السبت، 3 أبريل 2010

فوضى ما قبل التغيير والإصلاح


ا.د. محمد اسحق الريفي
 لا جدال حول التغيير من حيث الضرورة والحتمية، فالتغيير قادم شئنا أم أبينا، ولكن هناك جدل كبير حول نوع التغيير وكيفية تحقيقه، وحول المحطات التي سيمر فيها قبل أن يصل إلى غايته المجهولة.  ولذلك فإما أن يقودنا التغيير إلى الصراعات والمتاهات، وإما أن نقوده إلى الوجهة التي تحفظ وجود أمتنا، وهذا يستوجب علينا جميعاً الخروج من حالة الفوضى السائدة وإعطاء أولوية أكبر لمقومات التغيير المنشود.
 وتتمثل فوضى ما قبل التغيير في الفراغ القيادي والثقافي، فلا توجد جهة محددة تقود هذا التغيير وتضطلع به، وتواكب الأحداث والتغيرات العالمية، وتواجه التحديات التي تهدد وجود أمتنا، خاصة التحدي الذي يفرضه عليها المشروع الغربي–الصهيوني (إسرائيل).  وتتمثل الفوضى أيضاً في غياب إستراتيجية رسمية أو شعبية للتغيير، وفق خطط ومراحل واضحة المعالم، وفي اختلاف الرؤى بين القوى السياسية الفاعلة في المجتمعات العربية حول نوع التغيير، بسبب الانقسامات العميقة التي الشعب العربي.
 ومن أهم إرهاصات التغيير التحسن الملحوظ في الوعي السياسي لدى أبناء أمتنا، نتيجة عن الانفتاح بين الدول والشعوب في عصر العولمة؛ عبر الفضائيات، والإنترنت، والصحافة الإلكترونية، والإعلام بكل أنواعه.  وترسيخ الوعي السياسي بخطر (إسرائيل) يعد من أهم مقومات التغيير؛ لما له من دور مهم في يقظة الرأي العام العربي، وفي تحوله إلى رأي عام ضاغط ومتفاعل مع الأحداث وقضايا أمتنا المصيرية، ولا سيما قضية فلسطين، وقضية التمسك بحقنا في مقاومة الاحتلال والغزو والعدوان، ورفض الخضوع للهيمنة الصهيوأمريكية، التي يطمع الأمريكيون والصهاينة في تحقيقها؛ عبر ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير.  وهناك سقوط لنظريات وأوهام شتت الرأي العام العربي لعقود عديدة، وهمشت قضية فلسطين، وأدت إلى تقهقر أمتنا إلى أسفل السافلين، حيث الفساد المستشري في كل مجالات الحياة؛ في الحكم، والتعليم المدرسي والجامعي، والصحة، والإدارة، والاقتصاد، والبيئة... الخ.
 ومن أهم مقومات التغيير، وشرط أساس لتحقيقه، تحرير الإرادة السياسية لأمتنا العربية من الهيمنة الغربية والتبعية لواشنطن.  فإرادتنا السياسية اغتصبها النظام الرسمي العربي، الذي ارتهن بقاؤه في السلطة لدى واشنطن بالمحافظة على أمن الكيان الصهيوني، الذي ما هو إلا قاعدة عسكرية متقدمة للأمريكيين والغربيين، وما ترتب على هذا من قمع للشعب العربي، ومصادرة لحريته وكرامته، بذريعة العجز الرسمي العربي في مواجهة الكيان الصهيوني، أو بذريعة الخوف من وصول ما يسمى بحركات الإسلام السياسي إلى السلطة، أو بأية ذرائع أخرى لا تهدف إلا إلى تبرير السلوك الرسمي العربي المشين.
 ولا يمكن تحرير الإرادة السياسية لأمتنا العربية قبل إنهاء حالة الاستبداد التي يخيم شبحها المخيف على الدول العربية، ولا يمكن أن تتحقق كرامة المواطن العربي واحترام إرادته، مهما كان منعماً ومترفاً وحراً في السفر والتنقل والإسراف، كما في بعض الدول الغنية، دون أن تنتهي هذه الحالة المزرية من الاستبداد والاستهتار بحقوق الإنسان ومصالح الأمة...
 ولا مجال للإصلاح دون تغيير، والتغيير يجب أن يطال كل الأنظمة الرسمية العربية دون استثناء، فهي مصدر الفساد، وسبب التخلف، ورافد أساس للمشروع الغربي–الصهيوني.  ولا أقول إن تلك الأنظمة عاجزة عن حماية مصالح أمتنا ومواجهة الكيان الصهيوني، ولكن أقول إن معظمها متواطئة مع الأمريكيين والصهاينة، ورافضة لخيار المقاومة، وحاضنة لفريق التسوية السياسية الاستسلامية.
 كما أن التطور العلمي والتكنولوجي والاقتصادي لا يمكن أن يتحقق في ظل الاستبداد الذي تكتوي بناره أمتنا، فلا قيمة لهذا التطور ما دامت أرادتنا السياسية مغتصبة للأمريكيين والصهاينة عبر أنظمة الحكم المستبدة والمنبطحة...
 إن عالمنا العربي لا يزال يفتقر إلى أهم مقومات التغيير، ويدل على ذلك فشل العالم العربي في استقبال التغيير الجوهري الذي تجلى في فلسطين في السنوات الماضية، حيث صعد التيار الإسلامي، واستطاعت حركة حماس منع تصفية قضية فلسطين والحؤول دون نجاح التسوية في الوصول إلى تطبيع شامل بين الكيان الصهيوني والعالم العربي.
 إن التغيير يحتاج إلى رواد؛ يوحدون الأمة، ويضعون حداً للفوضى الهدامة المنتشرة في مجتمعاتنا، والتي وحدها كفيلة بإحباط كل مشاريع التغيير، ويخضعون الأنظمة لإرادة أغلبية الشعب، وهي أغلبية موجودة وواضحة التوجه والإرادة، وسيأتي اليوم الذي تأخذ هذه الأغلبية بزمام الحكم والسلطة، ليس حباً فيهما، ولكن لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ولأن الإصلاح لا يتحقق إلا من خلال سلطة صالحة، فالإصلاح نقيض الفساد والاستبداد، ولا قيمة لتغيير دون إصلاح.
 التغيير قادم لا محالة، فهل نحن مستعدون لاستقباله وقيادته، أم أنه سيقودنا بسبب تعويلنا على عوامل خارجية لإنقاذ أنفسنا مما نحن فيه من فساد وعجز وانحطاط؟!

2/4/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق