الأحد، 14 مارس 2010

أسئلة المشروع النهضوي العربي بين الواقع والمستقبل


عصام عز الدين
         يذهب البائسون والمفلسون من العرب أمام الحاضر إلى الكلام عن (عرب بلا مستقبل)، كما يذهب المتحمسون جداً فوق الحاضر إلى القول: إن المستقبل كل المستقبل هو للعرب فوق أرضهم! أما نحن فنكتفي بالقول: إن المستقبل لمن يخرج من حاضره منتصراً على هزيمة يومه وتقصير رؤيته، نبحث بعقلانية وموضوعية عن واقع جديد يتناسب مع تركيبة العالم في واقعه ومستقبله، فالمستقبل الموثوق والمضمون يبدأ من البحث عن فهم الحاضر ونقده ورعايته وتطويره بما يتناسب مع تاريخ مقبل أو متوقع قابل للبرمجة والتخطيط تماماً كما يقبل الطبيب المولود الجديد، فيعالج وضعه المباشر بما يجعله قابلا للحياة، ثم يأتي المحيط وفي مقدمته المؤسسة الاجتماعية الأولى الأسرة والمدرسة والجماعة.. إلخ لتكفل المولود في كل مراحل نموه حتى يأخذ مكانته في المكان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع والدولة على حد سواء. وبكلام آخر المستقبل لمن يرعى سلطة ثلاثية الأقطاب: سلطة العلم والمعرفة (المنزل، المدرسة، الجامعة) وسلطة المجتمع (الأرض، الاقتصاد، والإنتاج) وسلطة الدولة (السيادة، القانون، الحرية)، فأين العرب من هذه السلطة؟ فالدول العربية في حالتها الراهنة بعضها مستباح من دول أقوى في خارجها ومستباح من قبائل وطوائف.. الخ؟ بالإضافة إلى الاحتراب الإعلامي والفكري والسياسي، وأحياناً الاقتصادي والعسكري السائد في أقطار الأمة من محيطها إلى خليجها.
 هل هو حوار مقلوب هدفه الاختلاف على ما يغضب الخارج والاتفاق على ما يرضيه؟ أسئلة كثيرة وكبيرة.
والسؤال المطروح علينا كعرب: ماذا استفدنا من أدمغتنا وجامعاتنا وقوانا العلمية والمهنية والسياسية؟ وإلى متى سنبقى (عرب الحلم) لا (عرب الواقع)؟
نتحدث عن ماضينا البعيد ولا نستفيد منه العبرة الصحيحة، ونتباهى بثورات ونهضات ونخجل من واقعنا فنهرب منه إلى خارج أو ندفن فيه وننقهر مكبوتين ومحبطين بالمكتوب الجديد وبما نكتب نحن لا بالمكتوب علينا منذ آلاف أو مئات السنين والذي يعاد إنتاجه الآن بالهرب إلى ما قبل التاريخ أو إلى ما بعد التاريخ. هل نحن العرب تاريخيون؟ أين يبدأ تاريخنا؟ إن لم يبدأ فينا ومعنا ولنا فكيف يمكننا أن نكون معاصرين؟ وكيف نستطيع مواجهة أزمة ومجابهة حرب بل حروب مفروضة من أكثر من جهة علينا.؟
نهرب من التاريخ، من واقعنا واقع الناس الأحياء مثلنا ومعنا وضدنا، إلى اللاتاريخ، اللاواقع، اللامعقول، نحلم بماض مفقود يستحيل استحضاره واستيراده، وبالتالي ننهزم إلى مستقبل موعود!وكيف يكون الوعد معقولاً ومقبولاً إن لم ينطلق منا ومن واقع تاريخنا الحاضر؟. الواقع أننا ـ العرب ـ مغلوبون في نهضاتنا حتى الآن، مغلوبون ومقهورون ومظلومون، ونخشى أن ننهزم مادام يراد لنا الانهزام ولا نبدأ من فكرة بسيطة: (أنا أقاوم الموت) إذن أنا أحيا، (أنا أحيا إذن أنا أرفض وأريد)، فلو قلنا إن القوى الخارجية أوصلتنا إلى  (أمة دون الأمم)، وأننا نريد أن نكون أمة كبرى حقيقية قوية بين الأمم، مع الأمم، ولأجل الأمة سنحارب مرتين إن لم يكن أكثر، فمرة نحارب صانعي دونيتنا هذه، ومرة نحارب قوى محلية للحفاظ على هذه الدونية.
وإذا ما أردنا أن نبقى أمة بين الأمم، أي أن نرتفع من سقوطنا الحالي دون الأمم، فمن حقنا أن نحدد وجودنا السياسي فوق أرضنا وأن نسأل بلا تردد: أية منظومة اجتماعية تلزمنا؟ أية نماذج للدولة العربية المقبلة تعتبر علمياً وموضوعياً قابلة للحياة؟.. وأي شعب عربي يمكن تكونه وسط هذه المخاضات العسيرة واليسيرة؟.. ثم بأية ثقافة يمكننا افتتاح عصرنا المقبل فيكون عصرنا نحن لأن فيه معاناتنا؟ وبأية أفكار يمكن لعرب الحاضر أن يخاطبوا عرب المستقبل؟.. كلها أسئلة تحتاج إلى جواب: (أين عقلنا وعقلانيتنا؟ إنه جواب سؤال.
إن عرب اليوم أنتجوا بنسب متفاوتة مؤسسات قطرية وطنية ذات توظيفات سياسية متباينة، ولكن المؤسسات القومية المتبادلة والمشتركة ظلت في مستوى أقل من الرغبة ولم تنزل بعد إلى حيز الواقع ومستوى التنفيذ التاريخي. هنا خطر عام على أمة كبرى، صغيرة بجيوشها واقتصاداتها وقواها البشرية. هذا الخطر ماثل من كل الجهات والعرب أينما كانوا يقعون على مسافة واحدة من الخطر الصهيوني ومن أخطار القوى الاستعمارية التي تجدد استعمارها لوطننا العربي بالقوة العسكرية المباشرة أو بالتبعية الاقتصادية والمديونية المالية. لقد شاخ المشروع العربي النهضوي لكنه لم يمت ولا يستطيع أن يموت لأنه مشروع وجود الأمة، مشروع عمرها التاريخي اللامتناهي.
ولكن أمة عريقة وعتيقة في التاريخ إن لم تجدد نفسها وتهيئ أسباب انبعاثها في كل جيل إنما تحكم على نفسها بالاندحار والزوال كأمة كبرى. إننا ـ العرب ـ لا نستطيع الانهزام لأننا لا نستطيع العيش طويلاً كأمة كبرى مهانة بين الأمم، ولا معنى لوجودنا كأمة دون الأمم في هوامش الأمم. غداً سيكون العرب في مواجهة حياة جديدة ولن نكون نحن بينهم، فلنخفف العبء والضغط عن المولود الجديد.!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق