الأربعاء، 31 مارس 2010

أمريكا وإسرائيل: تصدع لا شرخ


بقلم: د. فوزي الأسمر
الوضع الذي نجم عن الإهانات التي وجهتها إسرائيل إلى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وخاصة  في شخص الرئيس (أعلنت إسرائيل عن بناء 20 وحدة سكنية في القدس المحتلة أثناء اجتماع الرئيس مع نتنياهو) ونائبه جو بايدن (أثناء زيارته لتل ــ  أبيب)، أدى حسب كل المقاييس إلى حدوث تصدع في العلاقات الأمريكية  ـــ الإسرائيلية، وليس إلى حدوث شرخ كما يحاول البعض تفسيره.
وقد ظهر هذا التصدع في أعقاب اللقاء المغلق الذي جرى بين الرئيس أوباما وبين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض. فقد وضع الرئيس الأمريكي أمام نتنياهو مطالب أمريكية يريد الرد عليها من إسرائيل.
ورفض أوباما أن يقبل الرد الفوري عليها من نتنياهو، كما كان يفعل زعماء إسرائيل مع الرؤساء الأمريكيين، الشيء الذي أدى إلى طلب نتنياهو منحه فرصة للتشاور مع أعضاء الوفد المرافق له والموجود في غرفة أخرى من غرف البيت الأبيض. في حين قال أوباما أنه سيذهب لتناول طعام العشاء مع عائلته. وهذا ما حصل. وقام نتنياهو بإجراء اتصال هاتفي  مع وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان في المستعمرة التي يسكن فيها، والذي نصحه بأن لا يوقع على شيء.
وبعد 80 دقيقة طلب نتنياهو مقابلة الرئيس أوباما مرة ثانية. واستغرق الاجتماع الثاني 30 دقيقة، خرج منه نتنياهو غاضبا. فقد رفض الرئيس أوباما أن يقبل التوضيح الإسرائيلي، والرد الشفهي على أسئلته، وطلب ردا خطيا الشيء الذي لم تعهده إسرائيل من قبل.
وسارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالإشارة إلى أن الرئيس أوباما لا يثق بكلام نتنياهو، ومنها من قال بصراحة تامة أن نتنياهو كذب على الأمريكيين أكثر من مرة، وقال اشياءً وهو يعرف أنه لن ينفذها، بما في ذلك مقولته "دولتين للشعبين". (هآرتس 28/3/2010). ولهذا السبب قرر نتنياهو أن لا يواجه الإعلام الأمريكي، فألغى جميع المقابلات الصحفية والتلفزيونية التي كانت مقررة له وغادر واشنطن متوجها إلى تل ــ أبيب، بعد أن ألغى توقفه الذي كان مقررا في إحدى الدول الأوروبية.
ويبدو أن نتنياهو حاول أن يشرح لأوباما أن إسرائيل ترى خريطة الشرق الأوسط  بمنظار يختلف عن المنظار الذي تراه فيه واشنطن. وهذا الموقف الإسرائيلي يعني أن تل ــ أبيب تحاول أن تتجاهل العناصر الأخرى المتواجدة على الساحة الشرق أوسطية ولها مصالحها الخاصة، وفي مقدمتها الفلسطينيين والأمريكيين على حد سواء.
فأمريكا ترى هذه الخريطة من منظار مصالحها في المنطقة، وهذه المصالح بدأت تصطدم بمصالح إسرائيل، فأحدثت تصدعا في جدار العلاقات القائم بين البلدين. وقد عبر عن ذلك قائد القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط الجنرال ديفيد باتريوس في شهادة له أمام لجنة الكونغرس عندما قال أن عدم حل القضية الفلسطينية يؤدي إلى تزايد العداء للقوات الأمريكية في المنطقة، خصوصا وأنها تخوض غمار حربين مع دولتين مسلمتين  العراق وأفغانستان ولديها مشاكل في باكستان .
فهذا الموقف زاد من قوة مواقف الرئيس أوباما ، حيث أنه لأول مرة منذ عهد الرئيس الأمريكي إيزنهاور ، يقف الجيش الأمريكي إلى جانب الرئيس في مواقفه السياسية المتعلقة بالشرق الأوسط .  
فهذا التضارب بالمصالح دفع  صحيفة "هآرتس" إلى نشر مقال عنوانه: "نتنياهو يشكل خطرا على أمن إسرائيل". (28/3/2010) وفي نفس العدد نشرت الصحيفة نفسها افتتاحية تنادي بإسقاط حكومة نتنياهو. بينما خرجت صحيفة "معاريف" (28/3/2010) بخبر يقول أن الأكثرية في حزب "العمل" تطالب رئاسة الحزب بالانسحاب من الحكومة إذا لم ينضم حزب "كاديما" إلى الائتلاف الحكومي. وبالفعل هدد أربعة وزراء من حزب "العمل" بالاستقالة إذا لم تستجاب رغبات الأكثرية في الحزب.
ومع ذلك، فإن الوضع لن يتحرك دون وضع ضغط حقيقي على إسرائيل ولن يجدي نفعا طالما لا يواكبه إستراتيجية تفرض على إسرائيل الرضوخ للمطالب الدولية وتكف عن المهاترات الجنونية التي تقوم بها. فمنذ قيامها وهي تضرب بكل القرارات الدولية عرض الحائط، والعالم يغفر لها تصرفاتها الحمقاء ويضعها فوق القانون.
فمشكلة إسرائيل كما يراها بعض المفكرين الإسرائيليين نابعة من عدم مقدرتها اتخاذ قرار بشأن نفسها. وقد عبر عن ذلك الكاتب أمير أورن في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" (10/3/2010). يقول كاتب المقال: "المشكلة الحقيقية التي تواجه إسرائيل ليست مع الفلسطينيين أو السوريين، بل مع نفسها. إن ما ينقصها هو أن تقرر مصيرها. إن إسرائيل لم تقرر لغاية الآن ماذا تريد أن تكون عندما تعود إلى حجمها الطبيعي. إنها ترفض أن تتعامل مع الفكرة التي قامت عليها وهي:أن نكون شعبا حرا في بلادنا.السبب أنه من غير واضح بعد ماذا نعني ببلادنا، ومن ينتمي لهذا الشعب، وكيف نحقق شعارات نرفعها: حرية واستقلال وسيادة بدون الاعتماد على الغير".
إن ما جاء في هذه المقال هو صلب الحقيقة ، وطالما أن إسرائيل لا تستطيع أن تقرر مصيرها وتتخبط في مساراتها ، وتستغل العطف العالمي عليها بسبب ما حدث لليهود إبان الحرب العالمية الثانية ، وتستثمر هذا العطف بممارسة الهمجية بكل أنواعها ضدّ الشعب الفلسطيني ،  فإن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة التي منحتها  شرعية وجودها على حساب الشعب الفلسطيني، كي يفرض حلا عادلا عليها، وأن يجد آلية تلزم إسرائيل ، رغم رفض تل ــ أبيب  كل المقررات التي صدرت عن هذه المؤسسة الدولية .
ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى أحد بنود لقاء الرباعية الذي عقد يوم التاسع عشر من شهر آذار/ مارس 2010، الذي يقول: "إن الرباعية تؤيد مساعي السلطة الفلسطينية التي أطلقتها في شهر أغسطس من عام 2009 لبناء دولة فلسطينية خلال 24 شهرا بصفتها تعبيرا فلسطينيا عن العزيمة لإنشاء دولة مستقلة من شأنها أن تضمن للشعب الفلسطيني إدارة حقه ولتصبح جارا مسؤولا لكافة دول المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الرباعية تدعوا دول المنطقة قاطبة والأسرة الدولية لدعم خطوة الفلسطينيين هذه". 
هذا الكلام هو بمثابة خطوة متقدمة لما نسمعه من الإدارة الأمريكية، ومع ذلك فإنه ينقصه الإشارة إلى ماذا ستفعل الرباعية إذا حاولت إسرائيل منع قيام هذه الدولة بالقوة.
* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق