الخميس، 4 مارس 2010

ثلاث سيناريوهات للتغيير في مصر

شوقي عقل

تتسارع الأحداث في مصر، والضجة الكبيرة التي أحدثها عودة البرادعي، تبين الى أي مدى أصبح الواقع المصري شديد الحساسية والترقب، والمؤشرات على التغيير القادم كثيرة، وكذلك طبيعة هذا التغيير، لعل أبرزها التساؤل (البريء) الذي طرحه الإعلامي المقرب من مبارك عماد أديب، حين تساءل عن إمكانية الخروج الآمن للرؤساء! والحقيقة أنه تساؤل مهم جدا، يؤكده ويمليه تاريخ مبارك في مصر، عبر مايقارب الثلاث عقود، ماهي الوسيلة التي تتيح لمبارك أن يخرج من مصر آمنا بعد كل هذا التاريخ؟؟

أمام مصر منعطفان كبيران، الأول في نهاية العام الحالي، وهو انتخابات مجلس الشعب، والثاني في العام القادم مع الانتخابات الر ئاسية، في العادة لا يلتفت المواطن المصري إلى مثل تلك المناسبات، فمجرد التساؤل عن نتيجة تلك الانتخابات -المحددة سلفا - يعد نكتة طريفة، ولكن الأمر مختلف هذه المرة، فمبارك وصل إلى نهاية الطريق، وأصبح الحديث عن توريث النجل ضربا من البلاهة المفرطة، أصبحت المشكلة في كيفية خروج الأب، وليس توريث الإبن، فيطرح التساؤل المهم نفسه بإلحاح، من سيملأ الفراغ الوظيفي ولا أقول السياسي، فالفراغ السياسي قائم في مصر منذ عقود، مع وجود مبارك، وبسبب هذا الوجود. والقوى المتوافرة على المسرح السياسي في مصر تكاد تكون متساوية الحجم، ضعيفة التأثير، حتى أكبرهم حجما، وأكثرهم تنظيما، وهم الإخوان المسلمون ، فالإخوان في- حقيقة الأمر- متواجدون على الساحة السياسية منذ سنوات مشاركون النظام التواجد في مقاعد السلطة، أعني بذلك تمثيلهم القوي في مجلس الشعب، ووجودهم القوي في وسائل الإعلام عبر العديد من مناصريهم أو عبر تبني العديد من قنوات الإعلام، تفسيرهم الأحادي السلفي لمشاكل العالم، ووجودهم القوي على المستوى الشعبي بسيطرتهم على نقاط انطلاقهم التقليدية في المساجد وبعض النقابات والجمعيات، وبهيمنة الشعور الديني لدى الجماهير، لم يؤد كل ذلك إلى نتيجة، كان عجز الإخوان واضحا في استثمار قوتهم الهائلة لتحقيق بعض الآمال التي وضعها فيهم ناخبوهم ، فهم قوة لا يتناسب طموحها أو برنامجها السياسي ،مع ذلك الحجم وهذا التنظيم، لعل ذلك يرجع إلى الطبيعة الإجتماعية لقيادة الجماعة، فهم مجموعة من رجال الأعمال- كما ذكر مرشدهم السابق مهدي عاكف - لن يستطيعوا أن يقدموا سوى إصلاحات شكلية ذات طبيعة إرشادية وعظية للنظام القائم، فهم في النهاية جزء من البنية الطبقية المتخلفة للمجتمع، بل إنهم يمثلون بطروحاتهم الشكل المرجعي والقيمي الأكثر بطئا وركودا في المجتمع، إنهم التعبير الصادق عن ثقافة الأطراف المهمشة، سواء كان في الريف بعلاقات الإنتاج المتردية والبدائية، أو في الأحياء المكونة للساحات الخلفية للمدن، حيث تسود العشوائية الإقتصادية والإجتماعية والإنتاجية. جاء الإقصاء الأخير ،الذي قامت به القيادة الحالية للأخوان ،لقيادات ذات قبول جماهيري مؤكدا الطبيعة المنغلقة للجماعة ونزوعا أشد تجاه تكريس تلك النزعة. لاتصلح جماعة الإخوان لقيادة العمل السياسي في مصر.

هذا ما أثبته التاريخ العملي القريب، وسيظل كبر حجمهم العددي كبيرا في ذاته دون أن يعني ذلك قدرة على توجيه وقيادة الأمة.

واذا كان الفساد، ولوبي السلطة -رجال الأعمال هم السمة والقوة الحاكمة في الواقع السياسي، فإن انعكاس ذلك- على مجمل الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية-واضح للعيان، ليست مصادفة أن يكون من بين أعضاء لجنة السياسات، التي يرأسها السيد جمال مبارك عضوا متهما بالقتل، أو يكون مالك العبارة الغارقة صديقا لمسئول كبير سهل له هربه، أو يقدم وزير مقرب للأسرة الحاكمة للقضاء بتهم الفساد والتربح الفاضح، وعلاقات البيزنس التي تربط بعض رؤساء أحزاب المعارضة بأجهزة الدولة غير خافية ومعروفة، إننا نتحدث عن واقع تم إفساده عبر عقود، يفسر ذلك كيف أمكن أن يستمر نظام مبارك ما يقارب الثلاثين عاما. ويفسر ذلك أيضا ضمن أسباب أخرى عزوف جماهير الشعب عن المشاركة في العمل السياسي أو حتى مجرد استخراجهم لبطاقة انتخابية، وسيفسر – في المستقبل القريب- العديد من الاحداث والمواقف التي سيقوم بها بعض قادة أحزاب لم يسمع بها أحد لخدمة النظام.

وتنشط في الساحة السياسية أحزاب تعلن توجهها الليبرالي (الرأسمالي الحر)، بعضها قديم العهد، مثل حزب الوفد ، وبعضها حديث العهد ،مثل حزب الجبهة والغد، وهي أحزاب تتطلع إلى الولايات المتحدة ،بل وتطالبها أن تتدخل حماية للحريات في مصر (كتب أحد زعماء هذه الأحزاب داعيا الرئيس أوباما إلى التدخل لدى النظام بمناسبة زيارته لمصر، وخطابه المطيب الفضفاض) وقدرة هذه الأحزاب على توجيه الحراك السياسي الجماهيري محدودة، إما لطبيعة نشأتها، أو موقف قادتها التطبيعي مع إسرائيل، وعلاقة زعمائها بالغرب، أو لعدم تقديمها برنامج اجتماعي راديكالي لصالح الفقراء.

وهناك خارج هذه المنظومة بعض الأحزاب التي تتبنى موقفا مناوئا للسياسة الأمريكية– الإسرائليلة، وتتخذ موقفا واضحا، بمساندة الشعب الفلسطيني في غزة في حربه ضد العدوان، مثل حزب العمل والعربي الناصري والكرامة، وعلى جانب يقف حزب التجمع الذي الذي يتأرجح بين مواقف مناصرة للنظام في كافة القضايا وبين مجموعة من قيادي الصف الثاني تسعى لان يعود الحزب الى تاريخه المشرف وتسجل مواقفها المختلفة تماما عن مواقف رئيسه ومعاونوه.

استطاعت أجهزة النظام أن تعزل هذه الأحزاب عن الجماهير مصدر قوتها الأساسية عبر سلسلة من المطاردات والاعتقالات ،ونجحت في ذلك إلى حد بعيد، فحدت من تأثير تلك الأحزاب وقدرتها على إنجاز نقلة نوعية وكمية في علاقتها بجماهيرها، وهو ما قلل من تأثيرها العام.

يتوقع بعض المراقبين والمحللين السياسين ،أن يقوم الجيش وقوى الأمن التي تضخم حجمها كثيرا، بالدور الرئيسي في فترة ما بعد مبارك، وأشير في العديد من المناسبات الى السيد عمر سليمان باعتباره المرشح الأكثر إحتمالا لوراثة مبارك، وهو احتمال قائم يرتهن حدوثه بمدى قوة وإيجابية حركة الطبقة الوسطى في مصر أو سلبيتها، ورؤيتها لمصالحها، إذا كانت مع سيطرة الجيش على السلطة تأمينا لمصالحها من خطر حدوث انفجار شعبي مدمر تحت وطأة سوء الأوضاع الإقتصادية البالغ، أو قيادة الحراك الشعبي للحصول على دور أساسي في توجيه الحياة السياسية والإقتصادية في مصر. قال الدكتور الفقي، وهو يعد من أكثر رجال النظام قدرة على صياغة أفكاره وما يسمى (بالتنظير له) إذا أمكن أن يكون لهذا النظام نظرية تتعدى نظرية الفساد، قال إن أي رئيس قادم لمصر لابد أن يحظى بقبول كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل، عاد الرجل وحاول سحب حديثه وتفسيره بما يخالف معناه الصريح، ولكن الإشارة إلى الحقيقة الجلية الساطعة لايمكن التراجع عنه، تستطيع الولايات المتحدة واسرائيل تحريك القطع في معركة الرئاسة في مصر في ظل غياب حركة شعبية قوية، لايمكن أن يحدث ذلك في خضم تواجد سياسي فاعل لطوائف الشعب، تقول القاعدة (لاتحارب شعبا في حالة ثورة)

أمام الإدارة الأمريكية ثلاث اختيارات، الأول النموذج البورقيبي لانتقال السلطة، حيث تم انتقال السلطة الى أقرب المقربين، فظل الوضع على حاله، باستثناء تغير إسم الرئيس والوضع مشابه في مصر في حالة انتقال السلطة لعمر سليمان. والثاني النموذج الإيراني حيث يتفجر السخط الكامن ويطيح- ليس فقط بالنظام الحاكم ورجالاته- بل وأيضا بكل ما يمت بصلة لما كان يربط هذا النظام بصديقه الأمريكي، ومصر في المعادلة العربية ،كيان سياسي له اهميته، لا تستطيع الإدارة الأمريكية المغامرة بفقده، والثالث وهو الأقرب للتوقع ترشيح شخصية توافقية بعيدة عن تاريخ النظام وفساده، مما يعني قبولها شعبيا، وهي القادرة على امتصاص السخط وتوجيهه لإحداث بعض الإصلاحات السياسية والإجتماعية ومحاربة أوجه الفساد الصارخة في جهاز الدولة، ومن خلال برنامج بسيط يعد بألغاء القوانين المقيدة للحريات، وتعديل الدستور، ومحاربة الفساد للوصول بالوضع إلى ما يشبه الأوضاع المماثلة في بقية دول العالم ،حيث الفساد هو الاستثناء وليس القاعدة، كما هو حادث في مصر حيث الفساد فيها هو الاصل والقاعدة، وهو برنامج يجد قبولا شعبيا واسعا.

عدم وجود قوة قادرة على قيادة الأمة بإجماع شعبي كبير، والميل إلى انتظار المخلص بديلا مريحا ومأمونا عن مواجهة السلطة، والطبيعة المهادنة للنخبة القائدة وانتظار بعضها للعم سام منقذا قادما عبر الأطلنطي، والتشتت الواسع لملايين المضارين والمهمشين في الأحياء االفقيرة في الساحات الخلفية للمدن المكتظة، وفي الريف حيث تنعدم الخدمات وتسوء يوما بعد يوم، وتنتشر البطالة والفقر، فيصبح تشتتهم وعدم قدرتهم على التجمع معادلا لمساواة عددهم الكبير بالصفر، وتصبح قدرتهم المحسوبة أمام ظالميهم لاشيء، ووصول رئيس للأمة عبر زخم حماسي فارغ من أي مضمون اجتماعي أو سياسي، يعني تعادل الرؤوس وتقاربها ضمن لعبة سياسية تكررت في مجتمعات لها ظروف مشابهة ضمن العباءة الكبيرة للعم سام، فلا يعد التمييز ممكنا بين يسار أو يمين أو وسط، كل ذلك سيؤدي إلى سيولة الواقع السياسي والإجتماعي في مصر، حيث تتحلل سلطة الدولة أكثر فأكثر، ويسهل للأيدي العابثة أن تفعل ما تشاء بمقدرات الوطن، وهو ما ستشهده مصر في الاغلب، حالة من انعدام الوزن، من الامل وخيبته، من الحماس المتوهج والفتور اليائس، حيث لا غالب ولا مغلوب، الى ان يعيد وعي الجماعة بالخطر الامة الى مكانها ومكانتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق