الثلاثاء، 2 فبراير 2010

فن النزول إلى الشارع (1)


أ.د. محمد إسحاق الريفي

لسنا بحاجة إلى مبررات للنزول إلى الشارع من أجل التغيير، فهي كثيرة جداً، ولكننا بحاجة إلى تبرير تقاعسنا عن النزول إلى الشارع، كونه الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامنا لتوظيف الرأي العام العربي في الضغط على النظام الرسمي العربي، وإجبار الحكومات المتترسة بالاعتبارات القطرية، والأحزاب المحتكرة للسلطة والحكم، على تبني مواقف غالبية الشعب، والسماح بتداول السلطة، وإتاحة المشاركة السياسية، وبدء عملية إصلاح شامل، والعدول عن المواقف المناقضة لطموحات أمتنا والمضرة بمصالحها العليا وبمصالح القطر، ولا تضارب بين المصلحة القومية والمصلحة القطرية.
 المشكلة الكبرى في هذا الصدد، أن التيارات والأحزاب السياسية العربية، تتناول عملية النزول إلى الشارع تناولاً سطحياً، محكوماً بهواجسها من قمع الحكومات وانتشار العنف، وبنتائج محاولات ارتجالية فاشلة سابقة، وغياب ثقافة التخطيط الاستراتيجي بعيد الأمد، وعدم وجود أهداف وبرامج وفعاليات واضحة للنزول إلى الشارع، وضعف قدرة تلك التيارات والأحزاب السياسية على الانسجام فيما بينها وعلى كسب ثقة غالبية الجماهير وتأييدها.  ولذلك لا يمنع التيارات والأحزاب السياسية في الأقطار العربية النزول إلى الشارع إلا قمع الحكومات، التي تستخدم إجراءات قمعية وحشية وعنف دموي ضد المتظاهرين، سواء أكانت تظاهراتهم سلمية أم غير ذلك، ولكن هذا القمع يجب ألا يحول بيننا وبين النزول إلى الشارع، فالأمر لا يحتاج سوى إلى ترشيد عملية النزول إلى الشارع وتنظيمه وفق خطة معدة ذات أهداف واضحة وبرامج محددة وفعاليات تصاعدية، وإلى توعية وتعبئة مناسبة.
 فعملية النزول إلى الشارع يجب أن تكون هادفة ومنظمة، حتى لا تكون مجرد تنفيس لانفعالات المتظاهرين، في أماكن مغلقة تحت بنادق عناصر الأمن وهراواتها، دون أن تحقق هذه العملية أهدافها المنشودة، أو تكون نوعاً من العبط السياسي، الذي يقصد به رفع العتب والتعذر أمام وسائل الإعلام، والتنصل من المسؤولية أمام القواعد الشعبية للأحزاب السياسية.  وبعبارة أخرى، لا بد أن يكون لعملية النزول إلى الشارع أهداف سياسية محددة، في إطار خطة متكاملة للتغيير بعيدة الأمد، وأنا هنا أتحدث عن عملية منظمة، وليس عن نزول اعتباطي إلى الشارع، بحيث تتدرج هذه العملية وفق المعطيات الميدانية والأهداف المرحلية.
 ولا بد للتيارات والأحزاب المشاركة في عملية النزول إلى الشارع ألا تجعل النظام الحاكم والشعب ينظرون إليها على أنها ثورة عارمة تستهدف النظام الرسمي الحاكم وتسعى إلى قلبه والسيطرة على السلطة وإحداث تغيير مفاجئ مثير للشكوك والتساؤلات، ولا على أنها صراع حزبي على السلطة، أو مجرد فعاليات انفعالية عشوائية للتعبير عن مشاعر الغضب والاستياء، عبر الصراخ والعويل والنحيب والتنديد والاستنكار...
 ويتحقق ذلك عبر الإعلان للجماهير بصراحة عن أهداف محددة لعملية النزول إلى الشارع، وكسب ثقتهم بها، وبرنامج وفعاليات وأنشطة شعبية تصاعدية تتسم بالواقعية والشرعية والعقلانية، ومراحل محددة ذات أهدف ووسائل مرحلية واضحة، وقيادة جماعية ثقة، تتابع التطورات، وتتواصل مع الجماهير، وتعبر عن مواقف الشعب ومطالبه أمام الإعلام.  قد ينظر كثير من الناس إلى هذا الكلام على أنه يعبر عن عواطف ممجوجة، وأنه ضرب من الجنون أو المستحيل، ولا ألوم هؤلاء الناس، لأنهم لم يستفيدوا من الانتفاضتين الفلسطينيتين، ولا الثورة الإيرانية، ولا ثورة رومانيا، التي أدت إلى إزاحة الحكم والتخلص من الاستبداد والفساد، ولا العصيان المدني للزعيم الشعبي الهندي المهاتما غاندي...
 ويمكن التخلص من قمع الحكومات وعناصرها الأمنية، من خلال القيام بفعاليات شعبية تتسم بالانتشار الواسع وعدم التجمع في أماكن محددة يسهل على عناصر الأمن والشرطة محاصرتها وقمع المتظاهرين، وذلك عبر القيام بتظاهرات سلمية في أماكن عديدة متفرقة من كل مدينة في آن واحد، وتحديداً في شوارع وميادين يصعب على عناصر الأمن الوصول إليها أو التحرك فيها بسهولة أو حتى محاصرتها، وفي المقابل، يسهل على المتظاهرين الفرار منها للكر في مناطق أخرى... وهكذا.  تلك الفعاليات كفيلة بأن تنهك عناصر الأمن مهما كثر عددهم، وتشتتهم، وتصيبهم باليأس.
 وفي كل الأحوال، لا بد من تضحيات، فلا تغيير دون تضحيات، ولا تغيير دون نزول إلى الشارع، فأوضاعنا في تردٍ مستمر، والتوريث ينخر عظام أمتنا، والملك العضود أصابها في مقتل، غير أنها لا تزال حية.  ولنا لقاء آخر حول هذا الموضوع إن شاء الله.
 2/2/2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق