الأربعاء، 3 فبراير 2010

القدس والاستيطان


محمد أبو شريفة
تعاني القدس من جحيم الاحتلال "الإسرائيلي" منذ عدوان 1967، وعملت الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة على تنفيذ برامج تهويدية لفصل القدس عن بقية الضفة الغربية من خلال تغيير مكانتها القانونية، وتمييز وضع سكانها عن بقية سكان الضفة وتطويقها بحزام استيطاني وخنقها بجدار الفصل العنصري.
ويصب رفض رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو لكل مطالب المجتمع الدولي بوقف الاستيطان في القدس والضفة في صلب عقيدة حزب الليكود الاستيطانية التي دأب منذ وصوله إلى السلطة في "إسرائيل" في العام 1977 على دفع وتيرتها من خلال التوسع الاستيطاني على قاعدة ما تحقق في عهد حكومة «المعراخ» التي تولت السلطة منذ تأسيس الكيان الصهيوني وحتى العام 1977، فقد واصل «الليكود» سياسة فرض الوقائع الاستيطانية على الأرض سواء خلال الفترتين اللتين انفرد بالحكم فيهما (1977- 1984 و1990-1992)، أو في ظل حكومتي (1984-1990) وتجلى ذلك في مشروع نتنياهو دروبلس، رئيس دائرة الاستيطان في المنظمة الصهيونية في العام 1978، ليؤكد على النهج الليكودي في غاياته الاستيطانية، حيث أقيم في الأعوام الأربعة الأولى من حكم «الليكود» 51 مستوطنة في الضفة الغربية، أي أكثر من ضعفي عدد المستوطنات التي أقامها (المعراخ) خلال عشرة أعوام، وتبنى حزب الليكود خطة خطيرة تجاه القدس وهي خطة (تطوير القدس حتى العام 2010) وقد أعلن عنها دروبلس في العام 1984، وتهدف إلى مضاعفة عدد اليهود فيما تسمى القدس الكبرى من 330 ألفاً إلى 750 ألفاً خلال 25 عاماً، وذلك عن طريق استيطان المنطقة الممتدة من مستوطنة «بيت أيل» شمالاً إلى «غوش عتصيون» جنوباً، ومن «مفشيرت تسيون» غرباً إلى مستوطنة «متسبيه يريحو» شرقاً، وتضمنت إقامة عدد من الطرق المركزية تربط القدس بشبكة طرق ومواصلات الاحتلال.
وأكد رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو في أيار الماضي على النية "الإسرائيلية" لتهويد الحائط الغربي للمسجد الأقصى قائلاً: «سيبقى العلم "الإسرائيلي" مرفوعاً فوق الحائط الغربي، وجبل الهيكل، والأماكن المقدسة ستبقى جميعاً تحت السيادة "الإسرائيلية" للأبد». وقد أعلنت ما تسمى جمعية أمناء الهيكل في صيف هذا العام عن البدء ببناء مذبح (الهيكل) في الجهة الغربية من المسجد وذلك من حجارة البحر الميت كما جاء في الرواية التوراتية.
 وإضافة إلى ذلك تم تشجيع جماعات متطرفة على تصعيد دعواتها لمؤيديها وعموم الشارع "الإسرائيلي" المتطرف لاقتحام الأقصى بشكل جماعي وإقامة طقوس تلمودية داخل المسجد، ونشر آلاف جنود الاحتلال لحمايتهم وحرمان المصلين من الصلاة في المسجد في أوقات دخول هؤلاء المستوطنين إلى الحرم القدسي.
كما كشف مؤخراً عن حقيقة المشروع الصهيوني «القدس أولاً» الذي أعده مهندس البلدية يورام زاموتس في شباط من العام الماضي. ويتضمن 15 مشروعاً رئيسياً لتهويد المدينة، تسعة منها تستهدف المسجد الأقصى وثلاثة تخص حائط البراق وهي إعادة تأهيل ساحة البراق وبناء كنيس (نور أورشاليم) مكان المدرسة «التنكزية» الملاصقة للحائط الغربي للمسجد الأقصى شمال باب المغاربة، وإغلاق باب المغاربة نهائياً وفتح باب أسفل حائط البراق يوصل إلى مصلى البراق الموجود في الأعلى وتحويل المصلى إلى كنيس.
وقدمت الحركة الاستيطانية التهويدية «إلعاد» لبلدية القدس مخططاً يشمل بناء 104 وحدات استيطانية ومرافق عامة، في حي رأس العمود في الجزء الشرقي من المدينة المحتلة، ويهدف المخطط إلى وصل بؤرة «معاليه دايفيد»، ببؤرة «معليه زيتيم»، عبر جسر لتشكلا معاً التجمع الاستيطاني الأكبر في القدس الشرقية.
وفي حال ربط التجمعين ستنشأ في قلب حي رأس العمود الذي يضم 14 ألف فلسطيني، مستوطنة يهودية يبلغ عدد سكانها أكثر من ألف مستوطن.
وبالرغم من ذلك، فإن أفظع ما يقوم به الاحتلال "الإسرائيلي" هو تأجيج نيران العنصرية والقمع والاضطهاد بحق المقدسيين من خلال سحب بطاقة الإقامة منهم لتهجيرهم وإبعادهم عن بلدهم، وذلك تمهيداً لتطبيق مخطط استيطاني يستهدف جعل مدينة القدس «عاصمةً» ل"إسرائيل" بشكل نهائي مع حلول العام 2020.
ويسعى نتنياهو لتسريع وتيرة التهويد والأسرلة في القدس لنقل الإشكال مع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي من الخلاف على المستوطنات إلى خلاف أعمق حول مستقبل ومصير القدس، ولأنه يشعر بالقلق على مستقبل ائتلافه الحكومي من خلال اصطدامه بالمعارضة الداخلية من أحزاب اليمين الديني المتطرف في مسألة المستوطنات في الضفة، فإن نتنياهو لن يواجه مثل هذه المعارضة بخصوص القدس بسبب تأييد وإجماع كل الأحزاب الصهيونية له، إضافة إلى دعم اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ومعظم أعضاء الكونغرس الأميركي.
وبهذا يكون رئيس الحكومة "الإسرائيلية" قد نجح في تحويل معركته مع المجتمع الدولي عن موضوع المستوطنات إلى إجماع صهيوني حول مصير القدس، معتبراً أنها العاصمة الموحدة ل"إسرائيل". وضمن زحمة المشروعات الاستيطانية الليكودية لم يخفِ بعض السياسيين "الإسرائيليين" تخوفهم حيال مشروعات نتنياهو الاستيطانية الانفصالية في القدس التي ربما ستواجه –بحسب نظرهم- مصيراً مشابهاً لـ«سديروت» والمستوطنات التي كانت محيطة بغزة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق