السبت، 10 أبريل 2010

تناطح ساسة


د. هاني العقاد
المبارزة الحالية بين قطبي الحكم في كل من تل أبيب و واشنطن  تذكرنا إلى حد قريب بنظرية التناطح  التي تحدث بين كثير من ذوات القرون, فغالبا ما تحدث المبارزة بين الفحول أو الكباش على مراكز السيادة في الأرض أو على زعامة القطيع أو الفوز بأحدي الإناث التي لا تعجب إلا بالقوي, ونظرية التناطح البشري في السياسية تعني تنافر أصحاب المصالح والتناطح لخدمة المصلحة الأهم حسب تعليل كل طرف وهذا التناطح لا يكون بالرؤوس و إنما بالكلمات والعبارات و التصريحات و المواقف , وهذاما حدث بالبيت الأبيض خلال زيارة نتنياهو الأخيرة إلى أمريكا ويبدو أنه قد تلقي
 
اهانة قوية خرج على أثرها صامتا لا يرغب في مناطقه أحد من الصحفيين ولا الإدلاء بأي تصريح كما تعودنا في بروتوكول البيت الأبيض. استمر التناطح بين الطرفين عن بعد وعبر مستشارين وغالبا ما كان اوباما هو صاحب الضربات الأقوى بسبب قوة موقفه وبسبب قوة ومركزية بلادة , لكن نتنياهو لم يجروء بعد على الاستنجاد بحلفاء داخل مؤسسات السياسة الأمريكية  مثل اللوبي الصهيوني ومجلس الشيوخ  ,  على الأقل  بشكل علني ,ولان حدث هذا فانه سيكون بشكل سري دون أن يعلم به أحد .   لقد ولدت نظرية التناطح إفرازات لم تظهر من قبل على مستوي العلاقات بين إسرائيل وواشنطن  و
 
بدأ الكثير يتحدث عن تدهور خطير في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن على أثر عدم قناعة إسرائيل وحكومتها المتطرفة بوجهة نظر سيد البيت الأبيض للسلام في المنطقة  والتي من شأنها حفظ  مصالح أمريكا غير متضررة وعدم استثارة أي مقاومة أيدلوجية ضد قواتها في العراق  وأفغانستان ,إلا أن نتنياهو الحاكم المتطرف ,الاستيطاني القاتل مصر على فكرة ألا سلام و ألا استقرار اسرائيلى بالمنطقة وهذا من شأنه أن يبقي  وتيرة العنف في ازدياد وعلى كافة الجبهات و ستنضم جهات أيدلوجية وقومية أخري للنزاع في ظل استمرار سياسة التهويد لخلق حقائق على الأرض العربية يستحيل
 
معها بحث أي قضيه من  قضايا الحل النهائي ويستحيل معها حل الصراع نهائيا بالطريقة التي تفكر فيها إسرائيل  في الوقت الحالي بطريق سلمي . مع هذا تتحدث التقارير الواردة من هنا وهناك والتحليلات التي تعتمد في مجملها على قوة العلاقة الإستراتيجية بين الحكومتين بغض النظر عن طبيعة الحكم لان العلاقة بين تل أبيب وواشنطن علاقة مؤسسات وليست علاقة ساسة وهي في الغالب علاقة تشابه في التكوين اليهودي لدولة إسرائيل والتكوين الأمريكي لأمريكا  فكلتا الدولتين قامتا بشعوب مرتحلة و شعوب يجمعها الفكر العنصري , لهذا فأن واشنطن يعنيها بقاء إسرائيل  في حالة
 
قوة وحالة من التفوق العسكري والتكنولوجي إلى جانب التفوق الاقتصادي. قد يفكر المتابع العربي للحظة أن سيد البيت الأبيض منزعج من نتنياهو وسياسته الضارة بالمنطقة وهذا صحيح  وهذا واضح من خلال التناطح , لكن ليس أكثر من انزعاج , أما إن  فكر أحد أن اوباما سيحاول استصدرا قرار من الأمم المتحدة بالتوافق مع الصين لفرض عقوبات على إسرائيل قد تكون في مجملها عقوبات عسكرية واقتصادية فهذا تفكير خاطئ ولو أن  وجهة النظر تري قبول زيادة درجة العقوبات المفروضة على إيران مقابل فرض عقوبات على إسرائيل وهذا يأتي من باب التلميح والتهديد الإعلامي فقط , أما
 
الاعتقاد القائل أن أمريكا وسيدها تحاول إسقاط نتنياهو وتغير الخارطة السياسية بإسرائيل عبر إدخال كاد يما إلى مربع الحكومة  وبالأخص أن كاد يما هو الحزب الأكثر شعبية في إسرائيل والذي يعتبر السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن أن يتحقق عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهذا يتوافق مع الرؤيا الأمريكية للحل النهائي وهذا الاعتقاد قد يكون الأصوب في معادلة التناطح  الحادثة الآن . لكن يبدوا أن هذا قد يكون أسهل الطرق لاحتواء الأزمة بين تل أبيب وواشنطن قبل سقوط أحد من المتناطحين نتنياهو أو اوباما لان نتنياهو بات يعرف أن  حكومته
 
الائتلافية , حكومة لا يوجد بها عقول صاحبة فكر ومعظم أقطابها عجول بلا عقول  كاليبرمان الذي لا يملك من الدبلوماسية أي شيء وهو الذي يساهم الآن في عزل إسرائيل عن العالم  من خلال تصريحاته اللاواعية واللا منطقية . إلى حين حدوث هذا فان  نتنياهو يلعب الآن على عامل الوقت وهو المهدد الحقيقي لمشاريع البيت الأبيض السلمية في المنطقة لان الأربع سنوات التي أتيحت لاوباما  قد لا تتكرر وخاصة أنه وعد الكثير من الوعود في بداية ولا يته  ولم يحقق منها شيء وقد يلعب اللوبي الصهيوني والايباك أيضا على إضعاف اوباما أمام جماهيره وإغلاق الطريق أمام حصوله على
 
فترة رئاسية أخري حتى لا يبقي ضاغطا على الاتجاه اليميني في إسرائيل إلى أن تصبح إسرائيل اليهودية الكبرى . قد لا يكون الصمت الأمريكي اليوم في صالح سمعة أمريكا قبل أن تسرع الأخيرة إما  بزيادة الضغط على حكومة التطرف العنصرية بتل أبيب للتوقف عن مجابهتها خطط السلام بالمنطقة وعبر تنفيذ مخططات التهويد والاستيطان بالقدس والمناطق التي تمثل مفتاح الحل مع الجانب الفلسطيني, وقد لا يكون في مصلحة البيت الأبيض أيضا أن تفكر في فرض عقوبات على إسرائيل من خلال قرارات أممية, لكن تستطيع الولايات المتحدة أن تحجم أي سلوك إسرائيلي عبر  تفعيل جبهات
 
تعارض هذا  السلوك  على مستوي الأروقة والهيئات الأممية وبالتالي يكون باتجاه كبح جماح إسرائيل وإسقاط حكومة نتنياهو عبر الهيئات الدولية من خلال فرض سلام عبر الهيئات الدولية أو من خلال محاولة أخيرة مع إسرائيل عبر مبادرة سلام من صناعة أمريكية تأخذ بالاعتبار المبادرات والخطط السابقة, وهنا يبقي أمام إسرائيل خياران لا ثالث لهما , أما أن تجاري المجتمع الدولي و تتخلى عن تطرفها وتقبل برؤية السلام العالمي والدولة الفلسطينية على كافة أراضي العام 1967 بما فيها القدس أو تبقي تعارض الخطوات بالكامل وتتشبث بمواقفها المتطرفة  وتسقط نظرية
 
التعايش السلمي , وما نخشاه أن تبادر إسرائيل إلى اللجوء إلى خيارها المعتاد لحل  أزماتها السياسية مع المجتمع الدولي و إدخال المنطقة في مرحلة من التغير الجغرافي عبر مفاجأة العالم عبر ضرب إيران أو افتعال حرب حمقاء في المنطقة وخاصة أن إسرائيل تتحجج بالتهديد الأيدلوجي من قبل الفلسطينيين و اللبنانيين على حد سواء وحينها سينشغل العالم بإجراءات وقف الحرب والتخفيف من تداعياتها زمنا طويلا و قد لا تنسحب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها إلا بمبادرات سياسية مرحلية تجعل من حلولها أولويات قبل الحل النهائي وقضايا التفاوض مع
 
الفلسطينيين علي الوضع النهائي للدولة الفلسطينية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق