السبت، 6 فبراير 2010

رؤية زويل.. قبضة زكي


محمد طعيمة

"حتى ظننت أنه سيورثه". بهذه الروح ظل العالم أحمد زويل يُشدد ويستشهد بأمم هبت من كبوتها على كتف التعليم.
تنقل ابني بين ثلاثة أشكال منه. بدأ بمدرسة خاصة، فشلت في إقناع مالكها بأن "الشجاع الأقرع" لا يناسب "دماغ" كي جي وان. كان (عمر) يعود مُلقناً أن والده المُدخن في النار، فأضعت عليه عاماً دراسياً ليبدأ من جديد في (نور السلام) بالقناطر الخيرية، شقيقة كلية رمسيس. مدرسة عمرها تجاوز 120 عاماً وتتمتع برعاية ملكة هولندا. مستواها لا يُقارن بالمشغولة بتلقين فضائل الشجاع الأقرع، لكنها في بلدة أخرى. أنقذنا من قلق الطريق افتتاح مدرسة (فيوتيشر/ المستقبل) التجريبية المُتكاملة للغات بقليوب.. مدينتي.
نظرياً، تقف "الفيوتيشر" على قمة ما تعتبره لجنة سياسات الوطني "جودة تعليم". تجربتنا معها "معقولة" حسب "رجل الحمار" التي توفرت لها، لكنها مع نور السلام لم تحققا لـ(عمر) ما تمتع به أبوه في ابن خلدون الابتدائية. كنا ثلاثة أخوة بذات المدرسة، ما يعفي الأب من رسوم أحدنا، وعندما "أحرجنا" الناظر لتأخر مصاريف "الاثنين"، أرسل والدي برقية لمكتب الوزير.. "اتقلبت" المديرية.
لم نكن في عهد عبدالناصر. "كنا"، فقط، نستظل بـ"بقايا سيستم" لم يكتمل تآكله. "كان" في ابن خلدون مسرح صيفي/ سينما، غرف كيمياء وفيزياء وأحياء وموسيقى وتدبير منزلي.. وخاماتها، مكتبة وملاعب صغيرة.. وحصص "حقيقية" لكليهما، وجبة غذائية ورعاية صحية واجتماعية وكتب وكراسات مجانية.. وإعفاء من المصاريف "الرمزية" لمن يستحق، ومناهج تربي "مصريين" للمستقبل. مدرسون وأخصائيون مُؤهلون، ويؤمنون، كما ربتهم دولتهم وإعلامها، بأنهم يصنعون مستقبل وطنهم، وراتب حقق لهم مستوى معيشة الطبقة الوسطى.
منظومة تساوت فيها ماكينة خياطة أمي.. مع وكالة الوزارة وثروة أغنى عائلة بمديتنا، بعضهم دفع، فيما بعد، "إكرامية" لنقل ابنه من الثانوي الخاص، حيث الطلبة "البُلده"، إلى مدرستي الثانوية، التي أقسم مطمئناً أن معاملها و"مدرجاتها العلمية" الثلاثة لا تعرفها كليات علمية الآن.. وأن ملاعبها لا تتمتع بها كليات رياضية الآن. في "إحدى" حدائق قليوب الثانوية "العسكرية" كان ينتصب، إلى سنوات، التمثال الوحيد الكامل لعبدالناصر الذي عرفته مصر. اختفى التمثال مع هدمها، راحلاً مع "بقايا سيستمه"، لنرى "كتلة خرسانية" ترث اسم المدرسة.. بدون عسكرية، مُقتسمة أرض ملاعبها وحدائقها مع مدرسة إعدادية مشتركة ومحطة صرف صحي المدينة.
مع اللانظام الذي يتحكم فينا، حدثنا زويل أمام محمود سعد ومنى الشاذلي عن دول لحقت بنا وسبقتنا، أساس نهضتها.. "التعليم". له خصص مهاتير محمد 40% من ميزانية دولته.. وهي نامية. تحدث زويل عن "رعاية معنوية" من دول كتركيا والصين وكوريا لمراكز أكاديمية مضيئة علمياً، "تقطر" خلفها المنظومة التعليمية والبحثية. وبين أسئلة سعد ومنى وبين إجاباته تجددت اتهامات لـ"لانظام"، "سـيثبت" عاجلاً أو آجلاً أن مهمته التاريخية هي إعادة عقارب ما تقدمنا فيه إلى ما قبل الخمسينيات. اتهامات عُلقت 11 عاماً حول إجهاض مشروعاً علمياً التزم بتوفير مليارات الدولارات له، وشرحه تفصيلياً في كتاب (عصر العلم). على الهواء، اتصلت "وزيرة" لتطالبه، أو لـ"تُعجزه"، باستبدال مشروعه بـ"مبادرة" لإنقاذ التعليم الابتدائي. لم تطلب "رؤية"، بل "القيام بمهمة دولة".. "كانت" تبني، في ظل حرب الاستنزاف، مدرستين نموذجيتين.. كل أسبوع.
اقتراح الوزيرة فضح مجدداً "دماغ" لانظام لم يدرك وظيفته. لانظام "وكلناه" بإدارة أمورنا، فاعتبرنا "غنيمة"، تاركاً لنا حزم مشاكل أفرزتها ثلاثة عقود من حكمه.. علينا نحن حلها، وكأن دوره، فقط، "كعبلتنا"، كما إتيانه بوزير تعليم مكافأة له على "قهر" النشاط السياسي بجامعة عين شمس، ولو بإدخال بلطجية لـ"الحرم" لضرب الطلبة.
يُعبر أحمد زكي بدر بدقة عن دماغ لانظام.. لا يُفكر خارج أمنه اللحظي. لانظام غير معني بتفكك بنية الوطن التعليمية، صانعة المستقبل، بين أجنبي وخاص وديني وعام.. عادي وتجريبي ومُتكامل. ولن ينتبه، ولا يشغله، أن طريق محاصرة توظيف الدين والفقر والتخلف والمرض يبدأ بنقطة انطلاق وحيدة، تحدث عنها زويل.. رؤية شاملة تُغلف البلد، في قلبها تعليم يقطُر به "زعيم" أو "نظام" مجتمعاً لا يعرف 7% من أطفاله، الآن، التعليم "الإجباري"، ويعمل ثلاثة ملايين منهم بمهن شاقة، فوفق دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية يحتل الأطفال ٤٦.٤١% بين العاملين بورش الميكانيكا، و٢١.٣٨% فى ورش الكيماويات، و١٨.٧٣% فى ورش النسيج.
مستقبلنا يتآكل مع تفكك الدولة، كما تجلى في تضافر فوضى التعليم مع قبضة الوزير البوليسية، المهموم بترسيخ الضرب بالمدارس، ليتردى مستواها أكثر، ويتسع المجال العام أكثر لألاعيب مُوظفي الدين، ويتبادل المجتمع ومؤسسات التعليم تصدير نماذج مثل المعلمة المُنقبة التي تلقن (رناد) ابنة المعتقل السياسي مسعد أبوفجر، كي جي تو، أن اللعب مع الصبيان حرام.
أحمد حسن زويل.. أحمد زكي بدر. فيما بين دلالات الاسمين، بين "الرؤية" و"القبضة"، يكمن مأزق مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق