الخميس، 4 مارس 2010

هل بدأت إسرائيل تعيش واقعها؟!

بقلم: د. فوزي الأسمر

بدأت الصحافة العبرية تنشر مقالات يناقش فيها كاتبوها مواضيع كانت غير مطروحة على الساحة الإسرائيلية، ولم تناقش على المستوى الشعبي، ولا أدري إذا نوقشت خلف الأبواب المغلقة، بل يمكن القول أن مناقشتها كانت محرمة.

فقد بدأت براعم هذا التفكير تتبلور في أعقاب الحروب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل، خصوصا حرب لبنان الأخيرة في عام 2006. فقد نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" (1/3/2010) مقالا يتساءل فيه الدكتور شموئيل غوردن، وهو خبير في أبحاث الشؤون الإستراتيجية والعلاقات الدولية، عن أسباب فشل الجيش الإسرائيلي في الحروب الأخيرة التي خاضها.

ويقول كاتب المقال أنه: "منذ حرب لبنان الأخيرة (2006) بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي يتراجع، وأن التفوق الذي كان له في السابق لن يعود إليه على ما يبدو".

ويضيف الكاتب مدافعا عن دان حالوتس الذي كان القائد العام للجيش الإسرائيلي إبان حرب لبنان الثانية قائلا: "إن دان حالوتس لم يفشل في الحروب التي شارك فيها خلال العشرين سنة الماضية، بل الذي فشل كان هو الجيش الإسرائيلي نفسه".

فحرب لبنان الثانية خلقت نوعا من التفكير لدى الإسرائيليين لم يكن يخطر ببالهم، او مناقشته علنا. فقد وجد الإسرائيلي نفسه يقف في تلك الحرب أمام تساؤلات كثيرة تتعلق بمستقبله ومستقبل عائلته وحتى بوجوده ووجود دولته ككل. هذا الأمر لم يكن مطروحا على الإطلاق في وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل حرب تموز/ يوليو 2006.

فقد نشرت صحيفة "هآرتس" (21/2/2010) مقالا يتساءل فيه الكاتب ماذا سيحدث للجمهور اليهودي في إسرائيل: "حالة هزيمة إسرائيل، واحتلالها من جانب التحالف العربي ـــ الإيراني"؟! ويعتقد الكاتب أن الذي سيحدث يشبه إلى حد كبير ما يحدث للفلسطينيين تحت الإحتلال الإسرائيلي .

ولكن، وبعد حوالي تسعة أيام من نشره، جاء رد في نفس الصحيفة (2/3/2010) عنوانه "ماذا سيحدث إذا ما هزمنا"؟! يقول الكاتب مفتتحا مقاله: "هناك أسئلة من الأفضل أن لا نسألها بصوت عال. ولكن عندما تطرح فإنه يجب التعامل معها بدون لف ولا دوران".

يعتقد الكاتب أن الأمر يختلف في حالة احتلال العرب لإسرائيل: "إن كل من يعيش هنا (أي في إسرائيل) يعرف ماذا ينتظر الإسرائيليين في حالة الهزيمة وسقوط الدولة: لن يكون هناك احتلال ولا حواجز في الطرق ولا قوانين طوارئ ولا مستوطنات (عربية) بل مذابح جماعية".

وعلى الفور يتراجع الكاتب فيقول: "لا أدري ما إذا كان هذا التقدير صحيح، ونأمل أن لا يكون صحيحا وأن لا يحدث ذلك أبدا، ولكن يجب أن لا نتوقع من اليهود الإسرائيليين، ومن أي شعب آخر، في مثل هذه الحالة أن تكون التقديرات غير ذلك".

ومناقشة هذا الموضوع علنا، جاء في أعقاب نقاش حول موضوع أساسي آخر. فقد نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" (26/2/2010) مقالا عنوانه: "هل لإسرائيل حق في الوجود"؟!

يقول كاتب المقال: "إذا لم تكن إسرائيل هي الجواب للكارثة (هولوكوست) وإذا لم تشكل جوابا لحياة يهودية أخرى، ولا توجد أية مشاكل للشعب (اليهودي) في الغربة، إذا كان هذا صحيحا فربما وجود الدولة غير ضروري".

ويربط كاتب المقال تساؤلاته هذه مع الحملة العالمية التي تواجهها إسرائيل في هذه الأيام: منع سفرائها من إلقاء محاضرات في الجامعات من جانب الطلاب، وإقامة أسبوع دولة الأبهرتايد في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) وبعض الدول الأوروبية، وإرسال أطفال في إسبانيا رسائل تحمل رسومات تشير إلى ما تفعله إسرائيل مع الأطفال الفلسطينيين، وطبعا عرض تقرير غولدستون عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها على غزة أمام الأمم المتحدة، يربط الكاتب كل هذا مع تساؤله عن حق إسرائيل بالوجود.

ويقرر أن: "حق إسرائيل بالوجود يعتمد على دعم العالم للفكر الصهيوني، أي أقامة بيت قومي لليهود لإخراجهم من غربتهم، كون أن إسرائيل هي الحل الوحيد للمنفى اليهودي".

والواقع أن إسرائيل قد بدأت تفقد المبادئ التي أرادت الصهيونية من خلال إقامة دولة يهودية، تنفيذها، وفي مقدمة ذلك هجرة يهودية واسعة إلى فلسطين. ولكن الإحصائيات تشير إلى أن عدد اليهود غير الإسرائيليين يزيد بكثير عن اليهود الموجودين اليوم في إسرائيل.

كما أن الدعم العالمي للفكر الصهيوني بدأ منذ عدة سنوات ينخفض، خصوصا بعد أن أظهرت إسرائيل وجهها الحقيقي، وطرحت أمام الرأي العام أفكارها التوسعية، وأعمالها الإجرامية، وغطرستها المنبوذة.

وضمن سلسلة هذه الأفكار، بدأت تطفو على السطح مقالات عن التغيرات الاجتماعية في إسرائيل والتي تهدد، حسب ما جاء في هذه المقالات، الحياة الاجتماعية. فزيادة قوة المتدينين اليهود جعل أحد كبار المحللين السياسيين في صحيفة "هآرتس"، الإشارة في مقال له إلى أنه يوجد في إسرائيل: "ثلاث قوميات: علمانيون ومتدينون وعرب". فقد اعتبر الكاتب تسلط الأحزاب المتدينة، ومجموعة المستعمرين اليهود في الضفة الغربة، يشكلون عنصرا قوميا يختلف عن العنصر اليهودي الإسرائيلي.

فمثل هذا التفكير يمكن تصنيفه بأنه بعد مضي أكثر من نصف قرن على قيام هذه الدولة، لم تستطع تحقيق الحلم الصهيوني بأن تكون "وعاء صهر لليهود من ذوي القوميات المختلفة لخلق قومية جديدة". وكل مراقب لما يدور في إسرائيل اليوم يستطيع أن يرى بوضوح الصراع القائم بين المتدينين اليهود وبين الشريحة غير المتدينة.

فهذا الصراع ليس وليد الوضع القائم، بل كان موجودا طيلة الوقت ولكن لم يطفو على السطح أي بعد أن قويت شوكة المستعمرين اليهود والأحزاب المتدينة. وما يجري على الساحة اليوم من محاولات لضم أماكن إسلامية مقدسة إلى الإرث اليهودي، ومحاولة السيطرة على المسجد الأقصى، خير دليل على تزايد قوة المستعمرين والمتدينين اليهود.

إن مراقبة ودراسة ما يدور داخل الكيان الصهيوني، يجب أن يكون في طليعة ما يجب أن تجري دراسات عليه في مراكز الأبحاث العربية. وما هذا المقال سوى إشارة بسيطة في هذا الإتجاه.

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق