الأربعاء، 3 فبراير 2010

القدس في انتظار صرخة الغضب


جمال سلامة
لتغدو أورشليم وليس القدس , كما إسرائيل وليس فلسطين . اقتضى المشروع القومي الصهيوني إعادة صياغتها بالعبرية شكلا ومضمونا , ونزع صفتها التاريخية وقطع صلة الرحم معها . ولم تتأخر إسرائيل كثيرا بعد احتلالها للقدس الشرقية عام 67 , أشهر قليلة , وأعلنت عن ضمها للقدس الغربية والإعلان أن القدس الموحدة عاصمتها الأبدية وستبقى . ومن يومها لم تتوان كل أجهزة الدولة ومنظماتها الإرهابية المتواجدة في داخل إسرائيل وخارجها يوما عن التوغل في إعادة صياغة وتشكيل القدس الشرقية بما يليق بيهوديتها وعبريتها دون اعتبار لمكانتها الحضارية والدينية في الوجدان العربي المسيحي والإسلامي .  وعلى مرأى من الدنيا اخذ المحتلون الصهاينة يبطشون بالمقدسيين العزل يحفرون يهدمون ويبنون ويزورون , يصادرون الأرض، ويحرقون الزيتون , يستولون على المباني وحتى على الغرف الآهلة بسكانها العرب . تحركهم  النزعة العدوانية البغيضة والعنصرية المقيتة وأسوأ أشكال التطهير العرقي  . لم يدخر أحفاد جابوتنسكي وكهانا وسعا في استخدام أبشع أساليب الإرهاب للاستيلاء على أملاك الحاضرين والغائبين من الفلسطينيين

لقد شاهد الجميع الحاجة أم كامل الكرد وزوجها المقعد وأولادها يطردون من منزلهم ومن الخيمة التي أقاموها على مقربة منه غير مرة ,  وإنشاء حي استيطاني يهودي جديد تتولاه  واحدة من أسوأ جمعيات التطرف اليهودي الاستيطاني ’العاد’ الإرهابية ، في حي رأس العمود قلب القدس الشرقية حيث يعيش 14 ألف مواطن  فلسطيني , كلهم مهددون بالطرد من منازلهم .  وكشفت -حركة السلام الآن - الإسرائيلية مؤخرا عن تدمير ما يقارب ألف منزل فلسطيني في مدينة القدس الشرقية يقطنها نحو مئتى إلف مواطن فلسطيني .وقد تم الإعلان مؤخرا عن خطة استيطانية جديدة لبناء أكثر من ستة آلاف وحدة استيطانية تكتمل في غضون أشهر , وسيتم تسليمها لقطعان المستوطنين .  وكان حي الشيخ جراح قد شهد خلال الفترة الأخيرة سلسلة من المواجهات بين المواطنين وسلطات الاحتلال كان أعنفها طرد عائلات تضم  53 فردا من منازلهم لدعم الاستيطان والمستوطنين وتجاهل حقائق ووثاق دامغة تثبت انه لا حق لليهود في هذه المنازل . ويقول رب أسرة حنون المقدسية... كنا نائمين ، ولم أسمعهم حين دخلوا البيت. فتحت عيناي، كانوا ملثمين، يلبسون الأسود , وصرخوا بي , قم، هنا إسرائيل، هذه ليست فلسطين.. . لم يكن لدي الوقت لآخذ طفلاي، بعد دقائق قليلة كنا على الرصيف أمام منزلنا، وكان كل شيء قد انتهى .  كان الطرد وحشي أغرق سكان الحي في جزع شديد ,  خمسة وعشرون منزلاً يقطن في كل منها عدة عائلات تنتظر في كل وقت إجراءات مماثلة . إن جوهر عمليات الطرد اليومي للعائلات الفلسطينية في القدس الشرقية، هو إرهاب دولة منظم بهدف الاستيطان والتهويد الكلي للقدس التي تنفذها كل الحكومات في إسرائيل  . إسرائيل ومنذ عدوانها عام 1967 وضم الجزء الشرقي إلى الغربي من القدس أطلقت الحبل لقطعانها المستوطنين بالمصادرة والضم والتهويد وطالت التراث والمقدسات  والأحياء العربية وعزلت القدس عن باقي الضفة الغربية قاطعة بذلك التواصل الجغرافي مع كافة المناطق المحيطة بها , وذلك بهدف لا تخفيه سلطات الاحتلال   وهو فرض الأمر الواقع وجعل أي تقسيم للمدينة مستحيلاً، وقطع الطريق على الفلسطينيين في مطلبهم بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم .    تحت رقابة كاميرات جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ’الشين بيت’ التي تسجل وتهدد كل نية للتضامن مع العائلات الفلسطينية المنكوبة ، يشرح صلاح , أحد سكان الشيخ جراح ...نحن نشهد نكبةً يومية. حين يلقى بالآمنين خارج بيوتهم، يعرفون أنهم لن يدخلوها أبداً بعد ذلك. الإسرائيليون يحولون القدس العتيقة إلى صورة مشابهة لما فعلوه في المدن والقرى الفلسطينية عام 1948 . ولا يقل عن ذلك الحفريات التي تهدد المسجد الأقصى وإغلاق المؤسسات الفلسطينية في المدينة .   أمام هذه الهمجية الصهيونية ، وأمام المشاهد التي تعرضها كل فضائيات العالم، عن العائلات المطرودة من منازلها، وعن العائلات اليهودية التي دخلت لتسكن مكانها، وعن العائلات التي أصبح الرصيف موطنها، وعن العائلات التي تأتي القوات الإسرائيلية لتطردها من على الرصيف، ولتمنع عنها آخر حق طبيعي لها، الحق في الاحتجاج . أمام هذه الصورة بكل هذه التفاصيل المخيفة، بدأ الضمير الغربي يتحرك , وان كان على استحياء . وعلى شكل بيان أصدره الاتحاد الأوروبي يؤكد فيه ان القدس الشرقية محتلة وجزء لا يتجزأ من الاراضي المحتلة . وان كان كذلك , لكنه صرخة سيكون لها صدى مفادها انه لم يعد الصمت ممكنا، إن ما يجري في القدس لا يمكن قبوله لا سياسيا ولا إنسانيا .   ولكننا بانتظار صرخة الغضب العربية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق