الأربعاء، 10 فبراير 2010

لابدّ للحوار من إطار جديد


قلم د.مصطفى بن جعفر
كانت الانتخابات الأخيرة فرصة ضائعة لا من حيث أنها لم تحترم مقاييس الانتخابات الديمقراطية و الشفافية فحسب بل و كذلك لأنها لم توفر الإطار لحوار حقيقي بين السلطة و المعارضة. فالانتخابات أعادت إنتاج نفس المشهد الذي كان قائما و الذي أكد الواقع ضعف نجاعته و انعدام مصداقيته.
لقد طغى على انتخابات 25 أكتوبر رفض التغيير مهما صغر حجمه .و لعلّ أبرز شاهد على ذلك ما تعرضت له جلّ قائمات المعارضة من إقصاء ممنهج شمل الدوائر ذات الكثافة السكنية العالية.و يمكن تفسير هذا الرفض و ربطه بانطلاق سابق لأوانه لانتخابات 2014 و ما تفرضه منة تداول مرتقب على السلطة، حيث اقتنع أصحاب القرار - حسب ما يبدو- أنه من الأسلم المحافظة على مشهد يسهل التحكم في كل عناصره بدون استثناء و تنتفي فيه أية إمكانية لأية مفاجأة...
تأكد هذا التمشي بعد الانتخابات حيث تواصلت محاصرة الرأي المخالف و استمر التضييق على نشاط أحزاب المعارضة و صحفها في نفس الوقت الذي شُنّت فيه حملة الانتهاكات و المحاكمات ضد الصحافيين و الطلبة على وجه الخصوص.
يبدو هذا التصلب غير منطقي و لا يتناسب مع ما كان منتظرا من فرحة و نشوة الانتصار الذي تحقق من خلال "النتائج الرسمية" للانتخابات، مما جعل عديدا من الملاحظين يتساءلون هل اختارت السلطة إحداث مثل هذا التوتر كوسيلة لتحويل الأنظار عن ظروف الانتخابات و نتائجها و ما أثارته من استياء لدى الرأي العام الوطني و كذلك لدى أصدقاء تونس التقليديين؟؟
قد يعتقد البعض أن لهم من الخبرة في معالجة مثل هذه الملفات الشائكة و المتعلقة ظاهرا بقضايا فردية تحتلّ لحين صدارة وسائل الإعلام ، ثم ما أن تُتخذ بعض التدابير في اتجاه الانفراج حتى يقع تجاوز العقبة و ترجع الأمور إلى مجراها... أو..إلى نقطة الصفر حيث غالبا لا يدوم الانفراج بل سرعان ما يترك مكانه لحلقة جديدة من التوتر..و هكذا دواليك...يراوح كل طرف مكانه و يتجمّد المشهد..و تتوالى الفرص المهدورة... .و آخرتها التحوير الوزاري الذي طال انتظاره و انتشرت الإشاعات حول ما سيأتي به من تغيير؟؟
بات من الواضح أن هذا الأسلوب بلغ حدوده و أصبح – حتى لو نظرنا للأمور من زاوية مصلحة الحكومة- شرّّه أثقل من خيره. أما إذا اعتبرنا حسب الشعار الرسمي المتداول أن مهمة المرحلة هي "معا لرفع التحديات" فكيف نكون معا رغم كل ما لحقنا و يلحق كل من يخالف الرأي السائد من أذى و رغم تواصل الإقصاء و الانغلاق؟؟
إننا واعون بحجم التحديات و دقة المرحلة سواء تعلق الأمر بمواجهة القضايا الداخلية و في مقدمتها مشكلة البطالة و التفاوت بين الجهات و ما يتطلب حلها من مراجعة نموذج سياستنا التنموية، أو تعلق الأمر بمكانة تونس على المستوى الإقليمي و الدولي و تثبيت علاقاتها بما يخدم مصالحها، علما و أن بين الإصلاح السياسي المنشود داخليا و الجرأة و المبادرة الدبلوماسية خارجيا علاقة جذرية و جدلية. و لعل أوضح مثال لذلك ما تراهن عليه بلادنا حاليا لدى الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على "مرتبة الشريك المتقدم"،حيث أصبح من الصعب أن تكون لنا صورة لامعة خارجيا في ظل وضع داخلي متردي.
إن اتخاذ تدابير عاجلة من أجل تنقية المناخ السياسي و الاجتماعي العام يشكل ضرورة قصوى. و حتى نتجنب الحلول الظرفية و المسكنات الآنية يتحتم التفكير الجدي في إرساء إطار جديد للحوار الجدي يجمع ممثلي السلطة و المعارضة، علما أن المعارضة- ما عدا ممثلي حركة التجديد- مقصية من البرلمان و مُغيّبة من المجالس و الندوات "الوطنية" التي تنظمها و تشرف عليها الحكومة رغم أن هذه الملتقيات لا تفضي غالبا إلى توصيات و أنها استشارية بالأساس.
إن بعث هذا الإطار قبل موعد الانتخابات البلدية من شأنه أن يمهد لوضع قاعدة صلبة لتعددية سياسية حقيقية و أن يساعد على تجاوز أزمة الثقة التي زادتها الانتخابات الأخيرة عمقا. هذا هو أوكد التحديات إذا أردنا "معا" أن نضع حدا لما يخالج نفوس المواطنين و خاصة الشبان من حيرة و قلق تجاه المستقبل و إذا أردنا أن نضمن لتونس الجمهورية أفضل ظروف الانتقال الديمقراطي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق