الاثنين، 19 أبريل 2010

مثنى حارث الضاري في مواجهة الولايات المتحدة ومجلس الامن الدولي


دراسة من اعداد: مازن شندب
الباحث  في القانون الدولي وشؤون الارهاب
      في  الخامس والعشرين من آذار 2010، أضافت  لجنة قرار مجلس الامن رقم 1267 الصادر في 15 تشرين الاول 1999، نجل الامين العام لهيئة العلماء المسلمين في العراق الشيخ حارث الضاري، والمسؤول الاعلامي في الهيئة، الدكتور مثنى الضاري، الى قائمة الاشخاص الذين تعتبرهم اللجنة متعاونين وداعمين لتنظيم القاعدة وحركة طالبان الافغانية. اما التهمة وكما جاء في الموجز السردي الذي كشفت عنه اللجنة، فهي، وكما وردت، ارتباط الدكتور مثنى الضاري بتنظيم القاعدة او اسامة بن لادن او بحركة طالبان بسبب "المشاركة في تمويل اعمال او انشطة يقوم بها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين او بتعاون معه او بإسمه او بالنيابة عنه او دعما له، او في التخطيط لها او تيسير القيام بها او الاعداد لها او ارتكابها" او "التوريد او بيع او نقل الاسلحة والمعدات ذات الصلة اليه او التجنيد لحسابه او دعم الاعمال او الانشطة التي يقوم بها بطريقة اخرى".
      وفي تفاصيل الموجز السردي، تقول اللجنة ان مثنى حارث الضاري قد قدم "الدعم  المالي وغيره من الخدمات الى تنظيم  القاعدة في بلاد الرافدين"، وانه "في تشرين الاول /أكتوبر 2008 قدم  الضاري مليون دولار لأحد اعضاء  التنظيم الذي جند عراقيين في سوريا  وفي محافظة الانبار في العراق"،  وان الضاري "طلب من عضو التنظيم  ان يبلغ مجندي التنظيم الجدد بأنهم  سيحصلون على نحو 10.000 دولار عند  استكمال تدريبهم"، بالاضافة الى  اتهامات تفصيلية اخرى، من بينها  ان الضاري اعطى تعليماته لأحد خلايا  تنظيم القاعدة لاستهداف قوات الجيش  العراقي و"القوات المتعددة الجنسيات في العراق". اما وضع لجنة القرار 1267 للدكتور مثنى الضاري في هذه اللائحة، فكان بناء على طلب الحكومتين الاميركية  والعراقية.
        نحن في هذه الدراسة، لسنا  في وارد البحث عن الدوافع  الحقيقية التي قادت الولايات  المتحدة وفي هذا التوقيت بالذات  الى الطلب من اللجنة المذكورة  وضع اسم مثنى الضاري في اللائحة  المذكورة ايضا، فتلك مسألة  سياسية، تحتاج الى دراسة سياسية  معمقة. لكننا في المقاربة السياسية  للموضوع نكتفي بالقول ان للتوقيت  قيمته الاستراتيجية، خصوصا ان  الولايات المتحدة، وفي الاسباب  التي قدمتها "لـ اللجنة" تورد  تهما ضد مثنى الضاري تعود  الى عام 2006، فالدكتور الضاري،  وبموجب لائحة الاسباب الاميركية  متهم بجلبه في تشرين الاول  2006 قنابل الى المنطقة الخضراء  بقصد اغتيال قائد القوات الاميركية  والسفيرين الاميركي والبريطاني  في العراق. وعلى سبيل الاستطراد،  نجدنا هنا امام سؤال يلح  في طرح نفسه وهو: اذا كانت  الولايات المتحدة ومنذ عام  2006 تملك أدلة تدين مثنى الضاري،  فلماذا انتظرت أربع سنوات لكي  تبوح بها وتقدمها "لـ اللجنة" ؟ فالسؤال الاول للجنة في هذا الاطار، ما هي القيمة القانونية للمستندات التي قدمتها الولايات المتحدة اليك وعمرها اربع سنوات، وهل تملكين الآليات اللازمة للتحقق من مصداقيتها؟ (سؤال برسم لجنة 1267).
      نسارع الى القول، ان الولايات المتحدة، لم تنتظر، لكنها تعلم علم اليقين ان اتهام الدكتور الضاري بسعيه الى  قتل قائد القوات الاميركية و"السفيرين الاميركي والبريطاني"، هو اتهام  مردود عليها، بموجب القانون الدولي،  لان قتل قائد عسكري محتل هو عمل  مقاوم لا يمكن ان يتسرب الى طبيعته الكفاحية المشروعة ادنى شك، ولأنها تعلم ايضا ان تبديل الوصف القانوني للقوات الاجنبية الموجودة في العراق،  من "قوات احتلال" الى قوات "متعددة الجنسيات" هو تبديل ليس له اية  قيمة بموجب القانون الدولي، لان  غزو العراق عام 2003 كان غزوا غير  مشروعا، وما بني على باطل فهو  باطل. لذلك عندما قدمت الولايات الى "اللجنة" سلة اتهاماتها بحق  الدكتور مثنى، وكان من بينها هذين الاتهامين، قامت اللجنة بإهمالهما، مستبقية  على الاتهامات المتعلقة بالعلاقة بين مثنى الضاري وتنظيم القاعدة. وهو  ما شكل صفعة قانونية وجهتها اللجنة الى الولايات المتحدة ومعاييرها. لكن هل ان هذه الصفعة هي كافية  للقول ان اللجنة هي لجنة قانونية  وملتزمة بمعايير القانون الدولي؟  ثم ما هي حدود المفاعيل القانونية للتدابير التي تتخذها اللجنة بحق مثنى الضاري (وهنا نذكر مثنى الضاري كنموذج على سبيل المثال لا الحصر)؟ والى اي حد يجب  على الدول الاعضاء في الامم  المتحدة ان تلتزم بما تقرره "اللجنة"؟  وهل من حجج قانونية يمكن للدول  ان ترفعها بوجه اللجنة او بوجه الولايات المتحدة تبريرا لعدم القيام بأي اجراء  بحق مثنى الضاري؟
         1. حول مشروعية قرار مجلس الامن 1267
      قبل ان نناقش مدى صحة قرار "اللجنة" بوضع مثنى الضاري على قائمة الاشخاص  والكيانات الداعمة والمتعاونة مع تنظيم القاعدة واسامة بن لادن،  نقول ان "اللجنة" بحد ذاتها هي كائن قانوني غير مشروع، وذلك لأن القرار 1267 الذي أنشأ اللجنة هو قرار غير مشروع. ففي هذا القرار تجاوز مجلس الامن ميثاق الامم المتحدة فأصدر قرارا لا يحق له ان يصدره. أما منبع عدم المشروعية فيعود الى ان هذا القرار صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وان المجلس لا يحق له اصدار قرار تحت هذا الفصل الا في الحالتين التاليتين:
      الحالة  الاولى- وجود او نشوء نزاع بين دولتين يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.
      ولتفسير هذه الحالة بالمنطق القانوني المطبق،  علينا ان نعود الى مرجعنا ومرجع  كل دول العالم، وهو ميثاق الامم  المتحدة، ولننظر ماذا تقول اولى مواد الفصل  السابع وهي المادة 39؛ تقول :"يقرر مجلس الامن ما اذا كان قد وقع  تهديد للسلم او اخلال به او كان  ما وقع عملا من اعمال العدوان، ويقدم  في ذلك توصياته او يقرر ما يجب  اتخاذه من التدابير طبقا لاحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والامن الدولي او اعدته  الى نصابه". اما المادة 40 فتقول "منعا لتفاقم الموقف، لمجلس الامن، قبل ان يقدم توصياته او يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، ان يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضروريا او مستحسنا من تدابير مؤقتة، ولا  تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق  المتنازعين ومطالبهم او بمركزهم، وعلى مجلس الامن ان يحسب لعدم اخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه".
      واذا  ما أردنا تفسير هذين النصين او هاتين  المادتين، نقول او نعترف ان ميثاق  الامم المتحدة يعطي سلطة استنسابية  لمجلس الامن في تقرير وقوع تهديد  للسلم والامن الدوليين، وذلك يبرز من كلمة "يقرر". لكن لو عطفنا  المادة 39 على المادة 40، نكتشف وباليقين ان المجلس مقيد في تقريره بشرط لازم وهو  وجود نزاع بين دولتين، فكلمة المتنازعين الواردة في المادة 40، لا يمكن تفسيرها  الا على اساس ان هؤلاء المتنازعين هم دولا.
      واذا  ما أسقطنا هذا المنطق القانوني على  موضوع القرار 1267، لقلنا ان هذا  القرار لا يتناول نزاعا بين دولتين،  وانما هو نزاع بين الفراغ وحركة  طالبان، وكان بالامكان ان يكون نزاعا  بين كل دول العالم ونظام او حكومة  طالبان، فيكتسي القرار بذلك بعض الشرعية، لكن مجلس الامن وفي كل القرار لم يذكر مصطلح" حكومة طالبان"،  وانما ذكر مصطلح "الطالبان".
      الحالة  الثانية- استثناء مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
      في  البحث عن هذه الحالة علينا العودة الى الفقرة 7 من المادة 2 من الميثاق، حيث تقول هذه الفقرة "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للامم المتحدة  ان تتدخل في الشؤون الداخلية التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة  ما، وليس فيه ما يقتضي الاعضاء  ان يعرضوا مثل هذه المسائل لان  تحكم بحكم الميثاق، على ان هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة  في الفصل السابع".
      وكأني بهذه المادة تقول ان هناك استثناء لعدم تدخل الامم المتحدة في الشؤون الداخلية للدول، مع استثناء وحيد يتمثل بوجود  داخل هذه الدول ما يهدد الامن والسلم الدوليين. فإذا ما وجد مثل هكذا تهديد  يحق لمجلس الامن ان يتخذ تدابير تحت الفصل السابع. وقد تدخل المجلس،  بالفعل، في كثير من الدول، متسلحا بهذا الاستثناء، كتدخله في جمهورية انغولا ليفرض على منظمة "بونيتا" عقوبات،  كما تدخل في سيراليون ليفرض على  منظمة الجبهة المتحدة الثورية  لسيراليون.
      لكن المجلس في كل تدخلاته ذات الصلة، كان يقول او يشرح الاسباب المادية  للتدخل بموجب الفصل السابع، ففي  حالة سيراليون مثلا، كانت الحيثية  المادية التي استند اليها المجلس للتدخل تتمثل فيما اسماه بـ "الفظائع" التي يرتكبها المتمردون ضد السكان،  وهذا ما منحه شرعية القول "ان الحالة في سيراليون تشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين". وفي حالة غزو العراق للكويت، وعندما اراد المجلس ان يتدخل  بموجب الفصل السابع، كان عليه ان يقول ان غزو العراق للكويت يشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين.
      ما  نود ان نقوله هو ان المجلس ولكي يتدخل، عليه ان يفصح عن الاسباب المادية  للتدخل، لكنه في حالة القرار 1267،  لم يفعل ذلك، حيث اعتبر ان عدم  استجابة طالبان للفقرة 13 من القرار 1214 يشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين. وكانت بدعة تم تكريسها بهذا القرار،  لكنها بدأت مع ليبيا، وذلك عندما  عندما قال في القرار الذي فرض بموجبه عقوبات على ليبيا، ان عدم استجابتها  للطلبات الواردة في القرار 731 يشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين، وكانت  تهمة بليبيا انذلك، التورط في تفجير طائرة بان اميركان فوق لوكربي. ومثل ذلك فعل مع السودان. وكان التكريس في حالة القرار 1267.
      اذن في كل هذه الحالات، وكل هذه القرارات،  حصل الانقلاب على نصوص القانون  الدولي، وبدل ان يقول المجلس او يعلن الاسباب المادية للاخلال بالامن والسلم الدوليين، قال بأن عدم  الالتزام بقرارات مجلس الامن يشكل تهديدا للسلم والامن الدوليين. لكن  الكارثة ان القرار 1214 الصادر في 8 كانون  الاول 1998، هو قرار صادر بموجب الفصل  السادس، بمعنى انه توصية غير  ملزمة، ما يعني ان الدول يمكنها ان تهملها. لكن المجلس جاء في القرار 1267 ليقول  ان عدم تنفيذ ما جاء في هذه التوصية  يشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين،  خارقا وبتعمد ابسط قواعد ونصوص  الميثاق.
      ويعلق كبير اساتذة القانون الدولي وكبار  باحثي الارهاب في الوطن العربي البروفسور المصري "علاء الدين  راشد" على اعتبار مجلس الامن في القرارات المتعلقة بليبيا والسودان وطالبان (1267) بأن عدم احترام الدول لقرارات  المجلس يشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين،  هو اعتبار غير صحيح من الناحية القانونية  لان عدم الامتثال او الاحترام قد يكون راجعا لظروف موضوعية او الى  ضرورة او مبررات قانونية (كما في حالة لوكربي)، وليس الى موقف سياسي متعمد  او تحد لسلطة القانون الدولي.
      وانني اذ اوافق الدكتور راشد في رأيه،  أضيف ان قرارات الحالات الثلاث، اي (قرارات ليبيا والسودان وطالبان) هي قرارات مرتبطة بالارهاب الدولي، وقد  تجنب المجلس القول بأن "هذه الاعمال  الارهابية تشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين"، وذلك لأنه لا توجد وثيقة  قانونية تعرف الارهاب، فأراد المجلس ان يجد مخرجا بديلا، لكن المخرج كان غير قانوني.
      لذلك  يمكن القول ان القرارات الدولية ضد ليبيا والسودان وطالبان هي قرارات غير مشروعة، ومخالفة لميثاق الامم  المتحدة.
      وتبعا لذلك، فإن عدم المشروعية لا تقتصر على القرار 1267، وانما  تشمل كل القرارات التي اصدرها مجلس الامن  لتطوير وتفعيل القرار 1267، وهي القرارات 1333 (2000)، و1390(2002)، و1455(2003)، و1526(2004)،  و1617(2005)، و1735(2006)، 1822(2008) و1904 (2009).
      لكن القرار 1267 قد صدر والقرارات المذكورة اعلاه قد صدرت ايضا، لا بل ان كل دول  العالم قد اعترفت بهذه القرارات، وبالتالي علينا ان نتعامل مع القرار على انه  موجود. لكن ما هي الاجراءات التي يحق  للجنة المشكلة بموجب القرار 1267 ان تتخذها بحق الكيانات والافراد المتهمة  بالتعاون مع تنظيم القاعدة وداعمة لها؟
  2. حدود الصلاحيات "القانونية" لـ "لجنة القرار 1267
بموجب القرار 1267 والقرارات اللاحقة والمتممة له،  فإن الدول، كل الدول الاعضاء في الامم المتحدة، ملزمة بأن تفرض على الكيانات والاشخاص الذين تضعهم  اللجنة في قائمة المتعاونين مع تنظيم  القاعدة وحركة طالبان، التدابير التالية:
      اولا- القيام دون إبطاء بتجميد الاموال والاصول المالية او الموارد الاقتصادية الاخرى لهؤلاء الاشخاص والكيانات، بما في ذلك الاموال المتأتية من ممتلكات تخصهم، او تخص افرادا يتصرفون نيابة عنهم او يأتمرون بإمرتهم، او يتحكمون فيها بشكل مباشر او غير مباشر، وكفالة عدم اتاحة تلك الاموال او اية اموال او موارد مالية او اقتصادية اخرى لفائدة هؤلاء بصورة مباشرة او غير مباشرة او عن طريق رعاياها او اشخاص موجودين في اراضيها.
      ثانيا- منع دخول هؤلاء الافراد الى اراضيها او عبورهم اياها.
        ثالثا- منع التوريد او البيع او النقل، المباشر او غير المباشر،الى هؤلاء الافراد والجماعات والمؤسسات والكيانات، من اراضيها او من جانب رعاياها خارج اراضيها او باستخدام السفن او الطائرات التي تحمل اعلامها، للاسلحة والعتاد ذي الصلة بجميع انواعه، بما فيه الاسلحة والذخائر، والمركبات والمعدات العسكرية، والمعدات شبه العسكرية، وقطع الغيار اللازمة، وكذلك منع تقديم اي مشورة فنية او مساعدة او تدريب يتصل بالانشطة العسكرية.
      امام  هذه الالتزامات الثلاث التي يجب على  الدول ان تتقيد بها، نقول ما يلي:
         1. انه وطالما ان مجلس الامن قد حدد التدابير التي يتوجب على الدول فرضها بحق من تقول اللجنه انه يتعامل او يدعم تنظيم القاعدة او حركة طالبان، فإن ذلك يعني ان اللجنة لا تتمتع بأي سلطة استنسابية، وان سلطاتها تقتصر على رقابة مدى تقيد الدول بهذه الالتزامات ولا يمكن بالتالي ان تتعداها، بمعنى انه لا يحق للجنة ان تطاب الدول بالملاحقة الجزائية للأشخاص المقيمون على اراضيها والمتهمين بدعم ومساندة القاعدة، وهذه ضمانة مهمة لصالح هؤلاء الافراد.
         2. فيما يتعلق بالتدبير الثاني الذي يجب على الدول ان تتخذه، اي منع السفر من البلد واليه، وهو ما أسمته اللجنة بـ "حظر السفر"، فإنه من المهم جدا تفسير وتحديد نطاق هذا الحظر ونتائجه القانونية. فاللجنة نفسها صرحت وقالت ان "الهدف من حظر السفر هو الحد من تنقل الافراد المدرجين في القائمة. ويكتسي هذا التدبير (تقول اللجنة) طبيعة وقائية ولا يستند الى المعايير الجنائية المحددة في القوانين الوطنية". اكثر من ذلك، تقول "اللجنة" انه "ليس هناك ما يلزم باعتقال او محاكمة الافراد المدرجين في القائمة لمجرد ادراجهم في القائمة الموحدة من قبل اللجنة. اما اذا كانت هناك اسباب معقولة للشك في ان احد الافراد المدرجين في القائمة قد ارتكب جريمة يعاقب عليها بموجب التشريعات الوطنية، يجوز للسلطة الوطنية المختصة ان تتخذ التدابير المناسبة للسماح بدخول الشخص المدرج في القائمة الى الاراضي الوطنية او مروره عبرها لضمان الوفاء بمقتضيات قضية قانونية ما".
            وكأنما  مجلس الامن، واستباقا منه لاي تسييس  يمكن ان يحدث في ملف احد المتهمين،  وبقصد حماية اللجنة من سيطرة احد  الدول عليها، ومنعا لاستغلال اي دولة لحالة المتهم بهدف "المتاجرة السياسية على حسابه، قد وضع الضمانات القانونية لحمايته. وفحوى هذه الضمانات انه يمنع منعا باتا ملاحقة المدرج اسمه في اللائحة جزائيا ويكتفى بالتدابير الثلاث فقط، ولا يحق للدولة التي يقيم فيها المدرج اسمه على لائحة اللجنة ان ترحله على خلفية ادراج اسمه على اللائحة.
            واذا  ما أسقطنا هذه الحتميات القانونية على  حالة الدكتور مثنى الضاري، نقول انه  لا يحق لاي دولة ان تلاحقه جزائيا بسبب ادراج اسمه على  لائحة لجنة القرار 1267،  كما لا يحق للدولة التي يقيم فيها ان ترحله  الى دولة اخرى.
            لكن هل يحق للدولة التي يقيم فيها المدرج اسمه على لائحة لجنة القرار 1267 ان تمتنع  حتى عن تنفيذ أوامر اللجنة فترفض  تجميد امواله واصوله المالية، وترفض  منعه عن السفر؟
         3. مثنى  الضاري ومظلة الاتفاقية  العربية لمكافحة  الارهاب واتفاقيات  دولية اخرى
      في  هذا العنوان ننطلق من فرضية  ان القرار 1267 والقرارات المكملة له هي قرارات مشروعة واصدرها المجلس ضمن  اطار الصلاحيات الممنوحة له بموجب  ميثاق الامم المتحدة. لكن هل يعني ذلك ان الآليات التي تتبعها اللجنة في ادراج الافراد والكيانات المتهمة  بالتعاون مع تنظيم القاعدة هي آليات  محترمة للضمانات القانونية المنصوص  عليها في الاتفاقيات الدولية والاقليمية،  خصوصا الاتفاقيات الدولية الراعية  لحقوق الانسان والاتفاقيات الاقليمية  لمكافحة الارهاب؟
      الاجابة على هذا السؤال تتطلب منا تحديد  الآليات التي تدرج من خلالها لجنة القرار 1267 الاشخاص والكيانات في قائمتها. فما هي هذه الاليات؟
      تعرض  اللجنة الاطار القانوني لذلك، بقولها: "تقدم الدول الاعضاء بيانا تفصيليا  بالاسباب الداعمة للادراج المقترح  يبيـّن مبررات الادراج بالاستناد الى القرارات ذات الصلة. وينبغي ان يشتمل بيان الاسباب على اكبر قدر ممكن من التفاصيل بشأن مبررات طلب الادراج المشار اليه اعلاه، بما في ذلك: 1) قرائن محددة تبين الارتباط او الانشطة المزعومة و 2) طبيعة القرائن او الوثائق الداعمة المذكورة }من قبيل المعلومات الاستخبارية والمستمدة من اجهزة انفاذ القانون والجهات القضائية ووسائل الاعلام واعترافات الاشخاص المعنيين، الى اخر ذلك{ و3) الادلة او الوثائق الداعمة التي يمكن تقديمها". وتقول اللجنة ان الاسباب التي تقدمها الدول لطلب ادراج احد الافراد في قائمتها هي معلومات "سرية".
      يبدو  واضحا من الآليات التي عرضتها اللجنة ان هناك طرفا مدعيا يقدم مرافعته  دون ان يعطى المتهم اي قناة قانونية  فعلية للدفاع عن نفسه، فحتى أمانة "المظالم" التي نص عليها القرار 1904، ليس لها اي مفعول حقيقي. اضافة الى ذلك، فما تقدمه الدول  من اسباب للادراج في القائمة غير  مبني على احكام قضائية، لا بل يكفي ان تفبرك احد اجهزة الاستخبارات  فيلما ضد احد الاشخاص لادراجه  في قائمة القاعدة وطالبان. وهذا مخالف  لأبسط قواعد القانون الدولي لحقوق  الانسان، والتي يأتي على رأسها  الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. فالمادة 3 من هذا العهد تنص حرفيا  على انه "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد: أ) بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لاي شخص انتهكت حقوقه او حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن اشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية".
      اما بخصوص التدابير التي نص مجلس الامن  على وجوب انزالها بحق الافراد  او الكيانات المدرجة في قائمة اللجنة،  فمن حق اي دولة ان ترفض الالتزام بها  والرضوخ اليها. بمعنى انه يمكن لاي دولة رفض تجميد اموال المدرج اسماؤهم او منعهم من السفر، وتكون  هذه الدولة مسلحة بالمادة 12 من العهد  الدولي المشار اليه والتي تنص على  انه "لكل فرد حرية مغادرة اي بلد  بما في ذلك بلده"، وانه "لا يجوز (لاي دولة) تقييد الحقوق المذكورة اعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص  عليها القانون".
      اذا،  الحد الفاصل الذي يلغي هذه الحقوق هو ما ينص عليه القانون، وبهذا المعنى فقررات مجلس الامن ليست قوانين وليست  من مصادر القانون، اما القانون  فهو ما يصدر عن السلطة التشريعية  في البلد، او ما ينشأ عن الاتفاقيات الدولية  التي تصدق عليها الدول ايضا.
      واذا  ما أسقطنا هذا المنطق القانوني على حالة الدكتور مثنى الضاري ايضا، نقول انه يحق للدولة التي يتواجد فيها ان تسمح له بالخروج ويتوجب على الدول الاخرى السماح له بالدخول الى اراضيها ايضا، طالما ان التدابير الصادرة عن اللجنة هي غير صادرة بحقيقتها عن اتفاقية دولية.
      وهو المنطق الذي انفردت سوريا بالافصاح عنه، وذلك عندما سألتها اللجنة عن كيفية  تجميد الاموال والعائدات المالية  للاشخاص المتعاونين مع تنظيم القاعدة، فكان الرد السوري على الشكل التالي:
      "يتم  تجميد الاموال او مصادرتها  في سوريا استنادا الى ما  يلي:
         1. استنادا الى احكام قضائية صادرة عن المحاكم المختصة وفق القوانين والانظمة السورية وبالتالي تكون تنفيذا لاحكام قضائية.
         2. عن طريق الحجز الاحتياطي بعد اجراء عمليات تحقيق من قبل جهات تفتيش.
         3. للحاكم او نائبه ان يصدر أوامر كتابية بالاستيلاء على اي منقول او عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليه بناء على طلب الخارجية وتنفيذا للاتفاقيات الدولية وبناء على اقتراح وزارة الخارجية.
      وهكذا أرادت سوريا ان تقول للجنة القرار 1267 انها غير خاضعة للمعايير التي تفرض على اللجنة من قبل دول تريد ان تصفي حساباتها مع بعض الاشخاص، فتجميد اموالهم لا يكون بطلب اللجنة او مجلس الامن وانما بناء على احكام  قضائية سورية او بناء على اتفاقيات دولية سوريا طرف فيها.
      وهذا  يعني انه لو كان  الدكتور الضاري مقيما  في سوريا، لامتنعت  السلطات السورية  عن تطبيق مطالب  اللجنة بتجميد امواله او منعه من السفر. ومثل الامر يحق لاي  دولة متواجد فيها مثنى الضاري ان تفعله. ولا تكون بذلك مخالفة للقواني الدولية.
      كل  ما سبق من سرد وتحليل، انما بنيناه على فرضية ان الدكتور مثنى الضاري (كنموذج وليس على سبيل الحصر)، هو مواطن عراقي عادي، وان التهمة التي الصقت فيه، قد تكون صحيحة وقد  لا تكون. لكن الامر بكل تفاصيله  ومندرجاته القانونية يختلف، عندما  يكون الحديث عن مثنى الضاري، أحد  القادة السياسيين للمقاومة العراقية،  فضلا عن انه ابن الممثل الشرعي للمقاومة العراقية، وبالتالي الممثل الشرعي والوحيد  للشعب العراقي وقواه الوطنية  الرافضة للاحتلال والعملية السياسية الناجمة عن الاحتلال، وذلك استنادا  الى مبادئ وقواعد القانون الدولي التي تقر وتعترف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، والتي تمنح من يقود هذا  الحق حصانة ترفع اولا بوجه الاحتلال.
      وبهذه المعاني، فالدكتور مثنى الضاري يمتلك  حصانة دولية اولا وحصانة عربية  ثانيا، فالاتفاقية العربية لمكافحة  الارهاب الموقعة من قبل كل الدول  العربية عام 1998، وفي اولى موادها،  وفي سياق تعريفها للارهاب، تميز بين  الارهاب والمقاومة. فبعد ان تعرف المادة الاولى من الاتفاقية الارهاب، تليها  المادة الثانية لتقول بأنه "لا تعد جريمة، حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الاجنبي والعدوان من اجل التحرر وتقرير المصير، وفقا لمبادئ القانون الدولي".
      لكن ماذا يعني ان الاتفاقية العربية لمكافحة  الارهاب، قد شرعت او أكدت شرعية المقاومتين السياسية والعسكرية؟
      يعني  ان الدول العربية الموقعة على  هذه الاتفاقية، ملزمة بعدم تطبيق  كل المواد التي تحتويها الاتفاقية  والخاصة بالارهابيين، على المقاومين. وهو ما يعني  ان البنود والمواد  التي تتضمنها الاتفاقية والمتعلقة  بتجميد اموال وتسليم وتوقيف ومحاكمة  الارهابيين والمشتركين والمتعاونين  معهم، هي بنود لا يمكن ان تشمل المقاومين  للاحتلال والعدوان. وبالتالي، فإن  اي مطالبة دولية لهذه الدول بإتخاذ اجراءات ضد المقاومين، يجب ان تدفع كل الدول العربية لرفضها، احتراما  والتزاما للاتفاقية الموقعة بين  الدول العربية وهي الاتفاقية  العربية لمكافحة الارهاب.
      وان اسقاط هذا السياق القانوني على حالة الدكتور مثنى الضاري،  انما يقود الى حقيقة  انه على الدول  العربية رفض اتهامه بدعم الارهاب والمطالبة  بالادلة القاطعة  التي تثبت باليقين  قيام الدكتور الضاري فعليا بتمويل يعض  المجموعات العنقودية  المتحدرة من أصل القاعدة. وبالتالي اذا فشلت لجنة القرار 1267 في تقديم  هذه الادلة او ادعت انها سرية، فهذا يعفي كل الدول العربية  من التزامات تجميد  اموال الضاري ومنعه  من السفر.
      ليس هذا فحسب، بل يحق  للدكتور الضاري ان يتنقل بين الدول  العربية بل وبين الدول  الاسلامية ايضا،  ذلك ان اتفاقية  منظمة المؤتمر  الاسلامي سارت على  نهج الاتفاقية  العربية، فميزت بين  الارهاب والكفاح  المسلح المشروع بوجه الاحتلال والعدوان.
      وهذا  ما فعلته سوريا بالضبط. فسوريا المتهمة  من الولايات المتحدة بدعم الارهاب  وايواء الارهابيين، عندما سألتها اللجنة عما اذا كان ينشط في الاراضي  السورية جماعات تنتمي لتنظيم القاعدة  او تتعاون معه، كان الجواب السوري بالنفي المطلق.
      وامام هذا النفي، لم تستطع اللجنة ان تقدم لسوريا أدلة بوجود مثل هذه الجماعات،  لأن سوريا سترد بشكل مباشر انهم جماعات مقاومة وليسوا جماعات من جنس  القاعدة، وستكون حجتها انها ونتيجة التزامها بالاتفاقية العربية وبقواعد  القانون الدولي، لا يمكن اتخاذ  اي اجراء بحق تلك الجماعات.
      فهل ستجرأ باقي الدول العربية، المعترفة أصلا بالقرار 1267 وبكل قرارات مجلس الامن  ذات الصلة بالقاعدة وطالبان والارهاب،  لتقول ان الدكتور مثنى حارث الضاري هو من صميم حركة المقاومة الوطنية في العراق ورموزها الكبار، وبالتالي نحتاج الى دليل قانوني لا يتسرب  اليه الشك، حتى نقوم بالتزاماتنا  الدولية بحقه؟
      يفترض ان تفعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق