السبت، 3 أبريل 2010

المشترك في العمل الإعلامي المسيحى الاسلامى


سامح فوزي
 في إطار الحديث عن أزمة موقع "إسلام أون لاين" تبلورت أفكار كثيرة، من بينها أهمية وجود تمويل محلي لمواقع إلكترونية تبعث علي التسامح، والتعايش، والتفكير الوسطي. الفكرة تحتاج إلي مزيد من الطرح والمعالجة. في السوق الدينية هناك مئات المنابر الإعلامية التي تحض إما علي الكراهية، أو في أحسن الأحوال تتبني موقفا محافظا تجاه المختلفين في الدين أو المذهب.
ويظل السؤال مطروحا: لماذا لا توجد منابر إعلامية مشتركة تحض علي المواطنة، وقبول الآخر، والتنوع، وتسعي إلي تعميق التعارف الإنساني والوجداني بين الذات والآخر؟
 في تجربة "إسلام أون لاين"، الفكرة والسواعد كانت مصرية، أما رأس المال فهو قطري مما جعل من اليسير محاصرة التجربة، والتخلص من العاملين فيها، وإعادة توجيه الدفة الفكرية للموقع في اتجاه السلفية والتشدد، علي الأقل هذا ما يخشي منه في الوقت الراهن... فإذا كان لهذه التجربة حضانة مالية مصرية، فإن إمكانية بقائها واستمرارها لن يتعرض إلي هزات عنيفة.
من هذا المنطلق، واستنادا إلي الدروس المستفادة من هذه الخبرة الإعلامية الجادة، يمكن القول أن مستقبل التعايش في مصر بات رهنا بإيجاد منابر إعلامية مشتركة، إسلامية ومسيحية، تبث رسالة واحدة هي التعارف والتعايش. ليس من باب الحديث الاحتفالي عما يسمي بالوحدة الوطنية، ولكن من قبيل التصدي الجاد، والمهني للقضايا المتعلقة بالشأن الديني، سواء تلك المتعلقة بالمسلمين أو المسيحيين علي حدة، أو تلك التي تتصل بالعلاقة المباشرة بين الجانبين. لماذا لا تنشأ قناة فضائية مشتركة، وموقع الكتروني مشترك، وصحيفة مشتركة؟ المسألة ليست صعبة، ويمكن حال قيامها أن تشكل تجربة مهنية فريدة.

المطلوب تمويل من رجال أعمال غيورين في شكل وديعة بنكية. يعقبها تشكيل مجلس من المثقفين الوطنيين، يضعون خطوطا عامة للعمل الإعلامي المشترك، وميثاقًا أخلاقيا، مثل النص صراحة علي عدم تسييس الرسالة الإعلامية، والتعرض للمشكلات والقضايا بشكل يقدم وجهات النظر المتنوعة، واستضافة الشخصيات التي تبعث علي المواطنة، وتحول دون الشقاق الطائفي، وهكذا يتم إرساء أسس إعلامية للتعامل مع الشأن الديني في سياق من الرغبة في دعم التعايش من ناحية، والصراحة والموضوعية من ناحية أخري.
العمل المشترك في المجال الإعلامي يعطي نموذجا لأهمية العمل المشترك علي كافة الأصعدة، والتلاقي في تطوير رسالة إعلامية يقدم النموذج لإمكانية تحقيق ذلك في شتي المجالات... القضية متشابكة. وأهم ما فيها هو خلق ما يعرف بالاتجاه العام أو الجسد المجتمعي الواحد، وبمرور الوقت سوف تصبح هذه المنابر الإعلامية المشتركة لها الغلبة، وتتواري الأصوات التي تريد أن تغرد طائفيا، ويصبح المنبر المشترك هو الملجأ لكل الأصوات، والمصدر المعتمد للباحثين عن المعلومة، الخبر، الثقافة، الوعي.
مرة أخري نؤكد علي أهمية العمل المشترك في بناء الوعي المشترك، والمجتمعات التي تقدمت ، وحققت التجانس والتلاحم بين أعضائها تلاقت معا في جسد واحد مشترك، يجمع أكثر ما يفرق، ويقدم دائما القدوة والأمل في أهمية التلاقي المشترك.
بالطبع المشروع الذي أدعو إليه لن يكون خاليا من المشاكل، ولن يمضي دون منغصات، أهمها الاختلاف في لحظات الأزمات الحادة، ولكن مع توالي الاختلاف، ثم النقاش، وصولا إلي اتفاق سوف ترسي السوابق، وتتعمق الأفكار، ونجد أنفسنا في النهاية نسير علي أرضية صلبة، وليس مثل سيزيف الذي حكمت عليه الآلهة في الأسطورة أن يصعد حاملا حجرا إلي قمة الجبل، وكلما بلغ قمة الجبل تهاوي الحجر من يديه، وهكذا حتي قضي نحبه.
أظن أنه من الأفضل أن نكون ممن يراكمون الأحجار لبناء المبني المشترك، بدلا من أن تتهاوي الأحجار المنفردة فوق رءوسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق