الاثنين، 2 نوفمبر 2009

اصطدام أوباما مع الواقع

بقلم: د. فوزي الأسمر

وضع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، نفسه في مأزق، عندما وضع شرط تجميد البناء في المستعمرات اليهودية، ليفسح المجال أمام إحياء مسيرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن ثم الوصول من خلال ذلك إلى حل شامل في منطقة الشرق الأوسط.

فعلى الرغم من أن المؤشرات كلها تؤكد أن أوباما كان جادا في موقفه، إلا أنه تبين له، على ما يبدو، بعد فترة أن مسيرة السلام متراكمة ويجب على إدارته إتخاذ مواقف في المؤسسات العالمية تمشيا مع ما صرح به في خطبه قبل وبعد إنتخابه، لآن مسيرة سلام كهذه يجب ممارستها على جميع الجبهات. بمعنى أنه لا يمكن فصلها عن قرارات أخرى يتطلب إتخاذها تمشيا مع مسيرة كهذه.

فعلى سبيل المثال لا يمكن أن يسير أوباما في خطوات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي نفس الوقت تصوت الولايات المتحدة في "مجلس حقوق الإنسان" ضد تقرير غولدستون، الذي يدين إسرائيل ويحّمل قادتها مسؤولية جرائم حرب. وتمشيا مع هذا التصويت فإنه لن يكون أمام الولايات المتحدة إلا إستعمال حق النقض إذا ما جرى تصويت عليه في مجلس الأمن الدولي.

ثم وجدت إدارة أوباما أنه بدون إتخاذ خطوات عمليه لإجبار إسرائيل على الخضوع لمطلبها بتجميد البناء في المستعمرات، ووقف البناء فيها، بدون إستعمال ما تستعمله في صراعات دولية أخرى فإن الأمور لن تتحرك. فهذه الإدارة تتعامل مع هذه الصراعات الدولية بشكل مختلف. فمثلا تعاملها مع أفغانستان، ومع المشروع النووي الإيراني ومع مشاريع كوريا الشمالية النووية والصاروخية، عن طريق المطالبة بإنزال العقوبات على هذه الدول، وفي حالة أفغانستان فإنها تحاول أن تنتصر عسكريا لتصل إلى مبتغاها.

السبب في تصرف الولايات المتحدة مع القضية القضية الفلسطينية بهذا الشكل، يعود إلى أنها تعتبر القضية الفلسطينية، والموقف الفلسطيني، وكذلك الموقف العربي بشكل عام، مطية سهلة يمكن ترويضها متى تشاء وكيفما تشاء . فبعد أن كان عدم تجميد البناء في المستعمرات هو العقبة في إستمرار عملية السلام، أصبح هذا الإستمرار بمثابة مسهل (لأمريكا) في تحريك عملية السلام، وفي هذه الحالة حسب أهواء إسرائيل، دون الأخذ بالحسبان الموقف الفلسطيني والعربي وحتى العالمي المؤيد للموقف الفلسطيني.

وكما حمّل الرئيس الأمريكي السابق. بيل كلنتون، الفلسطينيين مسؤولية فشل مسيرة السلام، ومباحثات كامب ديفيد، تقوم زوجته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري بعمل نفس الشيء، مشيرة إلى أن الفلسطينيين مصممون على وضع شروط مسبقة، والتي تشكل من وجهة نظرها حجر عثرة في وجه المسيرة السلمية. أليس هذه سخرية القدر؟ الشرط الفلسطيني هو تأييد الشرط الأمريكي بتجميد البناء في المستعمرات اليهودية ورغم أن هذا الشرط لا قيمة له من الناحية العملية كون أن المستعمرات كلها غير شرعية. إلا أن الإدارة الأمريكية تعتبره الآن شرطا فلسطينيا مسبقا.

والواقع أن أحدا لا يدري حقيقة زيارة الوزيرة كلينتون الأخيرة للمنطقة، لأنه لا يوجد سبب حقيقي ظاهر يدعو إلى قيام الوزيرة بمثل هذه الزيارة الخاطفة، ولكن بعد المديح الذي أكالته كلينتون في مؤتمرها الصحفي مــع بــنيامين نتنياهو (31/10،2009) لموقف نتنياهو بقبول العودة إلى المباحثات بدون شروط مسبقة، تبين جوهر رحلتها: هو الإعلان عن تغيير أساسي في موقف الإدارة الأمريكية بالنسبة للمسيرة السياسية في الشرق الأوسط.

أين هي الشروط المسبقة التي يقدمها الفلسطينيون: وقف البناء بالمستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية؟ أم أن الشروط المسبقة الحالية والتي يجب إزالتها لتسهيل المسيرة السلمية بشكل جذري والتي تتمثل في الشروط الإسرائيلية المسبقة التالية:

1 ــ الإحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب 1967 هو شرط مسبق.

2 ــ ضم القسم الشرقي من مدينة القدس لإسرائيل.

3 ــ مصادرة أراضي فلسطينية في المنطقة المحتلة.

4ــ إقامة مستعمرات يهودية على هذه الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 والتي وصل عددها حتى الآن 176 مستعمرة، وتهجير مئات الآلاف من اليهود إليها عن طريق منحهم إمتيازات لإغرائهم على ذلك.

5ــ شق الطرق ومحاولة تغيير معالم مدن وقرى فلسطينية.

6 ــ إقامة الحواجز ومنع الفلسطينيين من التحرك بحرية داخل الأرض المحتلة.

7ــ السيطرة على مصادر المياه، والمعابر، والكهرباء، ودخول السلع الضرورية للسكان الفلسطينيين.

8 ـــ فرض الحصار على القدس وغزة.

9 ــ إقامة الجدار العنصري العازل.

10ــ طرد عائلات فلسطينية من بيوتهم وإدخال عائلات يهودية مكانها.

أليست كل هذه بعض الشروط الإسرائيلية المسبقة التي يجب التعامل معها للوصول إلى سلام حقيقي؟ إن تجميد المستعمرات يمثل نقطة في محيط، ومع ذلك عجزت إدارة أوباما عن تنفيذه.

فلقد أصبح الوضع واضحا أمام الرأي العام العالمي، ولهذا نجد تراكم التقارير ضدّ إسرائيل، تقرير غولدستون، وتقرير "هيومان رايتس واتش"، وتقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي"، وغيرها من التقارير التي تدين إسرائيل.

إن الموقف الأمريكي هذا لا يفسح المجال للتقدم في أية مسيرة سلمية، ولن يساعدها في دعم أصدقاء أمريكا لدى الفلسطينيين، حتى في الإنتخابات القادمة إذا ما جرت. بل إن هذا الموقف سيؤدي إلى أنتفاضة ثالثة أكثر عمقا وشراسة.

كما أن الموقف الأمريكي الجديد أثار ردود فعل لدى المعتدلين من الإسرائيليين، الذين كانوا يتطلعون إلى الإدارة الأمريكية لإنقاذهم من الوضع المأساوي الذي تمر به إسرائيل والذي سيؤدي، كما يقولون، إلى "حرب المائة عام"، لأنه بدون الوصول إلى سلام حقيقي لا يمكن لإسرائيل الإستمرار (هآرتس 1/11/2009).

ويقول تحليل نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" (1/11/2009): "إنه من المستحيل التعامل مع سياسة كاملة على أساس أن الجانب الآخر هو الرافض (للمفاوضات والسلام) على الرغم من أن الوزيرة كلينتون تساعدنا الآن في اتخاذ هذا الموقف".

وجاء في صحيفة "معاريف" (1/11/2009) مقالا يقول أن أكثر الدول الأوروبية، الكبيرة والصغيرة كلها تقبل الموقف العربي بالنسبة لحرب غزة وبالنسبة لسياسة الإحتلال التي تتبعها إسرائيل.

هذا الكلام صحيح ولكن لا يكفي. يجب نقل خطاب عربي إلى المحافل الدولية، يطالب بتنفيذ القرارات الشرعية التي إتخذت بحق فلسطين والفلسطينيين. فبعد التجربة المريرة التي مر بها الفلسطينيون، ومرت بها كل الدول العربية، من تقديم التنازلات، إلى مــحــاولة بعضها تطبيع علاقاتها مع إســرائــيــل، إلى إقامــة (دولتين) معاهدات سلام معها، وإسرائيل لا تزال تصر على عدم تقديم إي تنازل وتفرض المزيد من الشروط المسبقة.

فعلى الموقف العربي أن يأخذ بحسابه التطورات الجارية في المنطقة حاليا: من الموقف التركي، إلى المشاريع النووية الإيرانية، إلى الغضب الشعبي العربي الذي يتراكم، وقد يضطر مجبرا إلى التطلع عبر الحدود العربية للحصول على مساعدات لإنقاذ ما تبقى له.

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق