الخميس، 4 مارس 2010

اغتيال المبحوح ..الأخطـاء .. والـرَّد

بسام الهلسه

* "لا أخشى العواقب الدولية. لم يكن أحد يتوقع أن يكون رد فعل العالم هادئاً على حدث بمثل هذه المأساوية. لذلك يجب المضي إلى الأمام وخلال ستة أشهر لن يتحدث أحد في الموضوع. وكل شيء سيكون على ما يرام". هذا ما نقلته وكالات الأنباء مما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، بنيامين بن اليعازر، لإذاعة الجيش الإسرائيلي قبل أيام معلقاً على التداعيات المتوالية لعملية اغتيال الضابط في حركة حماس، محمود المبحوح، في دبي. وهو كلام مشابه لمعظم ما قاله المسؤولون الإسرائيليون في مسعى واضح للتقليل من أهمية الفضيحة التي تعرض لها جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجي المعروف باسم الموساد، والتهوين من شأن ردود الأفعال الدولية عليها.

* * *

بالطبع، لهذه النبرة الإسرائيلية المطمئنة ما يبررها، فهي تعرف من خبرتها السابقة وعلاقاتها الوطيدة بالدول الغربية، انها الدولة المدللة التي يحق لها ما لا يحق لسواها في القانون والأعراف الدولية. فلو أن دولة أخرى قامت بما قامت به، من انتحال وتزوير وإجرام، لكانت لوحقت في المحافل الدولية وواجهت مختلف أنواع الضغط، ولتعرضت حكومتها للمساءلة، وربما الاضطرار للاستقالة. هذا لا يشمل بالطبع الدولة المارقة الأكبر في العالم –الولايات المتحدة- المستثناة أيضاً من المساءلة، فيما تبيحُ لنفسها أن تسأل غيرها عما يفعلون!

أما لو كانت دولة عربية –أو إسلامية أو يسارية معارضة لأميركا- هي من قامت بمثل هذه الجريمة، ولو بمجرد الاشتباه، فلنا أن نتخيَّل ما سيطلق عليها من نعوتٍ بممارسة الإرهاب أو رعايته، ولنا أن نتخيل الإجراءات التي تتخذ ضدها فوراً ودونما إبطاء.

لكن اطمئنان قادة إسرائيل ينحصر فقط بردود فعل حكومات الدول الغربية، لمعرفتهم أنها ردود فعل مؤقتة سيتم استيعابها. فالمهم -كما قال العديدون منهم- المضي في الحرب على "الإرهاب" –أي المقاومة العربية- التي هم حلفاء مع الدول الغربية فيها. أما الجمهور العام من المجتمعات الغربية، وبخاصة في أوروبا، فإسرائيل تعرف أكثر من غيرها ما لحق بصورتها من ضرر لدى قطاعات تزداد اتساعاً منه. ومؤخراً قدمت دراسة للحكومة الإسرائيلية حول هذا الموضوع، مع توصيات بالعمل على تحسين صورتها الدموية، ومواجهة النقد المتنامي لها منذ انتفاضة الأقصى وحربها الوحشية ضد غزة.

* * *

أياً كان الارتباك الذي تسببت فيه عملية اغتيال المبحوح وتداعياتها، التي يعود فضل كبير لشرطة دبي وقائدها الفريق ضاحي الخلفان في كشف خيوطها وإعلانها، فلن تتراجع إسرائيل عن المضي في الاغتيالات وسائر العمليات السرية الإرهابية والتخريبية. وكل ما ستفعله هو تقييم الأسلوب والأدوات والشخصيات المستخدمة، واستبدالها بأخرى جديدة تأخذ بعين الاعتبار الاخطاء التي حدثت. ولن تفرط بنهج جهاز الموساد الذي يعمل كشبكة دولية اخطبوطية خفية ضاربة، يكاد يقارب الجيش في الأهمية بالنسبة لها. فهو ـ الموسادـ أحد أكثر الأجهزة الاستخبارية الدولية تنظيماً وقوة، وبتصرفه إمكانات بشرية ومادية وتقنية وعلمية هائلة، وصلاحيات ومهام تتخطى تلك المعروفة للأجهزة الاستخبارية باستثناء "السي آي ايه". ورغم سجله من الأخطاء والفضائح على المستويات الاستراتيجية أو التكتيكية، فقد ظل قادة إسرائيل يجددون دعمهم له دائماً. وعند افتضاح عمله، كما حدث في فضيحة ضرب المصالح الأميركية في مصر في الخمسينيات من القرن الماضي، أو الفشل في التنبؤ بحرب تشرين الأول- أكتوبر 1973، فقد كانوا يغيِّرون الأحصنة فقط ويدفعون غيرها إلى الميدان، لكنهم لم يتوقفوا يوماً عن التخريب والتجسس حتى على بلدان صديقة لهم (كما في حالة جوناثان بولارد في أميركا) أو في حالة سلام معهم (قصة عزام عزام في مصر). ولم يوقفوا أبداً نهج الاغتيال رغم مناقشاتهم المتسائلة عن جدواه بين الحين والآخر.

* * *

وما دام السؤال الاستراتيجي عن جدوى الاغتيال غائباً، فإن أسئلتهم ومراجعاتهم تتركزان على التكتيكات وأدوات العمل. وضمن هذه المعايير، فإن قيمة نجاحهم في عملية اغتيال المبحوح تظل محدودة بالقياس إلى ما ترتب عليها من نتائج أدت حتى الآن إلى افتضاح شبكة كبيرة من عملائهم الميدانيين، إضافة إلى افتضاح وسائلهم في العمل، وتلطيخ سمعة إسرائيل كدولة محتالة إرهابية لا تتورع عن اتباع أحط الوسائل كاستخدام جوازات سفر مواطنين أجانب، أو حتى مواطنيها، دون علمهم وموافقتهم.

وقد تمثل خطأها الكبير في هذه العملية، في استخفافها الاستعلائي العنصري بقدرة شرطة دبي وأجهزة أمنها، فتصرفت بثقة لا مبالية وكأن لا أحد هناك! وواضح أنها لم تتعلم درس حربها على لبنان في تموزـ يوليو 2006م، التي تمثّل الاخفاق الأول فيها في العمى الاستخباري لديها بخصوص قدرات وأساليب حزب الله القتالية. وهو عمى ناتج عن النظرة الاستعلائية العنصرية المتكونة لدى نخبها وقادة أجهزتها تجاه العرب، سبق له وأن تكشَّف في التقييم عشيّة حرب رمضان في العام 1973م، وعشية معركة الكرامة في وادي الأردن في ربيع العام 1968م.

* * *

أخطاء إسرائيل وفضائحها، لا يجب أن تعفينا من السؤال عن الأخطاء العربية، فهذه هي الطريقة المضمونة للتعلم واكتساب وتطوير الخبرات. وفيما يخص عملية اغتيال المبحوح، أرى أن هناك خطأين: أولهما، هو قيام المبحوح بالسفر إلى دبي رغم معرفته بأنه ملاحق من إسرائيل، وكذا معرفته ـ ورفاقه ـ بوضع دبي كمدينة مكشوفة لأجهزة استخبارية إقليمية ودولية متعددة، (وهي حالة تنسحب على مدن ودول عربية أخرى أيضاً).

أما ثاني الاخطاء، فيتمثل بعدم التكتم على شخصيته ومهمته وتحركاته، بحيث حدث تسريب ـ مقصود أو عفوي ـ عنها، تلقفه الموساد الذي ينشر شباك صيده في أماكن عديدة، وينتظر الفرصة المؤاتية لينقض.

هذه المراجعة الضرورية للأخطاء ـ على أهميتهاـ تفيد في مجال الوقاية وتحصين الذات أمام العدو، لكنها لا تكفي لردعه عن مواصلة نهجه. فما يردعه هو ما يردع غيره من المعربدين في العالم: امتلاك القدرة على الرد، واستخدامها بحيث ترغمه على إعادة حساباته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق