الأربعاء، 21 أبريل 2010

تهنئة مبارك ل"اسرائيل" والاعتذار الواجب للفلسطينيين


محمود عبد الرحيم:
اعتذار واجب ينبغي أن أوصله لكل فلسطينيي الداخل وفي الشتات، باسمي، وباسم كل مصري، لا يعترف الا بفلسطين، وشعبها، وحقوقهم العادلة، المشروعة، والتاريخية.
اعتذار، وفي ذات الوقت، تبرأ من رسالة الرئيس مبارك لرئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز، الذي بادر فيها  الى تهنئة احد  جزاري الشعب العربي، في فلسطين ومصر ولبنان، بعيد"استقلال اسرائيل"، أو بالاحرى بذكرى النكبة العربية الكبرى، التى تسبب فيها الحكام الفاسدون المرتهنو الارادة، قبل اكثر من ستين عاما ، والتى تتواصل فصولها المأساوية على يد أمثالهم حتى اللحظة الراهنة.
فهذه رسالة - بلاشك -  تعد بمثابة وثيقة ادانة يقدمها بنفسه نظام  فقد بوصلته، بعد أن شاخ على كرسى الحكم، فراح يناقض الضمير الشعبي، الذي لا يمكن أن تختلط عليه الامور، لدرجة ان ينحاز للجلاد دون الضحية، ويعترف بالمغتصب، ويتجاهل المُغتصبة ارضه، بل ويشرعن للمحتل جريمة اغتصابه، ويهنأه على اجرامه وعدوانه، الذي لم، ولن يُنسى أو يُغفر، مهما طال الزمن.
ان كان النظام المصري قد أعتاد أن يفعل هذه الخطيئة السياسية من قبل، فهذه المرة والصراع العربي الصهيوني  يمر بأصعب مراحله، لايجوز هذا الفعل المُؤثم، فيما يتصرف العدو الصهيوني، بمنطق جنون القوة، مستغلا حالة الصمت والتواطؤ العربية قبل الدولية، للاقدام على تهديد سوريا ولبنان عسكريا، والسعى الحثيث لتصفية القضية الفلسطينية بالتهويد، والاستيطان، و سياسة الترانسفير، التي لم تعد مقتصرة على  المقدسيين فحسب، وأنما طالت  كذلك الآف الفلسطينيين في الضفة الغربية، تحت سمع وبصر العالم كله، الذي لم يحرك ساكنا،  هو وما تسمى ب"السلطة الوطنية الفلسطينية "، وزعيمها  عباس صاحب شعار" المقاومة بالصمت، ومعاداة الكفاح المسلح"، الذي لا أدري إن كان هنأ بيريز سرا أو علانية، هو الآخر بعيد الاستقلال أم لا؟ .
في المأثورالشعبي ما يسمى ب"حسن الخاتمة"، و"الرجوع الى الحق"، و"رد المظالم"، وعند الغرب ما يعرف ب"المراجعة"، و"الاعتراف بالخطأ"، وكنا ننتظر بعد المحنة الصحية التى مر بها الرئيس مبارك، وبعد  أن بلغ من العمر أرذله، أن يراجع نفسه في سياسات عديدة أنتهجها، وأثبتت التجربة خطأها، وكيف أضرت بمصر، ومصالحها، وسمعتها، وقبلهم بالشعب المصري دافع فاتورة الحكم الفردي القمعي الذي يراد توريثه، وفي مقدمتها سياسة مصر الخارجية، وعلاقاتها بمحيطها العربي والافريقي، وتحالفاتها الاستراتيجية الخاطئة، وتقديراتها غير الصائبة، التى  لم تذهب بمكانة مصر فقط، وانما باتت تهدد مصالحها بشكل حقيقي، ولعل ازمة المياه  مع دول حوض النيل - مؤخرا - خير دليل.
وبالمناسبة، الكيان الصهيوني، الذي نحتفل به، ونكافأهه ببناء جدار يخنق الفلسطينيين، ومده بغاز مدعوم، احد القوى المحرضة بقوة على إثارة دول حوض النيل، لعدم الاعتراف بحصة مصر التاريخية، والترويج لتسعير المياه، ومساعدة دول المنبع في بناء سدود وحواجز للمياه.
وأود أن أذكر الرئيس مبارك هنا، وهو القائد العسكري السابق، بأن العدو في العقيدة العسكرية المصرية، كان، ولا يزال "اسرائيل"، التى بيننا، وبينها بحار من الدم، وأرواح شهداء، وأسرى تم قتلهم غدرا، وإن كان نظام السادات قد تورط في التطبيع مع هذا الكيان العدواني المزروع في غير ارضه، وأنه إن كان  ورث عنه هذه التركة الشريرة، فقد آن الآوان، بعد قرابة 30 عاما من الحكم، و35 عاما من معاهدة الاستسلام، والاعتراف بالعدو أن نتخلص من هذا القيد، الذي يقيد حرية مصر، واستقلاليتها، وحركتها، لتعود مصر القوية الفتية، قائدة لأمتها العربية الداعمة للشعب الفلسطيني، وحقوقه.
وأولى بالرئيس مبارك، بدلا من تهنئة العدو أن يبادر الى رفع الحصار الظالم عن الفلسطينيين، ويوقف فورا  بناء الجدار الخانق مع غزة، دون انتظار حكم المحكمة التى تنظر القضية، وتؤجلها مرة تلو مرة، بل وعليه أن يشرع في لم شتات العرب، وقيادة مصالحة عربية وفلسطينية، تمهد  لدعم مفتوح  لكفاح الشعب الفلسطيني من أجل التخلص من الاحتلال بكل السبل، مثلما  أعتادت أن تفعل مصر عبد الناصر مع الفلسطينيين، ومع كل قوى التحرر الوطني في العالم العربي وافريقيا، من زاوية مصلحة الامن الوطني المصري الحقيقية، ومتطلبات الدور والمكانة لدولة بحجم مصر، وليس الشعارات الوهمية، ودعاوى الانغلاق، و"الواقعية الوقوعية"، التى أصابت مصر بالخسارة، و العجز، والتقزيم.
أغلب الظن ان الرئيس المصري لن يستمع ولن يبالي بهذه الدعوات، وسيواصل ما بدأ حتى يقضي الله امرا كان مفعولا، رغم التجارب القاسية التي  نالها كل حاكم استهتر بشعبه ومصالحه وانحاز ضده،  واخرها درس الرئيس القيرغيزي، الذي خرج من بلاده مذموما مدحورا.
فهذه الدعوات نذير، و في نفس الوقت ابراء للذمة، وتمييز للموقف الرسمي عن الشعبي، الذي كان ولايزال رافضا للاعتراف بالكيان الصهيوني، ومنحازا للشعب الفلسطيني وكفاحه وحقوقه، ولن ينسى ثأره، أو يسمح بتشويه وعيه، ونسف ذاكرته التاريخية.

*كاتب صحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق