الأربعاء، 21 أبريل 2010

من حقي أن أكون معارضا


المصطفى المعتصم/ السجن المحلي بسلا
  تقديم
                          
في اليوم الرابع عشر من إضرابي المفتوح عن الطعام والذي أخوضه رفقة إخوة آخرين احتجاجا على مسار محاكمة افتقدت كل شروط المحاكمة العادلة، وبالرغم من كل الاضطرابات وفقدان القدرة على التركيز، أردت أن أكتب هذا المقال، فلربما يكون آخر ما أكتب إذا شاءت إرادة الله أن أغادر هذا العالم.                           
أريد أن أفعل ما فعله غاليلي وهو على حافة الموت عندما صرخ وهم يهمون بقطع رأسه: " ومع ذلك فإن الأرض تدور"         
من جهتي أريد أن أقول لمن حرموني حريتي و سلّطوا عليّ قضاءهم الفاسد:"ومع ذالك سأبقى مناضلا من أجل بناء صرح ديمقراطية حقيقية يعيش فيها الإنسان المغربي مواطنا كامل المواطنة.. ديمقراطية لا مكان فيها للمصادرة والاستبداد والقيود والإرهاب والاستخفاف بحقوق الإنسان".                           
 من حقي أن أكون معارضا
من حقي أن تكون لي كل الضمانات للتمتع بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وكما يسطر ذلك الدستور المغربي الممنوح ،وكما هي مسطرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل المواثيق والاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب،ومن حقي أن أتشبت بهذه الحقوق وأعارض من يمس بها.           
الحق في الحياة جوهر هذه الحقوق، ولا حياة من دون كرامة وأمن وحرية.ومن حقي أن أقاوم كل من يمس بكرامتي أو كرامة أي مواطن مغربي، فلست عبدا لأحد- إلا لمولانا الصمد- وأرفض أن أعيش في حرية مؤقتة يصادرها الحكام- كلما أرادوا و وقتما أرادوا للأ سباب والدواعي التي أرادوا-.ولا حياة من دون أمن، فالخوف من إرهاب الأفراد أو الجماعات أو الدولة المستبدة المنفلتة من عقال القانون يمس بهذا الحق.
ولأنّ الله سبحانه وتعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولأنّ العدل أساس الملك، فمن حقي أن أناضل من أجل دولة عادلة، ولن تكون هناك دولة عادلة من دون قضاء عادل مستقل يساوي بين الحاكم و المحكوم، لا مكان فيه للتعليمات ولا للتمييز على أساس الانتماء السياسي أو الطبقي أو القرب من السلطة...فمن دون قضاء عادل و مستقل فالحديث عن الديمقراطية لغو وعبث.
الحق في اختيار التنظيم، والحق في المرجعية حقّان من حقوق الإنسان لا مساومة عليهما.الشرط الوحيد  الذي  لا نقاش فيه هو: احترام قواعد اللعبة الديمقراطية واحترام القوانين المعمول بها ،ما عدا ذلك فكل مصادرة للحق في التنظيم أو المرجعية هو استبداد نعارضه و نقاومه.
من حقي أن أعارض السياسات الحكومية من دون أن أخشى على حياتي ورزق عيالي وعلى حريتي من أن تصادر وكرامتي من أن تداس.
من حقي أن أطالب، بل أناضل من أجل ملكية ديمقراطية يكون مدخلها إقرار دستور ديمقراطي و إصلاحات سياسية  تعيد بعض المعنى للحياة السياسية من خلال توضيح الصلاحيات والاختصاصات، وتعيد الاعتبار للمؤسسات التشريعية ولأدوار الحكومة.
من حقي أن أرفض الترتيبات السياسية البئيسة، لأنّها تسيء ليس فقط  للعملية السياسية برمتها، بل  لسمعة المغرب ونظامه السياسي، مما يدفع الجماهير إلى مزيد  نفور من السياسة والسياسيين، ويرخي بالكثير من ظلال الشك على طبيعة اللعبة السياسية ، في وقت قد لا نبالغ إذا قلنا إن الحل الذي اقترحه المغرب لمعضلة الصحراء ( الحكم الذاتي) رهين بالدرجة الأولى بسمعة بلادنا، ممّا يحتم الانخراط الجاد في أفق المصالحة الوطنية و الانتقال الديموقراطي.
من حقي أن أطالب بانتخابات حرة و نزيهة، تقول فيها الجماهير كلمتها بعيدا عن التزوير و استعمال المال و النفوذ والقرب من السلطة.
   من حقي أن أرفض استعمال العنف و الإرهاب سواء كان عنف و إرهاب الأفراد أو الجماعات  أو الدولة، و أرفض الحكامة بالمؤامرة و الكيد للخصوم السياسيين للإيقاع بهم.
من حقي أن أعارض الاستبداد و الفساد و الإقصاء، و أرفض الإفلات من العقاب سواء تعلق الأمر بجرائم سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
من حقي أن أقول لا للسياسات التعليمية ببلادي، سياسات أبقت أغلبية الشعب المغربي متأرجحا بين الأمي و الشبيه بالأمي. من حقي أن أدين عملية الاغتيال الممنهج الذي تعرضت ولا تزال تتعرض له المدرسة العمومية، وأدين اعتبار التعليم قطاعا غير منتج . كما أرفض الإجراءات والتدابير التي اغتالت البحث العلمي خصوصا في كلياتنا و معاهدنا العلمية و التقنية.التعليم هو قاطرة التنمية الأولى و لا يمكن تصور تنمية بشرية بمعدل مرتفع للأميّة خصوصا في المجال القروي ووسط النساء.
إن التعليم، ولنقل إن المدرسة العمومية كانت منذ الاستقلال قنطرة أبناء الفقراء و المستضعفين للارتقاء في السلّم الاجتماعي. والإجهاز- عليها بموازاة تشجيع التعليم الحر- هو إجهاز على هذه الفرصة و ضرب صميمي لفرص المساواة وسد للطريق في وجه الفقراء للإفلات من الفقر والهشاشة.
من حقي أن أعلن أنّ الميثاق الوطني للتربية و التكوين لن يمّكن من إصلاح منظومتنا التربوية، و من حقي أن أقول أيضا إنّ البرنامج الاستعجالي لن يأتي بما هو منتظر منه ،بالرغم من كل المجهودات المبذولة، والتي لا نبخس أصحابها حقوقهم . السبب بسيط هو أن التعليم في بلادنا يفتقر لقضية/رهان تحفز المعلم و الأستاذ و الباحث و التلميذ والطالب . القضية هي التي تجعل تصنيف قطاع التعليم في غزة أحسن منه في المغرب . من حقي أن أقول إن بلدا يفتقر لمشروع مجتمعي متفق و متوافق حوله لا يمكن أن يكون  لتعليمه قضية/رهان أبدا.
من حقي أن أعارض السياسة الصحية لحكومتنا لأن التطبيب لم يعد حقا ،بل أصبح امتيازا لا يحصل عليه إلا من يتوفرون على الإمكانيات المادية الكبيرة خصوصا عند ما يتعلق الأمر بالعمليات المعقدة والأمراض الفتاكة المزمنة. من حقي أن أندد بمصادرة الحق في الصحة لأنه انتهاك فاضح لحقوق الإنسان.
من حقي أن أعارض السياسة الحكومية في مجال الإسكان و التعمير/ فلا  يجب فقط توفير سقف يأوي إليه الإنسان،بل أن تحترم حميميته.و من حقي أن أدين العديد من المشاريع السكنية التي تغيب فيها الشفافية و المراقبة والمحاسبة على الجودة وتحضر فيها المضاربة . كما أن التهاون و البطء في الإنجاز لا يساعد على حل المشاكل التي لا زالت تتفاقم نتيجة ازدياد الطلب على السكن الناتج عن استمرار الهجرة القروية والنمو الديمغرافي .  أما مواجهة الأخطار التي يواجهها المواطنون من جراء المساكن الآيلة للسقوط فلا نلمس تحرّكا حكوميا إلاّ عندما تنهار هذه الدور على رؤوس أصحابها، و هو في الغالب تحرّك إعلامي لا يسمن و لا يغني من جوع.                 
ولأن الشغل حق من حقوق الإنسان فإن السياسات الحكومية في هذا المجال تبقى دون المستوى , لذا أجدني أعارض هذه السياسات التي تفتقد إلى استراتيجيات حقيقية وترتهن بالدرجة الأولى إلى استثمار الخواص والاستثمار الأجنبي الذي قد يأتي ولا يأتي .
إن الحكومة التي كونت جامعاتها ومعاهدها ذوي الشواهد العليا تتجرأ من دون حياء بالقول إن هؤلاء الخريجين لا يتلاءم تكوينهم مع متطلبات السوق واحتياجاته، فلماذا لم تتم الملاءمة والمواءمة ولماذا ما زال هذا الخلل مستمرا ؟. ثم ماهي احتياجات ومتطلبات السوق ؟. نريد أرقاما وإحصاءات .. لا كلاما لا يسمن ولايغني من جوع . وهو هروب من المسؤولية , وإخفاق في مواجهة معضلة بطالة الأطر العليا . إنه تغطية على فشل سياسات حكومية ارتهنت إلى تعليمات البنك الدولي منذ بداية الثمانينات تاريخ الشروع في برنامج التقويم الهيكلي (باس) السيئ الذكر .
من حقي أن أطالب بالمساواة والإنصاف وفرض التباري الشريف في مباريات التوظيف لتصبح الكفاءة المقياس الوحيد وليس الانتماء الطبقي أو الرشوة في الفوز بالمناصب والوظائف . بل من حقي أن أطالب بنوع من التمييز الإيجابي لصالح الفقراء والفئات التي تعيش الهشاشة بعد أن ظل المغرب ولا يزال لعقود وهو يمارس هذا التمييز لصالح البورجوازية والأوليغارشية .
من حقي أن أرفض التوجه الليبرالي الفوضوي للاقتصاد المغربي، ومن حقي أن أقاوم كي لا تصبح بلادي فريسة لذئاب الأوليغارشيا عبر القارية ولعولمة استعمارية ظالمة، وأن أناضل من أجل عولمة بديلة أكثر عدلا وأكثر إنصافا وأكثر إنسانية ومحافظة على مصالح العباد وتماسك الدولة القطرية وسيادتها.
من حقي أن أقول إن أصل الكثير من أمراضنا وعللنا الاقتصادية والاجتماعية راجع إلى تماهي حكوماتنا مع التوجهات الليبرالية المتوحشة التي يمليها البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية . إن ليبرالية اليوم لا علاقة لها بليبرالية الآباء المؤسسين لها، بل هي وجه لاستعمار جديد يعتمد اقتصاد السوق المبني على المضاربة والمراهنة والاقتصادات الصورية والبورصوية وليس على الاستثمار المبدع للثروات الضامن للتنمية البشرية .
إن تبني هذه الليبرالية المتوحشة هو تبن لمشروع اللاعدالة واللامساواة وتفقير الدولة القطرية وتفتيتها وسحق فئات واسعة من جماهيرها لفائدة إغناء فئة من الوسطاء والسماسرة من أبناء الأوليغارشيا المحلية التي ترهن مصالحها لمصالح الأوليغارشيا عبر القارية المتحكمة في الشركات متعددة الجنسيات التي تستحوذ على القطاعات المنتجة والمنتجة فقط  في بلادنا تحت يافطة الخوصصة
إن مشروع العولمة الليبرالية المتوحشة التي تحني حكومتنا الحالية له ظهرها، بل ويتحمس له بعض وزرائنا هو مشروع لتجويع الجائعين وتفقير الطبقة الوسطى وتشجيع للسماسرة والوسطاء والفساد والمضاربة . ومن حقي أن أعارضه وأناضل من أجل البديل .. أي عولمة عادلة .
من حقي أن أقاوم خوصصة القطاعات المنتجة التي تدخل في الخدمات الاجتماعية العمومية من صحة وتعليم ونقل . بل أعارض خوصصة الطاقة والمعادن والمياه . من حقي أن أطالب بمساءلة ومحاسبة ناهبي المال العام والمفسدين والمرتشين .
من حقي أن أعارض السياسات الفلاحية بالمغرب وأرفض توجهاتها الكبرى في هذا المجال ،إذ لم تستهدف الأمن الغدائي للمواطنين المغاربة بالدرجة الأولى، بل اختارت أولوية  التسويق والتصدير إلى الخارج . وهذا ناتج طبعا عن تلاقي مصالح الأوليغارشيا واللوبيات العاملة في هذا المجال مع تعليمات المؤسسات المالية الدولية ومنظمة التجارة العالمية . إنّ السياسات الفلاحية بخلفية التسويق لم يجني منها الشعب المغربي سوى الفقر والغلاء وتدهور الحياة المعيشية والهشاشة في بلاد يروج لها البعض أنها فلاحية بامتياز . سياسات جنت على صغار الفلاحين ودفعتهم إلى هجرة مكثفة في اتجاه ضواحي المدن حيث البؤس والسكن غير اللائق والجريمة وكل الأمراض الاجتماعية .
من حقي  أن أعارض السياسات المائية وأن أقلق على الأمن المائي للمغرب , فليس المهم أن تبني سدودا، ولكن الأهم أن نحميها من التغريق ( الملء بالأوحال ) أي من الموت السريع . من حقي أن أطالب بضرورة فتح تحقيق لمعرفة سبب عدم احترام دفاتر التحملات في هذا المجال .
وإذا كان من حقي أن أقلق على الأمن المائي المغربي فلا بد أن نجعل حدا للإسراف والتبذير والتلويث الذي تتعرض لها المياه الجوفية الأحفورية منها والمتجددة على أيدي الجشعين الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الضيقة .
من حقي أن أعارض السياسة الطاقية وأقول إنّ الخيار الحقيقي الكفيل بسد حاجاتنا في هذا المجال بشكل فعال وناجع هو الطاقة النووية سواء في إنتاج الكهرباء أو في تحلية ماء البحر. إنها طاقة ذات مردودية وأقل كلفة بالمقارنة مع خيارات أخرى وغير ملوثة وآمنة خصوصا مع الأجيال الأخيرة للمفاعلات النووية.
من حقي أن أعارض السياسات الخارجية  , خصوصا تلك التي لها علاقة بقضية وحدتنا الترابية . من حقي أن أقول إنها سياسة تفتقر إلى المبادرة والرؤية الاستراتيجية وتتميز بالبطء وعدم الدقة في إنجاز المهمات . إنها سياسة ما تزال متأثرة  بما  كان زمن الحرب الباردة ،حين كان المغرب قريبا من نادي الحلف الأطلسي كما سمّاه يوما الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله،و كانت الجزائر و البوليساريو قريبان من المعسكر الشرقي.
 من حقي أن أطالب بطريقة مغايرة لتدبير ملف الصحراء المغربية، و بإعادة تقييم علاقاتنا الدولية على أسس غير أسس الصداقة و العلاقة التاريخية إذ أثبتت أزمة أميناتو حيضر عدم جدوائيتها.
من حقي أن أعارض أن يتحول تدبير الشأن الديني إلى مجرد إجراءات احترازية أمنية، و أقول إنّ إصلاح الحقل الديني في حاجة إلى مصلحين يقومون بثورة فكرية و فقهية لإخراج فكرنا و فقهنا الديني من جموده و رجعيته.
من حقي أن أقول إنّ بعض علماء ووعاظ وخطباء الجمعة بالمساجد من التابعين لوزارة الأوقاف يمرّرون في العديد من الأحيان فتاوى و خطابات فيها الكثير من التضييق على الناس و التشدد بما يهيئ المجال للمتطرفين و المتشددين لتمرير خطاباتهم و قناعاتهم في بيئة مساعدة.
من حقي أن أعارض تحديث الدين أو تديين الحداثة، و أن أطالب فقط أن يعيش علماؤنا و دعاتنا و مفكرونا و خطباؤنا عصرهم و يفتحوا المجال أمام الاجتهاد و إبداع الحلول لتحديات العصر و إكراهاته من غير استلاب و لاتقوقع و انغلاق على الذات.
من حقي أن أرفض احتكار الدين أو التكلم باسمه، و من حقي أن أرفض احتكار الملك أو التحدث نيابة عنه ،و من  حقي أن أرفض احتكار الوطنية، من حقي أن رفض التصنيفات و القوالب الجاهزة على اعتبار هذا حداثي و هذا محافظ و هذا تقدمي و ذاك رجعي.
من حقي أن أقول: إذا كان  الإنسان هو غاية التنمية و وسيلتها، فلا تنمية من دون مشروع مجتمعي متفق و متوافق حوله، لا تنمية مع الأمية، لا تنمية من دون تنشئة اجتماعية، لا تنمية بدون قيم  تحث على البذل و العطاء و الكدح و الإخلاص و رفض الفساد، و ترفع من شأن الكادحين المجتهدين و المتفوقين.
من حقي أن أعارض سياسات القطب الإعلامي,,, من حقي أن أعارض السياحة الاستهلاكية،،، من حقي أن أعارض الفن المنحط و الثقافة الهدامة،،، من حقي أن أعارض الرداءة و قلة الكفاءة.
من حقي أن أتشبث بحريتي، بحزب البديل الحضاري، بخيارات هذا الحزب من حرية و عدالة و إنصاف و ديمقراطية.
من حقي أن أتشبث بالأمل بالرغم من كل الآلام و المعاناة التي عشتها طيلة سنتين، و كلي استعداد للتضحية بأغلى ما أملك من أجل حقوقي ومن أجل بلادي كي تبقى موحدة، ومن أجل شعبي كي يعيش في أمن و سلام.
نسجن و نموت ويحيا الوطن." رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق