الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

تجميد الاستيطان...من "الشرط المسبق" إلى البحث عن "ضمانات"

كتب : عريب الرنتاوي

كم كنت أود أن أضم صوتي لصوت الأستاذ العزيز طاهر العدوان، في حشد الدعم وطلب الإسناد للرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهته للتعنت الإسرائيلي الوقح المدعّم بالانحياز الأمريكي الذليل في الموقف من مسألتي الاستيطان والمفاوضات، ذلك أنني أتمنى من أعماقي، وبكل جوارحي، أن يظل الرئيس الفلسطيني على موقفه هذا، وأن يشرع فورا ومن دون إبطاء، في لملمة الصفوف الفلسطينية وتوحيد الكلمة وترتيب البيت وصوغ استراتيجية بديلة تجمع بين نهجي المفاوضات الرشيدة والمقاومة الرشيدة...عندها وعندها فقط، سنرفع قبعاتنا احتراما، ونضرب صفحا عمّا مضى، ونصطف في طوابير الداعمين والمساندين لقيادته الرشيدة والحكيمة.

لكننا بطبيعة الحال، نخشى الإغراق في التمنيات والأوهام وخداع الذات، فلقد سئمنا المناشدات التي لا تبلغ مقصدها والنداءات التي تظل عالقة في الهواء، ونزداد يأسا وحيرة حين يأتينا من ينبئنا بأن الرئيس لا يقرأ، وأنه يرى بعيون ويسمع بآذان الحلقة الضيقة من مستشاريه (إياهم)، ولست أبالغ إن قلت بأن أسوأ ما ينتابنا من كوابيس، هو أن يشرع الرئيس عباس صبيحة اليوم التالي للصفعة التي وجهتها السيدة كلينتون له شخصيا في أبو ظبي وللعرب جميعا من القدس ومراكش، بالبحث عن مخارج وسلالم للهبوط عن قمة الشجرة التي صعد إليها، أو بالأحرى التي "أصعده" إليها الرئيس أوباما شخصيا، عندما بدأ يتحدث عن ضرورة وقف الاستيطان بكل أشكال وأماكنه.

نحن نعرف أن الرئيس عباس "تشجع" بمواقف الرئيس أوباما في خطابي القاهرة ونيويورك، فبادر إلى الربط بين استئناف المفاوضات ووقف الاستيطان، وجعل من هذا شرطا لتلك، وكان محقا في ذلك كل الحق، وإن كنا نلومه على تأخره في فعل ذلك، ومن المؤسف حقا أن نقر بأن ما صدر عن نتنياهو في أعقاب لقائه مع الوزيرة الأمريكية كان صحيحا، فالرئيس عباس، ومن قبله الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومن خلفهما العرب جميعا، لم يشترطوا يوما وقف الاستيطان للدخول في مفاوضات أو الانخراط في سلام، فكانت النتيجة كما قال عكيفا إلدار في هارتس بالأمس زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية (باستثناء القدس) من 109 آلاف زمن أوسلو والعام 1993 إلى 300 ألف اليوم (ثلاثة أضعاف في 16 سنة)، وإذا ما أضيف إلى هؤلاء ربع مليون مستوطن في القدس الشرقية وحدها، يتجاوز عدد المستوطنين في أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة النصف مليون مستوطن.

لقد تخلى أوباما عن مطلبه، وظل الرئيس الفلسطيني عالقا مع شرطه، ولن يكون ممكنا في المدى المنظور على الأقل، توقع تغيير إيجابي في الموقف الأمريكي من هذه المسألة، الأمر الذي يبقينا عالقين مع سيناريو واحد فقط: البحث عن مخارج وسلالم لتمكين الرئيس عباس من اللحاق برئيس الدولة الأعظم، وإنجاز الهبوط اللائق والآمن من على قمة الشجرة، حماية له ولسلطته وحكومته من خطر تغوّل حماس وزيادة نفوذها، وإنقاذا لـ"فرصة السلام" التي سيترتب على ضياعها "نتائج كارثية"، وفقا لمنطوق البيان الأردني المصري المشترك، وهذا ما يتصدر أجندة المجتمع الدولي والعرب المعتدلين في هذه الأثناء على أية حال.

المخرج/السلم أو مظلة الهبوط التي يجري البحث عنه اليوم، ربما يكون واحدا من اثنين: الأول، الطلب إلى الرئيس الأمريكي كشف مضامين خطته، واعتماد مرجعية لعملية السلام تلحظ قيام الدولة وترسم الخطوط العريضة لحدودها وملامحها، وهو الخطاب المنتظر منذ اشهر عدة على أية حال...والثاني: الطلب إلى الإدارة الأمريكية إعطاء الرئيس عباس "كتاب ضمانات" يلخص الموقف (الالتزام) الأمريكي بالدولة والحل النهائي والمرجعية التي تضمنها خطابا أوباما في القاهرة ونيويورك، فيحفظ بذلك ماء وجه الرئيس وفرصة السلام وكرامة الاعتدال المراقة على مذبح التطرف الإسرائيلي وليس "التطرف العربي" كما يفضل البعض أن يتصور، ثم ندخل بعد ذلك في ماراثون تفاوضي، يعيدنا في أحسن أحواله، إلى ما انتهينا إليه مع أولمرت في 2008 أو قبله مع باراك وكلينتون (الزوج) في العام 2000.

لقد فهم الرئيس عباس رسالة كلينتون جيدا، وقرأ سريعا ملامح مرحلة ما بعد الرسالة، لذلك رأيناه يقترح رمي الكرة في الملعب العربي، فإن أيد العرب موقفه الداعي لوقف الاستيطان استمسك به، وأن رأوا استئناف المفاوضات على وقع الاستيطان كان به، لكأن لسان حاله يقول: وهل أنا إلا من غزية إن غزت...غزوت وإن ترشد غزية أرشد ؟...وفي ظني، وليس كل الظن إثم، أن الرئيس يعرف سلفا ما الذي سيكونه جواب العرب الرسميين ؟!.

يؤسفنا أن القيادة الفلسطينية لا تريد أن تعترف بأنها ظلت تطارد خيط دخان، وأنها وقعت وأوقعتنا معها، ضحايا لعملية خداع دولية معقدة، يؤسفنا أن الفشل تلو الفشل، والصفعة تلو الأخرى، لا تدفع أحدا للتفكير بالاستقالة والتنحي أو حتى الاستجابة لنداء "قف وفكر"، فيعمد إلى مراجعة حساباته واستراتيجياته، بدل الاستمرار في "خض الماء" و"طبخ الحصى"، ولسنا نستبعد أبدا، أن يعمد هؤلاء إلى فتح معارك جانبية وإلقاء المزيد من القنابل الدخانية، وربما شن هجوم وشيك على حركة حماس الانقلابية و"إماراتها الظلامية"، شبيه بالهجوم الضاري الذي أعقب الأداء المرتبك حتى لا نقول المفلس زمن تقرير غولدستون و"فضيحة جنيف"، ودائما للتغطية على الفشل والخيبة والهبوط المتدحرج عن قمم الأشجار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق