الاثنين، 2 نوفمبر 2009

درس في اللهو السياسي

فهمي هويدي

في مناسبة مماثلة قلت إن من فوائد المؤتمرات السنوية التي يعقدها الحزب الوطني أنها تذكّرنا بوجود الحزب، وتمكّننا من أن نتعرف على الكيفية التي يفكر بها الذين يديرونه.

صحيح أن هناك فقرات يتعذر أخذها على محمل الجد قدمت أثناء المؤتمر، إلا أن هناك كلاما جادا ينبغي أن يقال بصدده، فقد فهمنا مثلا أن يكون تلميع السيد جمال مبارك وإبراز دوره هو أحد أهداف المؤتمر،

لكنني لم أفهم ما قاله عنه م.أحمد عز أمين التنظيم، حين وصفه بأنه مفجّر ثورة التطوير والتحديث في الحزب، وهو كلام قاله صاحبنا في مثل هذا الوقت من العام الماضي، الأمر الذي دفعني طوال العام لأن أبحث عن أثر لتلك الثورة فلم أجد لها أثرا، ولأنه كررها مرة ثانية هذا العام، فقد كدت أقتنع بأنه يعني أحد أمرين،

إما أنها ثورة سرية لا تنكشف على الجمهور،

أو أنها ثورة افتراضية تداولتها «الشلة» التي تحيط بابن الرئيس،

ولا أخفي أنني وجدت الأمر أكثر منطقية في العنوان الذي اختارته جريدة «الدســتور» في عــدد أمــس 1 نوفمبر الجاري، الذي تحدثت فيه عن أن السيد عز امتدح «مفجّر ثورته وثروته» وهو تعبير بدا أكثر دقة وموضوعية، فضلا عن أنه يتسق مع اتجاه الخطاب وشخصنته في المؤتمر، ذلك أنه إذا صح أن شعار «من أجلك أنت» موجّه إلى السيد جمال مبارك، فلا غرابة في أن يعبر السيد عز عن امتنانه لصديقه، بإعلانه أنه في حياته كان مفجّرا للثورة التي طرأت على أرصدته ومصالحه الخاصة.

لا أستطيع أن آخذ على محمل الجد أيضا ما أعلن في الجلسة الافتتاحية عن إيمان الحزب وقيادته بالتعددية، إلا إذا كان المقصود هو المعنى الرقمي وليس الوظيفي، إذ صحيح أن لدينا 24 حزبا، ولكن دورها لا أثر له في الحياة السياسية،

وأعتبر ما قيل عن رفض الوصاية على الأمة ناقصا، حيث لا يكتمل المعنى إلا إذا قيل إننا بعد 28 سنة نرفض فقط وصاية «غيرنا» على الأمة،

يتصل ذلك بما قاله السيد أحمد عز في هجومه على الإخوان حين قال ما معناه إنهم يستخدمون الديموقراطية حين يصلون إلى السلطة، وبعد ذلك ينقلبون عليها، وهو كلام إذا صح فلا ينبغي أن يصدر عن قيادي الحزب الوطني، صاحب شعار احتكار السلطة حتى آخر نفس.

في الكلام الجاد، لا تفوتنا ملاحظة أن خطاب قيادات الحزب انصبّ على الشأن الداخلي دون أي إشارة إلى السياسة الخارجية، وكأنه كان مهرجانا انتخابيا فقط، كما أن ذلك الخطاب كان دفاعيا في أغلبه، وهجوميا في أقله،

وخلاصة الرسالة التي أرادوا توصيلها هي أننا أنجزنا الكثير، ولكن جهدنا لم يُقدّر، والإعلام لم ينصفنا ولم يتوقف عن انتقادنا والتنديد بنا، وهو مفهوم ساذج يعبر عن الرضا عن الذات، وتوجيه اللوم إلى الآخرين وحدهم.

لم أتوقع أن يمارس أحد من قادة الحزب نقدا ذاتيا، كما يحدث في مؤتمرات الأحزاب المحترمة، لكنني استغربت جدا أن يطلق أحد قادة الحزب ادعاء من هذا القبيل، دون أن يتساءل:

لماذا يوجّه الإعلام المستقل سهام نقده للحزب وحكومته؟

وهل كلها أكاذيب وافتراءات أم أنها الحقيقة التي يريدون طمسها والتستر عليها؟

إن أزمة الحزب الحقيقية التي يرفضون الاعتراف بها أنه معزول عن المجتمع ولا يعرف قادته رأي الناس في قادته وممارساتهم، ولا غرابة في ذلك لأن صلة الحزب بالأمن والحكومة أقوى بكثير من صلته بالناس، ولو أن أحدا من أولئك نزل إلى الشارع ذات مرة ليتحرى آراء المارّين لصُدم مما يسمعه.

ليفرح قادة الحزب بما أوتوا، لكن ذلك لا يغير من أحزان الناس، التي لن تتبدد إلا إذا تغيرت أحوالهم أو استردّوا الأمل في حاضرهم ومستقبلهم،

أما الخطب التي تُقال والشعاعات التي تطلق في الفضاء، فهي من قبيل اللهو السياسي، الذي لم يعد قادرا لا على إقناع الناس، ولا حتى على إضحاكهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق