الأربعاء، 3 فبراير 2010

رئيس وزراء فلسطين في مؤتمر للأمن القومي الإسرائيلي!!


ياسر الزعاترة
هي المرة الأولى التي يشارك فيها مسؤول فلسطيني في مؤتمر هرتسيليا السنوي الذي يعني بالقضايا الإستراتيجية التي تهم الأمن القومي الإسرائيلي ، وهو كما يعلم المعنيون المؤتمر الأكثر أهمية من حيث المشاركين والقضايا التي يطرحها.
للوهلة الأولى يبدو الأمر عاديا ، فالمؤتمر يعنى بالأمن القومي الإسرائيلي ، والملف الفلسطيني هو الأكثر أهمية على هذا الصعيد ، كان ولا يزال ، ثم إن الرجل لن يقول إلا ما يردده زعيمه حول ضرورة الحل الشامل والعادل للصراع بإقامة دولة فلسطين على الأراضي المحتلة عام 67 بما في ذلك القدس الشرقية (دعك هنا من الشيطان الذي يعشش في التفاصيل المتعلقة بتلك الدولة).
على أن مزيدا من التدقيق في المسألة سيؤكد أن الأمر ليس عاديا بحال ، لا سيما أنه يحدث للمرة الأولى ، أكان من حيث الدعوة أم من حيث المشاركة ، ما يشير إلى نظرة القوم إلى الرجل الذي يعتبرونه كما يبدو جزءًا من أمنهم القومي ، وهو لذلك يستحق أن يستمعوا إليه ويمنحوه منصة للحديث إلى جماهيرهم ، من دون الإحساس بأي خطر ، لا سيما أنه لن يهددهم بانتفاضة ثالثة ولا بأي شكل من أشكال العنف المزعج لهم ، حتى لو مارسوا هم أشكالا لا حصر لها من العنف ضد الفلسطينيين.
دليل السابقة الخطيرة لرئيس الوزراء هو الاستنكار الذي ووجهت به من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (دعك من استنكار حماس المتوقع) ، وهي الجبهة التي تتحالف عمليا مع فتح والسلطة ، وربما كان لفياض شخصيا دالة عليها ، وعلى آخرين بالطبع ، لا سيما أنه خازن المال الذي تذلّ له الرقاب ، تحديدا رقاب تلك المجموعات التي صارت عمليا جزءًا من السلطة ومؤسساتها ، وإن سعت إلى الإيحاء بالاستقلال بمواقفها.
فياض في المؤتمر قال ذات الكلام الذي يقوله رئيسه ، مضيفا بعض النكهات التي تخص طبيعة المؤتمر ، مثل قوله "نحن ندرك الاحتياجات الأمنية لإسرائيل ، ولكننا نحتاج أيضا إلى الأمن".
لن نكرر هنا تلك الأسئلة التي طرحها ممثل الجبهة الشعبية في سياق تنديده بمشاركة فياض ، مثل قوله "من يمثل في مشاركته هذه؟ ، وأين اللجنة التنفيذية من هذه الممارسات السيئة ، إلى غير ذلك ، لكننا نتساءل عن سر هذه العلاقة الخاصة بين الإسرائيليين وبين رئيس وزراء الدولة الفلسطينية العتيدة "دولة الأمر الواقع" التي ستقوم خلال عامين كما وعد.
قبل انتفاضة الأقصى لم يكن الفلسطينيون يعرفون شيئا عن سلام فياض (مواليد )52 ، فهو درس في الخارج طوال الوقت ، وبدأ عمله مع البنك الدولي منذ العام 1987 ، وعندما عاد إلى فلسطين عام 95 ، لم يعد مناضلا (كان المناضلون قد تحولوا وقتها إلى موظفين في السلطة) ، بل عاد من أجل المراقبة على أولئك المناضلين كي لا يأخذهم الحنين إلى أيام النضال الأولى نحو ممارسات تزعج "الشريك الإسرائيلي" ، حيث عمل ممثلا لصندوق النقد الدولي في القدس من أجل الإشراف على الإصلاحات المالية للسلطة ، والإصلاحات المالية تعني في واقع الحال الحيلولة دون تدفق بعض المال إلى المقاومة.
في العام 2002 ، وفي ذروة الغضب الأمريكي الإسرائيلي على ياسر عرفات رحمه الله فُرض الرجل وزيرا لمالية السلطة ، في ذات الوقت الذي فُرض رئيسه الحالي رئيسا للوزراء ، فيما تصاعدت الضغوط على عرفات من أجل منحه صلاحيات أكبر تؤخذ من صلاحياته ، ودائما بقوة الدبابات التي تحيط بالمقاطعة في رام الله ، ومعها سطوة الضغوط الخارجية.
منذ ذلك الحين تبدى الدور الذي جيء بسلام فياض لكي يلعبه في مسار القضية ، وهو دور يكمّل دور الذين جيء به معهم ، وتمكنوا من وراثة ياسر عرفات بعد قتله ، ودائما بسطوة الخارج ، ومن ضمنه هذه المرة دول عربية مهمة تتصدرها الشقيقة الكبرى. وعندما أجريت الانتخابات عام 2006 ، شارك فياض بلائحة انتخابية اسمها الطريق الثالث مع حنان عشراوي فازت بمقعدين من أصل 124 في المجلس التشريعي.
سلام فياض الذي لا يؤمن البتة بالمقاومة ، ويؤمن بالتحرير من خلال بناء المؤسسات ، هو رجل المرحلة. رجل السلام الاقتصادي والدولة المؤقتة ، ولذلك كان طبيعيا أن يكون أول شخصية فلسطينية تقف أمام مؤتمر هرتسيليا المخصص للأمن القومي الإسرائيلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق