية. وكلها أرضنا، يجب أن نسعى لاستردادها و تحريرها كاملة.
 وان فلسطين واحدة، 78 % منها مغتصب، والباقي محتل وفى طريقه إلى الاغتصاب، وكلها أرضنا، يجب أن نعمل على استردادها وتحريرها كاملة.
 إن أعمال الاغتصاب والتهويد قديمة، من بدايات القرن العشرين، و لا تزال قائمة ومستمرة على قدم وساق.
  وإن الاكتفاء من طرفنا بمواجهة التهويد الحديث مع الصمت والقبول بنتائج وآثار التهويد القديم، هو موقف خاطئ وغير مفهوم.
  فمعاركنا يجب أن تكون ضد التهويد الحديث والقديم، الظاهر والمستتر، الفجائي الصادم والتراكمي الهادئ. الموجه لمقدساتنا الدينية أو لمقدساتنا الوطنية.
  إن التصدي لأعمال التهويد القائمة الآن للمسجد الأقصى والمدينة القديمة والقدس الشرقية، هو ضرورة ملحة. ولكنه يجب أن
يرتبط بإستراتيجية واضحة لتحرير كامل الأرض المحتلة من النهر إلى البحر.
 إن هذا التناول المبدئي للقضية، يضعنا أمام سيل من المهام والجهود التي يجب أن نشرع فيها ولا نتوقف عنها أبدا إلى أن نحقق هدفنا. وهى معركة قد تستمر عقودا طويلة.
 وهو على النقيض تماما مما نفعله الآن، عندما نكتفي بالتعبير عن الغضب أيام الجمعة من كل أسبوع، إذا تعرض المسجد الأقصى أو المدينة القديمة للتحرش، ثم ننفض باقي أيام الأسبوع، وأحيانا باقي أيام السنة، طالما لم يستصرخنا أهالينا هناك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق