الأربعاء، 7 أبريل 2010

نظام إيران وتعويضات الحرب العراقية


السياسة الكويتية – داود البصري:
خلف ضجيج مدافع وصواريخ تلك الحرب تمكن الإيرانيون من حسم الخلاف الداخلي وانتصر التيار المتشدد
في الوقت الذي يهرول أهل الدكاكين السياسية والطائفية في العراق صوب طهران تلمسا لحلول إيرانية لأزمتهم الوجودية وطلبا للمشورة المقدسة والمستعجلة من نظام الولي الفقيه المقدس ومن بركات ( الحرس الثوري ),
ومن أعطيات الرئيس الإيراني المشكوك بولايته الانتخابية أيضا الرئيس أحمدي نجاد , فإن النظام الإيراني يدير محاور اللعبة الإقليمية واوراق الصراع وملفاته بحرفنة وتمكن وسيطرة وبرودة أعصاب واسترخاء ستراتيجي واضح المعالم ويؤشر على مكانة الدور السياسي والأمني الإيراني في العراق وهو دور قد تعملق كثيرا حتى تقزم من خلاله الدور الأميركي ( صانع التغيير ) الذي هو اليوم في حالة تيه حقيقية في المستنقع العراقي الآسن والحافل بكل متناقضات التاريخ وخرافاته , وبكل دسائس الحاضر ومخلفاته! , نعم لقد نجح الإيرانيون في استثمار عقود التخادم الطويلة وحققوا أهدافهم كاملة من نتائج عمل حقبة الثمانينات المتفجرة التي شهدت حربا إقليمية طاحنة بين العراق وإيران كانت في إحدى جوانبها المهمة تؤدي خدمة ستراتيجية كبرى للنظام الديني الإيراني , فبرغم قسوة تلك الحرب المنسية الطويلة ( 1980/ 1988 ) وخسائرها البشرية والاقتصادية المرعبة وكلفتها الإنسانية الباهظة , إلا أنها كانت ( خيرا ) لإيران وفقا للرؤية الأولية التي أطلقها الإمام الراحل ( الخميني ), فخلف ضجيج مدافع وصواريخ تلك الحرب تمكن الإيرانيون من حسم الخلاف الداخلي وانتصر التيار الديني المتشدد, وأبعد التيارات اليسارية والثورية المنافسة الأخرى التي قادت الثورة الشعبية الإيرانية ضد نظام الشاه , فقد تم استئصال حزب "تودة" الشيوعي الإيراني بالكامل , فيما تم الدخول في مواجهة دموية شرسة للغاية مع جماعة ( مجاهدين خلق ) لم تزل فصولها قائمة ومستمرة على مختلف المواقع الداخلية والخارجية , في تلك المرحلة تم حسم المواجهة الداخلية وتمكن التيار الديني المتشدد من فرض رؤيته وهوالتيار الذي رعى أيضا المعارضة العراقية الدينية والطائفية المرتبطة بها وهي نفسها الحاكمة في العراق اليوم بكل شخوصها وأسمائها ومسمياتها بدءا من حزب الدعوة الذي نجح الإيرانيون في شقه وتقسيمه لشيع وطوائف واصناف , وليس انتهاء بجماعة المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق الذي اعتبره حصانه الأسود وراهن عليه ودعمه بشتى السبل والوسائل , ورغم أن الحرب العراقية الإيرانية كانت قد انتهت فعليا وواقعيا بالتقهقر العسكري العراقي في معارك ....... في مايو1982 وإعلان النظام العراقي السابق الانسحاب من العمق العراقي والدعوة لمفاوضات تنهي الوضع الشاذ إلا أن النظام الإيراني وطبقا لحساباته الداخلية ومصالحه الستراتيجية فضل مواصلة الحرب مؤكدا أنها لن تنتهي إلا بنهاية النظام السياسي في العراق وإقامة البديل الإسلامي الجاهز والمضموم والمصنع إيرانيا!! وكذلك التعويض المادي الكامل عن خسائر الحرب وهي بالمليارات طبعا إضافة لشرط محاكمة أقطاب النظام العراقي!, وطبعا تلك الشروط التعجيزية في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية التي كانت قائمة كان النظام الإيراني يعلم تماما بإستحالة قبولها أوالموافقة عليها ولكنه كان يهدف لإطالة أمد الحرب والمراهنة على إمكانية اجتياح العراق وتدمير آلته العسكرية إضافة لإدامة الحشد والتعبئة الداخلية الإيرانية واستئصال كل الجماعات والتيارات المعارضة وعلى رأسها حركة (مجاهدين خلق) التي خاضت غمار المقاومة بشراسة لا تعرف الكلل لم تزل مستمرة حتى اليوم رغم تبدل موازين القوى والصراع وإدارة الملفات والأزمات على مختلف المستويات , واستمرت الحرب سجالا لسنوات طويلة أخرى وبتكلفة إنسانية ومادية مرهقة للغاية حفلت خلالها بتعبئة عقائدية مركزة من خلال إقناع الجماهير الإيرانية بوقوف القوى الغيبية بجانبها لذلك تم التركيز على شعارات مثل ( طريق القدس يمر من كربلاء.) وإن "الإمام المهدي الغائب يخوض المعارك من خلال شعار".. يا مهدي أدركني.. بل أن الهجمات العسكرية الإيرانية في العمق العراقي قد بدأت فعلا في يوليو1982 في جبهة شرق البصرة وحيث دخلت قوات إيرانية فعلا للعمق العراقي في البصرة ثم ميسان ثم في الأهوار ووصولا لاحتلال شبه جزيرة ( الفاو) في جنوب البصرة وشمال الخليج العربي في فبراير 1986 وهو الاحتلال الذي استمر عامين كاملين قبل أن يستعيد العراق زمام المبادرة ويسترجع الفاو في ربيع 1988 وهو تطور عسكري ذو بعد توافقي دولي وإقليمي أدى في النهاية لإجبار النظام الإيراني على تجرع كأس السم وإيقاف الحرب في أغسطس 1988 بعد القبول الإيراني الرسمي بالقرار الأممي 598 لتبدأ مفاوضات جنيف التي حضرها عن الجانب الإيراني علي أكبر ولايتي وعن الجانب العراقي طارق عزيز , لتهدأ الأمور على الجانب الإيراني ولتشتعل الملفات على جبهات أخرى وبما أدى في النهاية لجريمة اجتياح وغزو دولة الكويت وتبدل اولويات الصراع في لعبة الأمم ودخول المنطقة لفصل جديد ومختلف من الصراعات, ولتتجمد المفاوضات الإيرانية العراقية حول تصفية ذيول ومتعلقات الحرب السابقة وليغطى بأطنان التراب مطلب ومبدأ تعويضات الحرب ومن سيطلبها , ولعل قيام النظام العراقي السابق بتهريب طائراته العسكرية والمدنية لإيران قبل وخلال حرب عاصفة الصحراء ( تحرير الكويت ) أوائل العام 1991 ووفقا للصفقة الغبية التي عقدها ( عزة الدوري ) ومن ثم قيام النظام الإيراني بالاستيلاء على تلك الطائرات واعتبارها "جزءا من تعويضات الحرب السابقة" أول ظهور علني لمبدأ المطالبة بالتعويضات! ثم جرت مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور قبل أن ينهار النظام العراقي عن طريق الاحتلال الأميركي العسكري المباشر في التاسع من إبريل 2003 وتأتي لسدة السلطة بحكم الفراغ السياسي القائم الجماعات السياسية ذات الولاء الإيراني والتي طالب أحد أقطابها أول دخوله العراق بصرف التعويضات الحربية لنظام إيران وقدرها بمئة مليار دولار, وهكذا أعطى من لا يملك لمن لا يستحق! في مفارقة كانت غريبة للغاية تحدث عنها القوم طويلا, ثم لف الصمت ذلك الملف حتى تحدث السفير الإيراني الحالي في بغداد والمنتهية ولايته حسن كاظمي قمي عن ذلك الملف الملغوم , فقد سئل السفير في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية في الثلاثين من مارس الماضي حول مطالبة إيران بتعويضات الحرب من العراق فأجاب السيد قمي قائلا بالنص وباللغة الفارسية :
( موضوع غرامت جنك تحميلي جزوحقوق مسلم ملت إيران أست وطبيعي است كه بايد درزمان مقتضي أين موضوع مورد توجه قرار كيرد )
أي ما معناه بالعربية :
إن موضوع تعويضات الحرب المفروضة على إيران هو من ضمن الحقوق الثابتة للشعب الإيراني المسلم ومن الطبيعي أن يأتي الاهتمام بها في الوقت الملائم.
فهل سيفتح الإيرانيون هذا الملف الشائك في وجه الحكومة العراقية الجديدة إن لم تكن متناسبة والهوى الإيراني ? أم أن ذلك الملف الشائك سيكون مفتاحا لأزمة جديدة ستتصاعد فصولها مع الأيام إن لم تتطابق حسابات الحقل الإيراني مع البيدر العراقي... كل المفاجآت والاحتمالات ممكنة في المستنقع الطائفي العراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق