الخميس، 18 مارس 2010

ماذا أفعل لك يا أقصى؟


د. محمد سعد أبو العزم  
حالة من الجدل والاهتمام بالشأن الفلسطيني -ولاسيما مصير المسجد الأقصى- ظهرت خلال الأيام السابقة، وذلك في أعقاب التهديدات الإسرائيلية ببناء الهيكل الثالث على أنقاض الأقصى، ولكن الملفت في هذه المرة هو اللغة التي استخدمتها الشعوب، والتي جاءت في معظمها معبرة عن قلة الحيلة والاستكانة، مع الاكتفاء بالدعاء على الصهاينة.

هل تذكر العام 2000 حين دنس "شارون" حرمة المسجد الأقصى؛ لتبدأ على إثرها الانتفاضة الفلسطينية الثانية؟ هل تتذكر مشهد استشهاد الطفل محمد الدرة ؟ أين كنت في ذلك الوقت، وكيف كان تفاعلك مع الأحداث التي مضى عليها الآن عشرة سنوات بالتمام والكمال؟، ربما كنت حينها طالبًا في المدرسة وخرجت كشأن جميع أطفال المدارس في مظاهرات الشوارع، أو لربما كنت في الجامعة التي كانت تغلي بالمسيرات الغاضبة يوميًا، والتي ضمت الجميع ولم تفرق بين أي من أطياف المجتمع، لعلك تتذكر بوضوح مدى اشمئزازك عندما كنت تمر أمام أحد مطاعم "كنتاكي" أو "ماكدونالدز"، وتشاهد أحدهم يتناول وجبته هناك، حيث كان تفاعلك مع قضية المقاطعة يجعلك تشعر بأنه يساهم في ذبح الطفل الفلسطيني.

والآن وبعد مرور عشر سنوات على تلك الأحداث دعنا نكرر نفس الأسئلة مجددًا، ونتساءل عن شعورك الحالي تجاه ما يحدث في فلسطين؟ وعن تفاعلك مع القضية، وعن ترتيبها في جدول أولوياتكم؟ اسمح لي أن أساعدك في الإجابة، وأجرح مشاعرك عندما أذكرك بأن حماسك وحركتك من أجل القضية الفلسطينية لم يعد كما كان في تلك الأيام، وذلك على الرغم من أنه لم يطرأ أي تحسن على الأوضاع هناك، بل بالعكس من ذلك فقد أصبح المسجد الأقصى هو الهدف المعلن لليهود حاليًا، ولكن الجديد هذه المرة أنك قد سئمت مما يحدث هناك، سئمت من متابعة المشاهد التي تتكرر يوميًا، وبدأ اليأس يتسرب إليك من حدوث مصالحة فلسطينية، وانتهى الأمر بانفصالك الشعوري عن القضية الفلسطينية، وهو بالضبط ما تهدف إليه إسرائيل من إطالة أمد القضية، وفصل الشعوب عن التفاعل معها، حتى يمكنها تحقيق أهدافها.

(إن دخول المسلمين واليهود إلى المسجد الأقصى لا بد أن يتم في نهاية الأمر، وفقًا لنظام متفق عليه بين الأطراف المعنية، يسمح للمسلمين واليهود كافة بأداء شعائرهم الدينية في هذا المكان المقدس )، كان هذا ما صرح به الرئيس الإسرائيلي السابق "موشيه كتساف" في العاشر من أبريل عام 2005، ليوضح بكلماته تلك الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل على المدى القريب، كما يعبر عن الفكر الذي تدير به إسرائيل الصراع معنا، اللعبة الإسرائيلية تهدف للمطالبة بالصعب أو المستحيل، حتى إذا وقع ما هو دونه هان علينا ورضينا به، ومن هنا كان ترويجهم لدعاية هدم المسجد الأقصى، حتى إذا طالبوا بتقسيمه كما فعلوا بالحرم الإبراهيمي قبلنا بذلك واعتبرناه انجازًا يستحق الإشادة، ثم إذا مر على ذلك زمن واعتاده المسلمون، انتقلوا إلى المرحلة التالية بنفس الطريقة.

دعونا نبدأ بأنفسنا ولنستفد من وسائل الإعلام المتاحة -وخصوصًا الانترنت- لتوجيه خطاب إعلامي قوي بلغة يفهمها الغرب، لغة تختلف عن الأسلوب الإعلامي العشوائي الذي يتسم بالمحلية الشديدة، سبق أن طلبت منك عزيزي القارئ أن تجرب البحث على موقع "اليوتيوب" عن حرب غزة، أو عن القدس باللغة الانجليزية، وسوف تواجهك الصدمة أن أغلب ما يشاهده الغرب يمثل وجهة النظر الإسرائيلية، لماذا لا تأخذ على كاهلك تقديم رسالة إعلامية متميزة للشعوب ولصناع القرار في الغرب؟، هل تذكرون ذلك الشاب الذي كان يرغب في توصيل صوت الفلسطينيين إلى البرلمان البريطاني؟، وعندما عثر على النائب البريطاني "جورج غالاوي" فوجئ بأنه لا يعرف شيئا عن فلسطين ، ولأن ذلك الشاب يعيش القضية بكل كيانه، فقد حرص على أن يشرح له كل الجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، وبعد ذلك اللقاء أصبح "غالاوي" هو المناصر الأول لقضايا العرب في الغرب.

بل لماذا لا تفعل مثل ذلك الشاب المصري الذي تأثر ايجابيًا من مشاهد القتل في حرب غزة الأخيرة، وقرر أن يبعث رسالة شخصية إلى كل أعضاء البرلمان الأمريكي، يخاطبهم بلهجة هادئة، ويشرح لهم قضيته بأسلوب مقنع، وكان ذلك أحد أسباب التغير الواضح في مواقف 54 نائبًا من الكونجرس، قاموا سويًا بتكوين مجموعة ال54 لرفع الحصار عن غزة، وخلال الشهر الماضي قام نائبان منهم بزيارة القطاع المحاصر لمساندة أهلنا هناك، وتقديم الدعم لهم.

ما هو المجهود الذي بذلته أنت شخصيًا لتنشر القضية في محيطك؟ ماذا يعرف أولادك عن المسجد الأقصى وعن القضية الفلسطينية؟ وما هو الحيز الذي تشغله القضية في حياتهم؟ هل ساهمت في تنشئتهم على حب القدس، وغرست فيهم التمسك بمقاطعة منتجات الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني؟، إذا كانت هذه هي أسلحتنا؛ فإن أهلنا هناك يملكون التضحية بأرواحهم، فلتدفعهم أنت للثبات، ولتجعلهم يشعرون بأننا فعلاً أمة واحدة.

تكمن أحد مشكلاتنا الرئيسة، أننا لم نعد نهتم بالشأن السياسي، ولم تعد لدى الأمة ذلك الحلم الذي تعيش من أجله، أو القضية التي تضحي من أجلها، ولكن صدقوني.. فقد قدمت إسرائيل لنا هدية قيمة للغاية- من دون قصد- عندما وفرت لنا الفرصة، وأوجدت القضية التي نلتف حولها، ولكن المهم كيف نتفاعل مع الأحداث، ونحافظ على جذوة الحماسة دائمة في قلوبنا، تعاطفك وحده لم يعد يكفي، البكاء والنحيب على حالنا ليس هو الحل، التوجه إلى الأنظمة العربية لم يعد منه جدوى، وإنما الحلول الحقيقية في أيدينا نحن.. نعم يمكنك أن تفعل الكثير، ولكن في البداية قرر أن تفعل، إذا توفرت لديك الإرادة، وشعرت بأهمية القضية، وعاشت في قلبك، فلن تعدم حيلة، وسوف تجد الكثير مما يمكن تقديمه وبذله، أما إذا اكتفيت بمصمصة الشفاه، أو البكاء والاحتساب على الصهاينة، فلن يقدم ذلك شيئًا ولن يؤخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق