السبت، 6 فبراير 2010

التربية الفلسطينية في أزمة


د.هاني العقاد
تنعكس أزمات المجتمع في نهاية الأمر على التربية التي تعتمد أولا وأخيرا على فلسفة المجتمع الذي تنشا فيه , فنشأة التربية الفلسطينية قامت على العديد من الأسس الرئيسية والتي تشكل في مجملها الفلسفة العامة للمجتمع الفلسطيني , وعندما حدث الانقسام وتباعدت المسافات بين كل مركبات الشخصية الفلسطينية  بما فيها مفاهيم وأسس فلسفة المجتمع وقعت التربية الفلسطينية في أزمة , لا بل واحتدت هذه الأزمة حتى وصلت ما وصلت إليه اليوم . اليوم اعتلت التربية بشكل كبير لان المفهوم الوطني لإعداد المواطن وتربيته حدث فيه بعض التدخل الحزبي وأصبحت التربية صحيحة
 بيد فئة و خاطئة بيد الآخرين , حتى وصل الأمر لتحييد عدد كبير جدا من  الأكاديميين والتربويين والمربين عن العمل التربوي بالذات هنا في قطاع غزة، ليس بهدف تصحيح منظومة تربوية حدث اكتشاف  خلل هام في بعض أسسها التركيبة ولا لخلق واقع أفضل لمنظومة تربوية اهترأت بفعل التقليدية, بل العكس جاء هذا العمل بلا دراسة  وبلا تقدير مسبق للنتائج  ,وبلا نتائج تنعكس  ايجابيا على الأداء العام ,وإنما جاءت في إطار المناكفات السياسية التي نتجت عن الانقسام بين صفوف و قادة هذا الشعب و دمرت وحدته الوطنية مع تهديد واضح لمستقبلة السياسي و تواجده على أرضه , وجاءت
 نتيجة عدم قبول الأخر والتفاهم معه  ,وحب الاستفراد بكل شيء.
أول ما تأثر بهذا كله الفرد، لأنه اللبنة الأولى للمجتمع الفلسطيني وهو المصدر الذي يحتاجه الجميع, وتأثر الفرد هذا لا يمكن التعرف على مدي ايجابيته أو سلبيته إلا بعد فترة من الزمان لان حساب المخرجات تعطي ثباتا كلما كانت فترات احتساب مدة التأثر طويلة والعكس صحيح , وهذا ما حدث بالضبط في غزة عندما اهتزت المسيرة التربوية قبل سنتين بسبب تحريك العديد من المدراء والمعلمين إلى أماكن غير أماكنهم دون دواعي تربوية ,وإضراب الجهاز التربوي بالكامل عن العمل كعامل ضغط للتراجع عن هذه الإجراءات أو تقنينها ,واستغلال هذا لصالح طرف دون اللجوء للحوار
 والتلاقي لتحليل الجمود و تصويب الخلل الذي أوصل الأمور لحالتها الجامدة و التعامل مع المشكلة بمنهاج تربوي في إطار الفهم الواقعي للعمل التربوي والعمل النقابي معا.
مع هذا اختلت مستويات التحصيل العلمي في كثير من المراحل التعليمية  وكان أكثر الخلل في المراحل الأساسية لان طبيعة المتأثر كانت على درجة كبيرة من الحساسية , وتراجع معها الأداء العام للطالب بل واختلف كثيرا عن سابق عهده , وتأثرت باقي المستويات بنسب متفاوتة حتى وصلت للتعليم الجامعي الذي أصبح في المحصلة درجة علمية بلا فكر متخصص يتناسب واقعة مع الدرجة الممنوحة وأدائها العام  في المؤسسات المختلفة , ولم يكن الأداء العام والمخرجات المحددة تحصيلا أحسن بكثير فيما مضي قياسا مع الدول المجاورة للوطن ولكن كنا نتنافس بهدف تحقيق الأجود والأفضل
 خلال مرحلة استقر فيها واقع السياسة الفلسطينية الداخلية و سارت العلمية التربوية في مسارها الطبيعي  حتى جاءت مرحلة الانقسام و تراجعت معها المستويات التي تحدثنا عنها سابقا.  أن أزمة التربية الفلسطينية مستمرة في التفاقم ومستمرة في التعقيد  طالما استمر الانقسام واستمر التدخل في أسس و مكونات المنظومة التربوية بالكامل  واستمر العمل تحت ظل فلسفة حزبية واحدة ,وطالما استمر إنكار مخاطر الهزة التي أصابت المسيرة التربوية واحتساب واقعها واقع إداري فقط تمت مواجهته  دون الأخذ بالاعتبار الكثير من العوامل التي قادت إلى حدوث أزمة في التربية
 بشكل عام .
مرت التربية الفلسطينية بالكثير من المراحل والكثير من المؤثرات والعثرات إلا أنها كانت تنهض بعد كل مرحلة اقوي مما سبق بل وأكثر إصرارا على الحفاظ على ثوابتها و ثوابت هذا الشعب وأولها وحدته الوطنية  , وهذا يمكن للبعض الرجوع إليه خلال مراحل الانتفاضات الفلسطينية والحروب الإقليمية والأمراض والأزمات العالمية إلا أن المرحلة الأخطر والتي في رأي أنها نالت من التربية الفلسطينية  هي المرحلة التي تمر فيها التربية الفلسطينية الآن من انقسام و تباعد بين الإخوة  , ولعل في تقديري للأمور إن استمرار تأزم التربية الفلسطينية بواقعها الحالي سينذر
 بكارثة على الشعب الفلسطيني أكثر خطرا من كارثة الاحتلال ذاته وأكثر خطرا على ماضية وحاضرة و مستقبلة من أي عوامل أخري .
اليوم يمكننا كمفكرين المساهمة في إعادة رص الصفوف بحرص شديد على سلامة هذه الأمة ومستقبل كيانها السياسي ,وإعادة اللحمة التربوية على الأقل قبل فوات الأوان ,ويمكننا  التخلي عن أي من أفكارنا الحزبية الضيقة لصالح العمل التربوي العام ,ونقف عند اعتلال التربية الفلسطينية ونحدد عوامل اعتلالها والأسباب الأدق لهذا الاعتلال  ونخطط معا خارج التوجهات السياسية  من جديد لبقاء تربيتنا الفلسطينية قوية مستقلة , قادرة على النهوض كلما ضعفت ونعمل معا للتربية والنشء بمهنية عالية وبوعي وطني اكبر من الحزب و الفصيل والمغانم والذات.
إن التربية الفلسطينية أصبحت بحاجة إلى فريق وطني متخصص,مطلع ,  يعرف ما يحتاج الميدان التربوي من عمل ,ويعرف ما يحتاج الفرد من برامج  ,ويعرف ما يحتاج المهني من دعم نفسي ولوجستي وتدريبي عالي الجودة ليتخلص من ذاتية التحزب وذاتية التجارب و ذاتية المحاولة و الخطأ والإقصاء والتحييد, ويعرف كيف يقوي عناصر المنظومة التربوية ويعمل على تحيدها واستقلالها , على أن يكون لهذا الفريق صلاحيات عالية يستطيع من خلالها تقيم كافة جوانب المنظومة و تحديد  الحاجة أو الخلل والعمل على إصلاحه فورا دون الرجوع إلى قرار سياسي أو موافقة قائد أو رضا حزب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق