الثلاثاء، 2 فبراير 2010

عالم ما بعد حرب العراق


بقلم: نصر شمالي
هناك عالم ما قبل حرب العراق، وهناك عالم آخر مختلف هو عالم ما بعد حرب العراق. إنّ زمن ما بعد حرب العراق يظهر أنّ أزمة الهيمنة الأميركية قد بدأت، وأنّها أزمة ستدوم زمناً أطول ممّا نعتقد بكثير، ولن يقع أيّ حدث انقلابي يخفّف من وطأة هذه الأزمة حتى لو تغيّرت الإدارة (الجمهورية) وجاء رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض!
ذاك مقطع من خطاب ألقاه وزير الخارجية الفرنسي أمام 180 سفيراً فرنسياً اجتمعوا في باريس، في آب/ أغسطس 2007، لتصويب الرؤية الجمعية السياسية الفرنسية انطلاقاً من ثلاثة محاور: الأول هو انهيار جدار برلين، والثاني انهيار برج التجارة العالمي في نيويورك، والثالث انهيار المشروع الأميركي في العراق! لقد رأى المجتمعون أنّ زمناً دبلوماسياً مفتوحاً تحكمه هذه المحاور الثلاث قد بدأ.
في ذلك الاجتماع خاطب وزير الخارجية الفرنسي كوشنير سفراءه قائلاً: يجب أن نلاحظ آثار الأزمة الأميركية في الشرق الأوسط. إنّ عملية مراجعة وتقييم السياسة الأميركية ومآلها سوف تستغرق زمناً طويلاً، لأنّ الأزمة الأميركية مفتوحة مستمرّة، ولذلك ينبغي على الدبلوماسية الفرنسية الاستفادة من انفتاح الأزمة واستمرارها في الشرق الأوسط من أجل صياغة منهج مصلحي لعملها!
لقد رأى السفراء الفرنسيون في البلاد العربية أنّ الاستراتيجية الوحيدة المتّسمة بالشمولية في المنطقة هي الاستراتيجية الإيرانية، وبناءً على ذلك ينبغي الاتجاه نحو تكريس اعتراف أكاديمي ودبلوماسي فرنسي بمركزية الدور الإيراني في البلاد العربية! أما عن العرب فقد غاب ذكرهم كطرف فاعل ، إلاّ لماماً أو تلميحاً كطرف مفعول به، وكموضوع لصراع إقليمي، وكأهداف لمشاريع سيطرة يسعى إليها الفرنسيون على حساب الأميركيين!
 ولكن، بما أنّ  السفراء الفرنسيين أبرزوا دور إيران، وتجاهلوا فعالية المقاومة العربية غير الرسمية ودورها الرئيس في وقوع أزمة الهيمنة الأميركية، فإنّه لمن الضروري التوضيح هنا بأنّ ذلك ليس إعجاباً بإيران ولا إقراراً بضرورة وأهمية دورها الإقليمي، بل نزوعاً نحو جعل إيران عاملاً من عوامل إحكام الحصار ضدّ الأمة العربية وخنق أية محاولة لنهوضها، حيث حضور إيران في حدّ ذاتها يبقى محمولاً وقابلاً للتعايش أو المعالجة أو الاحتواء، أمّا نهوض الأمة العربية فلا يمكن تحمّله أو التردّد في منعه، لأنّه بعني نهوض العالم الإسلامي كلّه إن لم نقل ما يسمّى بالعالم الثالث بمجمله. وبالفعل سمعنا الرئيس الفنزويلي تشافيز يتحدّث قبل فترة قصيرة عن صمود دول أميركا الجنوبية وغيرها بفضل المقاومة العربية.
إنّ الغرب الاستعماري عموماً يتطلّع إلى دور إيراني يحول دون نهوض الأمة العربية، أمّا إذا لم تستجب طهران، وعملت على استنهاض الأمة العربية حليفتها الطبيعية وعمقها الطبيعي، فإنّ النظام الرسمي العربي سوف يقنعها بذلك عبر إسهامه الرئيس في محاصرتها وعزلها وترويضها لصالح الغرب! وكيف لا وهذا النظام يلقي بكلّ ثقله في عملية محاصرة وعزل وترويض مقاومة أمته العربية بالذات، حتى في العراق وفلسطين ولبنان حيث العدو المحتلّ صريحاً مباشراً؟
نعود إلى عالم ما بعد حرب العراق المختلف عن عالم ما قبلها لنرى الحدّ الذي بلغه اليوم، بعد أكثر من عامين مرّا منذ أطلقت التصريحات الفرنسية الرسمية التي أشرنا إليها، فنجد أزمة الهيمنة الأميركية الدولية مستمرّة ومتفاقمة بالفعل كما قدّر الفرنسيون، ونجد أنّها كانت ستتفاقم أكثر لولا امتلاك واشنطن لناصية النظام الرسمي العربي الذي نجح في لجم المقاومة العربية إلى هذا الحدّ أو ذاك، ولولا سيطرتها على النفط العربي وتفرّعاته، وقد أضافت إليه نفط العراق، الأمر الذي مكّنها من معالجة أزماتها المالية، ومكّنها من الثبات نسبياً أمام صعود الدول الناهضة وأطماع الدول الحليفة.
لقد تغيّرت الإدارة الأميركية الجمهورية، وجاء إلى البيت الأبيض رئيس ديمقراطي، لكنّ ذلك لم يحدث أيّ انقلاب في الاستراتيجية الأميركية العدوانية يساعد الولايات المتحدة على الخروج من أزمتها العظمى الشاملة المستعصية، التي تبلورت وبرزت بعد حرب العراق، تماماً كما توقّع الفرنسيون.
 إنّ الرئيس الأميركي الديمقراطي الجديد يبدو أكثر انصياعاً للعسكريين من سلفه الجمهوري، وهاهو الجنرال بترايوس يطلق تصريحاته التصعيدية، بصدد الحرب الأفغانية/الباكستانية، وبصدد إحكام الحصار ضدّ إيران والتحضير لضربها، وبصدد فتح جبهة حربية جديدة في اليمن، ومضيق باب المندب ومحيطه، فيتبعه الرئيس أوباما بتصريحات مشابهة مؤيّدة، بينما لا يخفي الأميركيون قلقهم الشديد وهم يرون تعاظم نفوذ الجنرالات ووزارة الدفاع على حساب سلطات الحكومة المدنية في البيت الأبيض، أمّا الحكّام العرب فيبدو أنّ مثل هذه التطورات لا تقلقهم على الإطلاق!
                                     ns_shamali@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق