الثلاثاء، 16 مارس 2010

القمة العربية بين خيار المواجهة وثورة الغضب


محمود عبد الرحيم:
تدشين الكنيس اليهودي على بعد امتار من المسجد الاقصى ،عقب ضم الحرم الابراهيمي ومسجد بلال الى التراث اليهودي ،وسط تواصل الاستيطان الصهيوني بضراوة ، ليس الا توطئة للاستيلاء على القدس كاملة، وربما هدم المسجد الاقصي واقامة الهيكل الثالث المزعوم مكانه في اقرب وقت ممكن، فيما نحن العرب مشغولون بالحديث تارة عن وجود فرصة لاستئناف المفاوضات من عدمها، وتارة بالجدل حول الخلاف الامريكي الاسرائيلي وابعاده، رغم تأكيد الطرفين المستمر ان العلاقات بينهما استراتيجية،ورغم التعهد الامريكي في غير موضع بالالتزام بحماية امن اسرائيل،ورغم وضوح الرؤية تماما بأنه لا سلام عادل وشامل، وانما مشروع تسوية امريكي صهيوني يراد فرضه ، ومن ثم لا فرق بين الخطر الامريكي والخطر الصهيوني على القضية الفلسطينية والمصلحة العربية بشكل عام ،وان الفصل بين واشنطن وتل ابيب أو الرهان على اي منهما ضرب من العبث وتآمر على الذات يجب ان نعيه ونتجاوزه ،خاصة بعد كل هذه السنوات التى اضعناها بلا طائل ،وللاسف كان حصادها شديد المرارة.
يكفي ان نطالع التصريحات الامريكية والاسرائيلية ونتمعن في رسائلها المباشرة وغير المباشرة، لنكتشف اننا نعيش الوهم،ونتعرض لخديعة كبرى، ونرتكب- كذلك - خطيئة كبرى ثمنها الاجهاز على القضية الفلسطينية ، فالصهاينة خاصة على لسان رئيس حكومتهم نتانياهو لا يلبثون ان يتحدثوا عن السلام والرغبة في التفاوض ويتبعوا خطابهم الكاذب الاجوف، بما هو حقيقي وممنهج مثل اعلان استمرار بناء المستوطنات ،سواء في القدس او الضفة ، مع الالحاح على الحق في الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، والقيام باجراءات على الارض تجعلهم يقتربون من هذا الحلم الشرير ،ونبتعد نحن عن حقنا التاريخي والمشروع.
فيما نلهث وراء سماع جملة من هنا أو هناك على لسان المسئولين الامريكان تطفئ جذوة الغضب داخلنا ،وكأن الامر قد انتهي عند هذا الحد ، وكأنه يكفينا الحديث الغث  هذا عن ان تواصل الاستيطان يهدد عملية التسوية ، أو ان العلاقات الامريكية الاسرائيلية تتعرض للخطر ، أو اننا ملتزمون بالحل على اساس الدولتين أو حتى ان يتم ارجاء جولة المبعوث الامريكي جورج ميتشل الى المنطقة، رغم ان حضوره أو غيابه لم ولن يقود الى اي شئ لعملية سلام وهمية لا اساس لها من الواقع.
وللأسف لم نبلع الطعم وننتشي بتلك التصريحات فحسب ، وانما صار العرب اصحاب القضية ،ومعهم السلطة الفلسطينية يسيرون على نفس الدرب المريح
، ويكتفون باطلاق جمل شبيهة  للاستهلاك المحلي تحوى تحذيرات كلامية جوفاء لا تستند الى منطق الفعل وارادة القوة من قبيل الحديث عن ان اسرائيل تتجاوز الخطوط الحمر، أو ان الاجراءات الاسرائيلية ،خاصة ما يتعلق بالقدس تهدد  امن واستقرار المنطقة ،أو تهدد بحرب دينية ، واقصى ما فعلوه  مؤخرا كان التراجع عن التفويض الذي اعطوه لرئيس السلطة الفلسطينية باستئناف المفاوضات غير المباشرة.

ان  كنا لم نتعلم الدرس حتى الآن ، ولم نكتسب اية خبرة في التعامل مع العدو الصهيوني، فانه صار يخبرنا جيدا ،ويدرك ابعاد مواقفنا ،وتحركاتنا، ويقيس ردود افعالنا باستمرار ،ويتصرف بناء على هذا الاساس ،ويستثمر هذا العجز وهذه الروح الاستسلامية ليحقق مكاسب يومية على الارض.
هو يعرف اننا سنكتفى بالشجب والادانة ،واقصى ما يمكن ان نفعله ان نناشد الراعي الرسمي لعدوانه واشنطن ان تتدخل للضغط عليه ، وانها لن تفعل لتداخل مصالحهما ومشاريعهما في المنطقة، أو اننا قد نلجأ الى مجلس الامن لاستصدار قرار مصيره  الاصطدام بالفيتو الامريكي..ثم ماذا بعد؟
لا شئ غير فرصة سانحة لمزيد من التهام الاراضي، واستكمال مشروع التهويد
، واحكام القبضة بعصا القوة الغليظة على الفلسطينيين داخل أو خارج الخط الاخضر ، والتعاطي معهم كلاجئيين أو بالاحرى كسجناء في سجن مفتوح، وسط تعاون أمني من سلطة صنعوها لتساعدهم في انجاز مخططاتهم.
لقد جربنا هذا الطريق وسرنا فيه طويلا، ولم نربح شيئا، فآن اوان ان نسلك طريقا غيره ، ونُشعر عدونا ،سواء في واشنطن أو تل ابيب ان ادوات القوة لدينا عديدة
 و اننا لسنا بهذا الضعف الذي يتصوره ، واننا  كعرب لم نبع القضية الفلسطينية ،لنشترى استقرارا زائفا.. فالمواجهة مهما تأجلت فأنها آتية لا محالة، واظن بعد كل ما حدث ويحدث لم يعد وقت للانتظار والصمت.
القمة العربية على الابواب ،وهذا اختبار حقيقي لها وللقادة العرب ، صحيح انه اختبار صعب ،لكن عليهم ان يتحركوا ولو مرة بصدق، ويدافعوا عن المصلحة العربية وقضية العرب الاولى ، او ليعلنوا بشجاعة انهم تخلوا عن القضية الفلسطينية وانهم غير قادرين على الدفاع عن المصالح العربية.. لتواجه الشعوب العربية مصيرها وحدها، وتلحتم مع هؤلاء المقدسيين الشجعان الذين يواجهون المخططات الصهيونية بصدورهم العارية ،ولتعلن ثورة الغضب العارم من المحيط الى الخليج دفاعا عن المقدسات والحقوق المسلوبة والحق في الحياة بعدالة وكرامة.
*كاتب صحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق