الثلاثاء، 27 أبريل 2010

المسؤولية التاريخية والأجيال الفلسطينية القادمة


بقلم:د.فوزي الأسمر

       قام البروفيسور نورتن مازفنسكي, أستاذ التاريخ في جامعة "سنترال كونكتكت"  في بداية السبعينات , بالسفر إلى بيروت والتقى مع  رئيس منظمة التحرير  الفلسطينية , ياسر عرفات . وجرى بينهما حديث طويل إنتهى بتحميل مازفنسكي رسالة إلى الشعب الإسرائيلي تقول أنه, أي عرفات , على استعداد لقبول دولة فلسطينية على أية قطعة من أرض فلسطين. ورسم عرفات خارطة فلسطين على ورقة ووضع حلقة حول مدينة أريحا قائلا :" إذا أعطوني أريحا  فسأقيم عليها دولة فلسطين " .
وحمل مازفنسكي الفكرة والورقة  التي رسمها ياسر عرفات ,وقدمها لأوري أفنيري , والذي كان يملك ويترأس تحرير مجلة " هعولام هزه " والتي كانت أوسع المجلات الإسرائيلية انتشارا , وتأثيرا على الرأي العام الإسرائيلي . وبالفعل قام أفنيري بنشر القصة مع صورة الرسمة التي رسمها عرفات لأريحا .
فعلى الرغم من أن هذه القصة أثارت ضجة داخل إسرائيل, إلا أنها أثارت ردود فعل لدى الفلسطينيين أيضا. ففي حوار مع مجموعة من الشباب الفلسطيني قال عرفات موضحا موقفه:" جيلنا يريد أن يقيم دولة فلسطينية على أي شبر من أرض فلسطين وعلى الأجيال القادمة أن تكمل المسيرة ".
وكثر الحوار حول ماذا كان يعني عرفات بهذا المقولة.هل كان يعني أن على الأجيال القادمة أن تحافظ على هذه الدويلة وتطورها ؟ أم كان يعني أن الأجيال القادمة تكمل مسيرة تحرير  فلسطين ؟ 
وخلق هذا الحوار في حينه نوعا من التخوف لدى الأجيال الفلسطينية الصاعدة , وبحق . فإذا كان عرفات يعني إقامة دويلة فلسطينية بعد أن يوقع على اتفاقيات مع إسرائيل , فإن ذلك سيقيد أيادي هذا الجيل من تحرير الأراضي المحتلة,على الرغم من المقولة أنه دائما يمكن إلغاء الإتفاقيات . وقد حدث هذا كثير على مر العصور.
فالمشكلة الفلسطينية هي من أصعب المشاكل السياسية التي يواجهها العالم منذ أكثر من قرن, وفي حالة وصول الطرفان إلى اتفاق موقع فإن العالم كله سيقف وراء هذا الاتفاق ويدعمه ويعمل جاهدا على أن يستمر وسيعاقب من يخل به.
       ولهذا السبب يقلق الكثيرون من الفلسطينيين عندما توقع القيادة الفلسطينية على أي تفاق مع إسرائيل . والتخوف نابع من عدم الثقة الموجود لدى رجل الشارع الفلسطيني بالنسبة للقيادة الفلسطينية الحالية , والتي قدمت التنازل تلو الآخر دون الحصول على أي مقابل ,الشيء الذي فتح شهية إسرائيل لمزيد من التنازلات .
       ففي الواقع أن إسرائيل ليس فقط لم تقدم أية تنازلات , بل إنها لم تأت بمبادرة مكتوبة وموافق عليها من حكومتها .في  حين قدم الفلسطينيون مبادرات كثيرة, وفي النهاية جاءت المبادرة العربية التي وافقت عليها كل دول الجامعة العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية ومعظم الدول الإسلامية , وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة مع تحفظ . فقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أكثر من مناسبة أن المبادرة العربية يمكن أن تكون أساسا للسلام في الشرق الأوسط .
       ولكن إسرائيل رفضتها كليا فور صدورها لدرجة أن بعض المراقبين  السياسيين كتبوا في حينه أن الرفض الإسرائيلي جاء حتى قبل أن تدرس إسرائيل محتويات هذه المبادرة بدقة.
       وتأكيدا على موقف إسرائيل الرافض, وعدم تقدمها  بأية مبادرة ,  نشرت صحيفة " هآرتص " ( 25/4/2010 ) افتتاحية حول الزيارة المفاجئة  لمبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط , جورج ميتشل , قالت فيها :" لقد حان الوقت أن تتوقف  حكومة إسرائيل عن كسب الوقت , والتلاعب بالحجج, وأن تقوم بتقديم مبادرة سياسية للوصول إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين . وبهذه الطريقة تستطيع الحكومة أن تجند تأييدا شعبيا وتحسن موقف إسرائيل الدولي ".
       فهذا الكلام يؤكد أيضا أن إسرائيل تريد المزيد من الابتزاز للفلسطينيين. ولهذا يقترح نتنياهو أن تقوم دولة فلسطينية بحدود مؤقتة . هل توجد دولة في هذا العالم تعيش بحدود مؤقتة ؟ وما معنى هذا الكلام وما هي مضاعفاته ؟ وخيرا فعلت السلطة الفلسطينية برفضها هذا الاقتراح.
       والحوار الإسرائيلي بالنسبة للحل يدور حول مواضيع في داخل الأراضي المحتلة: القدس الشرقية, المستعمرات اليهودية, مصادرة الأملاك العربية, حرية التنقل والحواجز وضرب الحصار على الفلسطينيين, وبناء الجدار العنصري وغيرها.
       ولكن لا يوجد أي حديث حول أي حق فلسطيني داخل ما يسمى بالخط الأخضر. فإسرائيل تعرف أن للفلسطينيين حقوق داخل هذا الخط ,ولكنها ترفض حتى التحدث عن مثل هذه حقوق , وتطبق المثل القائل ما عندي لي وما عندك لي أيضا .
       ولقد أخطأ السيد محمود عباس عندما قال في كلمته أمام " المجلس الثوري لحركة فتح " ( 24/4/2010) أنه طلب أكثر من مرة من الولايات المتحدة أن تفرض حلا للقضية الفلسطينية. هذا الكلام معناه فرض حل أمريكي, ونحن نعلم موقف الكونغرس الأمريكي من القضية الفلسطينية, وكذلك الموقف المتذبذب لبعض صانعي القرار السياسي في واشنطن, ومدى قوة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
       فلو طلب عباس , على سبيل المثال , من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة , أن يفرض حلا للصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي , مبنيا على القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة بالنسبة للقضية الفلسطينية , لكان في الإمكان قبول مثل هذا الفرض والحل الذي تتوصل إليه هذه المؤسسة الدولية.
       من هذا المنطلق يجب على السلطة الفلسطينية أن لا توقع على أية اتفاقيات تؤدي إلى وضع الأجيال القادمة في متاهات السياسة الإسرائيلية , وهي سياسة غاشمة . كما لا يحق لهذه السلطة البث أو التوقيع على أي تنازل  من ثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه . فهي مؤهلة لإنهاء الاحتلال وتحرير الأراضي المحتلة منذ عام 1967. أما الثوابت الفلسطينية  الأخرى فإنها من حق الشعب الفلسطيني , وممثلته منظمة التحرير الفلسطينية . وطالما أن هذه المنظمة مشلولة حاليا ,فإن أي تحرك يجب أن يتم عن طريق إجراء استفتاء شعبي يشارك فيه كل الشعب الفلسطيني , في الأراضي المحتلة وخارجها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق