الاثنين، 19 أبريل 2010

تكميم الأفواه بذريعة مواجهة الشائعات


ا.د. محمد اسحق الريفي
 في غزة هناك شائعات مغرضة تهدف إلى ضعضعة شعبية حركة "حماس"، ولا بد من تضافر الجهود على كل المستويات وبطريقة علمية وحكيمة لمواجهة هذه الشائعات ودحضها وحماية الشعب منها، لأن النيل من "حماس" يهدف إلى النيل من نهج المقاومة الذي تتبناه.  وفي المقابل هناك حقائق يراها الناس بأم أعينهم، ولا يستطيع أحد طمسها أو تجاهلها، وهناك معاناة يعيشها الناس ولا يستطيع أحد إنكارها، ولا بد من التمييز بين الشائعات المغرضة وبين شكاوى الناس من واقع يعيشونه بألم ومرارة.
 وليس من الحكمة إسكات ألسنة الناس بذريعة محاربة الشائعات، بل من الحكمة الوقوف عن كثب على حقيقة تذمر الناس وشكواهم، ومحاورتهم وإقناعهم بطريقة منطقية وبصدق وشفافية.  وأحرى بالنواب في المجلس التشريعي الفلسطيني الاقتراب أكثر من الناس، ولا سيما في هذا الوقت الذي يشهد حرباً نفسية متصاعدة تستهدف صمود غزة، ليستمعوا إليهم ويتعرفوا على مشاكلهم، وليعملوا على تخفيف معاناتهم وحل مشاكلهم ومحاسبة كل من يسيء إليهم مستغلاً موقعه الحكومي أو مستقوياً بانتمائه التنظيمي.  ولا عذر لنائب لم يعرف مشاكل المواطنين وهمومهم، وليس منطقياً ولا حكيماً الطلب ممن لديهم شكاوى من المواطنين الوقوف في طوابير أمام مكاتب المسؤولين وبيوتهم لنقل شكاواهم وتظلماتهم، ورحم الله سيدنا عمر القائل: "والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها."  أقوال لم نعد نسمعها في هذا الزمان!
 ولا بد أن تعمل الحكومة على إخضاع جميع الناس لسلطة القانون دون استثناء وبغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمية وولاءاتهم السياسية أو أية اعتبارات سياسية أو تنظيمية أو اجتماعية أخرى.  وليس من الحكمة تخويف الناس وتكميم أفواههم عبر إساءة توظيف العواطف الدينية والوازع الديني وحب الناس للمقاومة ورفضهم للاستسلام أمام الضغوط الصهيونية، فالمواطن الذي يصبر على المعاناة يستحق أن يهتم المسئولون بشكواه وتظلمه.
 إن العدل هو أساس الحكم وغايته، وهو وسيلة بقائه واستمراره، ولا أمن دون عدل، ولا نصر دون عدل، ولنتذكر دائماَ القول المشهور "عدلت فأمنت فنمت يا عمر."  وقد أثبتت السنوات الماضية أن الشعب الفلسطيني شديد المحاسبة لمن يسيء إليه، لا يجامل أحداً، ولا يصمت طويلاً، وأنه يطلق كلمته كالرصاصة في الوقت المناسب.  وليس أضر على الشعب الفلسطيني من سلوك قلة مستهترة وغير منضبطة ممن يستغلون مواقعهم ومناصبهم لتحقيق مآربهم الشخصية والتسلق على ظهر المضطهدين من أبناء شعبنا.
 وهنا لا بد من تفعيل دور النائب في المجلس التشريعي للدفاع عن المواطنين، فهو نائب عن الشعب لدى السلطة وأهم واجباته الدفاع عن حقوق المواطنين، وليس نائباً لدى الشعب عن السلطة أو التنظيم الذي ينتمي إليه، ولا بد من عدم الخلط بين هذين الأمرين، فهناك فرق كبير بينهما، والمواطن يستطيع  التمييز بين الأمرين، بل هو الفيصل في التمييز بين من يخدمه بحق وبين من يستهتر به وبحقوقه.  إن النائب والقائد والحاكم والوزير والمسئول إذا لم يعش المعاناة القاسية التي يعيشها المواطنون ويعاني مثلهم، فلن يكون مؤهلاً لحمل هموم المواطنين، ولن يكون قادراً على تخفيف معاناتهم، ولا يحق له أن يمثلهم.  وأصحاب البروج العاجية لا يصلحون لقيادة شعب يسعى لتحرير وطنه ونفسه من براثن الاحتلال الصهيوني.
 إن مواجهة الشائعات لا يكون بحشد الآيات والمعاني الدينية لزجر الناس ومنعهم من الشكوى ومن الحديث عن العيوب التي يرونها بأم أعينهم ويعانون منها، بذريعة حماية المقاومة وحكومة المقاومة، فهذا الأسلوب فيه استهتار بالمواطنين وعقولهم، ويؤدي إلى نتائج عكسية، وإنما تكون مواجهة الشائعات بتحقيق العدل وإصلاح الخلل وبوضع خطة إصلاح لموظفي الحكومة بحيث تتضمن حلولاً جذرية للمشاكل التي تثير تذمر الناس وتضطرهم إلى إطلاق ألسنتهم ونقد الواقع بصورة سلبية يستغلها الأعداء للنيل من نهج المقاومة، وبهذا الأسلوب فقط ينجح المتصدون للشائعات المغرضة في سد الطريق عليها إلى عقول الناس وقلوبهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق