الأربعاء، 24 مارس 2010

الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني لـ "النهار": الداعون إلى الحرب في الجنوب سيصدمون كما صدموا في صعدة


صنعاء – من ابو بكر عبد الله
حذر الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان، صنعاء من "محاولة جر المحافظات الجنوبية إلى دائرة العنف"، وأكد أن الحل العسكري لن يكون مجديا، مشيرا إلى "أن الذين ينصحون السلطة بهذا الخيار سيصدمون كما صدموا في صعدة".
ولفت في حوار مع "النهار" إلى أن "اتجاه السلطة إلى العنف هدفه ضرب المشروع الوطني الديموقراطي وإعادة هيكلة الحياة السياسية لإنتاج أدوات تتناسب مع الوضع الجديد". واذ حض صنعاء على اختيار الحل السياسي والاعتراف بحاجة اليمن إلى إعادة بناء دولة الوحدة على قاعدة الشركة الوطنية، عزا رفضها خيار الاتحاد الفيديرالي كحل للأزمة إلى "مخاوف السلطة من ان مشاركة الجميع في الحكم قد تهدد مصالح النخبة الحاكمة". وقال أن السلطة "تقرع طبول الحرب في كل مكان والتعبئة التي تجري على هذا المستوى تضع البلد على حافة هاوية". وهنا نص الحوار:
انتشار عسكري في المحافظات الجنوبية وتحرك لافت لمعارضة الخارج واحتقان لا سابق له، أثارت مخاوف تجاوزت الحدود. كيف تقرأ هذه التداعيات؟
- كل هذه التداعيات تع** حال الارتباك والاضطراب العام الذي يعيشه النظام السياسي وسلطته ، ويع** في الوقت نفسه رغبة السلطة في الانزلاق بالبلد نحو العنف لاعتقادها أن هذا الأمر سيكون الوسيلة لضرب المشروع الوطني الديموقراطي بحيث تعاد هيكلة الحياة السياسية بشكل كامل وإنتاج أدوات تتناسب والوضع الجديد بما يؤديه إليه ذلك من نتائج ستكون بالتأكيد وخيمة.
في ظل الاضطراب الذي يهدد بأعمال عنف في الجنوب بدت المعارضة غائبة ؟
- نحن حذرنا من هذا الوضع منذ وقت مبكر وقلنا إن مواجهة الحراك السلمي في الجنوب بالعنف والقمع سينتج تداعيات خطيرة، كما دعونا إلى حوار وطني شامل يبحث في الأزمات التي تعيشها البلاد سياسيا واقتصاديا، لكن، وياللأسف، لم تستجب السلطة بل إنها استمرأت السير في طريق مواجهة الأزمات والمشكلات الداخلية بأدواتها الخاصة وفي مقدمها العنف والقمع.
يلاحظ أن تظاهرات الحراك الجنوبي لم تنتج شيئا ايجابيا بمقدار ما فاقمت حال التوتر؟
- أعتقد أن الحراك السلمي في الجنوب حقق نتائج سياسية ووطنية واستطاع أن يفرض واقعا جديدا في المشهد السياسي وأخذت قضية الجنوب بعدها الحقيقي في إطار الأزمة الوطنية الشاملة التي كانت مهملة، واليوم بدأ العالم يقول إن هناك قضية ومشكلة حقيقية في جنوب اليمن. لكن وعوض أن تعترف السلطة بهذه القضية وتتعامل معها بموضوعية وإيجابية لجأت إلى أسلوبين: الأول محاولة اختراقها بوسائل وأدوات معينة بهدف حرفها عن مسارها الطبيعي، والثاني توظيف هذا الاختراق وما نتج منه من آثار لتبرير القمع الذي تعرض له ناشطو الحراك السلمي.
كيف يمكن أن نقرأ ما يدور في الجنوب على انه حراك سلمي في ظل أعمال عنف وشعارات "الكفاح المسلح"، "طرد الاحتلال"، "ثورة لاستعادة دولة الجنوب"؟
- أرى أن نفصل أولا بين الشعار السياسي وبين التعبير عنه، فالحراك السلمي حركة موضوعية شعبية انخرط فيها الكثيرون سواء في صورة منظمات سياسية أو اجتماعية أو مواطنين، هؤلاء انخرطوا فيه كتعبير عن أن هناك قضية ما وهذا الانخراط تم بشعارات وأهداف سياسية مختلفة وكان النضال السلمي الذي يرفض العنف أداته الرئيسية. والشعارات التي ترفع اليوم هي نتاج للواقع المحبط الذي عاشه الناس في هذا الجزء من الوطن، وكان من الطبيعي أن الحل لمواجهة مثل هذا الوضع هو تقديم دولة الوحدة بصورة مختلفة تمكن الناس من أن يشاهدوا مستقبلهم فيها، لكن الإحباط العام وحال التطرف الذي مارسته السلطة على صعيد الواقع السياسي أنتج هذا القدر من التطرف الذي نقرأه في الشعارات. ونحن نشعر أن الأزمة تتفاقم كل يوم وأن عناصر الأزمة ستخرج من يد الجميع إذا استمرت خيارات التطرف التي تنتج الأزمة وطرق مواجهتها.
تطرف من السلطة وتطرف من الشارع في الجنوب، إلى أين تسير الأمور في رأيكم؟
- دعنا نقول إن اليمن يعيش اليوم حالاً من الاضطراب العام، وكنا ولا نزال ندرك أنه ما لم يتجه اليمنيون بمختلف نحلهم وأحزابهم وقواهم السياسية والاجتماعية إلى حوار جاد يفضي إلى حلول شاملة للأزمة اليمنية، فان الأمور ستتفاقم وربما تتجه نحو المزيد من الارتباك والاضطراب.
  
الخيار العسكري
في ظل ما اعتبرتموه تصعيدا عسكريا في المحافظات الجنوبية واحتقاناً يوشك على الانفجار كيف ترى السيناريوات المتوقعة في حال بقي التصعيد العسكري على حاله؟
- الحل العسكري لن يكون مجديا والذين ينصحون مركز القرار اليوم بالحل العسكري سيصدمون كما صدموا في صعدة ، ورئيس الجمهورية قال في آخر خطبة القاها في الأكاديمية العسكرية أن هناك من أغراهم بالحل العسكري ودفعهم إليه في صعدة، واليوم نقول لهم لا تذهبوا إلى الحل العسكري في الجنوب حتى لا تقولوا مستقبلا أن هناك من أغراكم بالحل العسكري. في الجنوب هناك قضية عادلة إذا تم التعامل معها بالعنف والقمع فان النتائج ستكون بكل تأكيد وخيمة على اليمن عموما.
نحن نؤكد أن الحل السياسي هو الأسلم ولا بد للسلطة من أن تعترف أولا بان هناك حاجة إلى إعادة بناء دولة الوحدة على قاعدة الشركة الوطنية التي يصير فيها الجنوب قطبا حقيقيا في المعادلة، وقد شخصنا هذه القضية في وثيقة الإنقاذ الوطني وقلنا هذه رؤيتنا وعلى الآخرين أن يقدموا رؤيتهم للحل. أما القوة فلن تقدم حلا بل ستقود إلى المزيد من الاحتقان.
إذاً كيف يمكن التعاطي مع أعمال العنف العاصفة بالمحافظات الجنوبية من دون مواجهتها؟
- مظاهر العنف سببها الرئيسي السلطة، فهي لم تعترف بأن هناك مشكلة بل أخذت تتعامل معها بتعالٍ وسخرية، حتى حالات الاستشهاد التي تتم في مواجهة عنف السلطة تنظر إليها باستعلاء، وفي إمكاننا اليوم مشاهدة المطاردات التي تتم بحق الناشطين السياسيين والمحاكمات والمعتقلات، وأعتقد أنها كلها ممارسات لن تفضي إلا إلى المزيد من المواجهة والمقاومة من الناس.
السلطة سلكت بممارساتها وغياب مشروعها الوطني سلوكا متطرفا في التعامل مع الجنوب أدى إلى تهميشه على هذا النحو وتتحمل هي مسؤولية إنتاج التطرف المقابل بعدما أوصلت بسياساتها الناس إلى حالة من اليأس من بناء الدولة الوطنية الديموقراطية على قاعدة المضامين الحقيقية لوحدة أيار 1990.
التطورات الأخيرة كشفت قوى تتجاذب الجنوب، لماذا وصل الوضع إلى هذه الحال؟
- الشارع الجنوبي تحرك قبل المعارضة في الداخل والخارج، وأنا اعتقد أنه تحرك بسبب تفاقم معاناته ووصل الاحتقان فيه إلى مرحلة اليأس وذلك باعتقادي دفعه لأن يتحرك بشكل يستجيب للشعارات أو الأهداف التي تتناسب مع مستوى هذا الاحتقان.
على الجميع أن يعي أن احتقان الشارع الجنوبي وصل إلى درجة عالية وأي نداء أقل من هذا المستوى لن يستجيبوا له، فإذا خاطبت أنا الشارع الجنوبي اليوم باسم الوحدة لن يستجيب لي لأن السلطة أنتجت داخل هذا الشارع بممارساتها الانفصالية فجوة هائلة، فهي قدمت للشارع الجنوبي الوحدة على أنها المعاناة التي يعيشونها. لقد حولت هذه السلطة مشروع الوحدة التاريخي الاستراتيجي إلى مشروع صغير، والمزاج السائد برز في اعتقادي هروبا من واقع مؤلم ومأسوي ونحن لا نريد أن نخاطب الشارع بهذا المزاج، وهذه الفجوة في الحياة السياسية نحن ندركها تماما ونتعامل معها بموضوعية من دون مغامرة وانتهازية ونتحمل بسببها مشاكل كثيرة.
علينا أن نتحدث اليوم عن أزمة أنتجها النظام والحل في كيفية إعادة الناس إلى القاعدة التي نعتقد أنها تحفظ مصالح الجميع في إطار دولة تمكن الناس من أن يحفظوا مصالحهم ويحققوا أهدافهم.
التطورات الأخيرة في الجنوب أثارت مخاوف من أن يتحول ساحة حرب، هل لديكم مخاوف؟
- مخاوفنا من العنف ليس فقط من التداعيات العسكرية في الجنوب بل من التهديدات التي يصدرها الحزب الحاكم، فهو هدد في بياناته الأخيرة بالعنف ضد المعارضة لإسكاتها بالقوة بالحديث عن هدم المعبد والتهديد بأن المعارضة ستكتوي بنار العنف كما يراها هو. اليوم السلطة تقرع طبول الحرب في كل مكان والتعبئة التي تجري على هذا المستوى أعتقد أنها تضع البلد على حافة هاوية.
لو أن السلطات استجابت لمطالبكم وللضغوط الدولية التي تؤيد الحل السياسي، هل تعتقدون أن الشارع الجنوبي سيقبل بحلول سياسية ؟
- المشكلة لا تكمن في ما نعتقد أو ما لا نعتقد. دعنا نطرح الحلول المناسبة وبعدها نتحدث عن الاستجابة من عدمها ، فالسلطة لم تقدم حتى الآن أي رؤية تمكننا من القول بان هؤلاء سيقبلون أو لا يقبلون. فلماذا اطلب من الناس أن يتنازلوا عن نضالهم السلمي من دون أي رؤية يشعرون أنها ستحل مشاكلهم؟ المشكلة في الجنوب اليوم تكمن في أن هناك جزءاً من البلاد كان دولة مستقلة وجرى إقصاؤه من المعادلة ووجد الناس أنفسهم بعد حرب 1994 مهمشين ولم يعودوا شركاء في دولة الوحدة بعدما مورست على الجنوب سياسات الضم والإلحاق وصار مهمشا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
  الفيديرالية هي الحل
 ترى السلطة أن الحديث عن الفيديرالية مقدمة للانفصال، كيف ترون ذلك؟
- الفيديرالية صارت واحدة من الخيارات التي يتحدث عنها الناس اليوم، فلماذا لا نبحث في حل لمشكلة قد تقودنا إلى نتائج خطيرة؟ أن تأتي السلطة بخطابها الحاسم وتقول إن الحديث عن الفيديرالية مقدمة للانفصال هي في الواقع تدفع إلى التمسك بما اعتبر مشكلة وبذلك تقود البلاد من حيث لا تدري إلى النتيجة التي تدعي أنها تهرب منها وهي قضية الانفصال. أعتقد أن ما يجري في واقع الحياة السياسية هو الذي ينتج الانفصال وليس الرؤى التي تطرح لمعالجة مشكلات البلاد.
هناك من يرى أن الوضع الراهن لا يتيح الحفاظ على الوحدة وضبط الأوضاع في ظل الفيديرالية؟
- وهل استطعنا ضبط الأمور في ظل المركزية الجامدة القائمة اليوم، ثم إنه لو لم تكن لدينا مشكلة لما اضطررنا الى البحث عن حلول بصيغ أخرى.
هل يعني ذلك أنك ترى في الفيديرالية خياراً مثالياً للخروج من الأزمة ؟
- المركزية بالصيغة التي أوجدت المشكلة كانت سببا في وصول الوضع إلى الحال الذي هو عليه اليوم والسبب الرئيسي في عدم قدرة السلطة على حمل مشروع الوحدة التاريخي، بل إنها حولته من مشروع كبير إلى مشروع صغير والاستمرار بهذا الوضع اوجد نقيضا للوحدة وهو إنتاج التفكك الوطني بشكل عام، وفي مقدمة ما يمكن اعتباره إرهاصات لذلك هو التفكك الثقافي الذي ينزع إلى إحياء الجذور العرقية والجهوية والمذهبية والطائفية لكل أبناء اليمن وهي ثقافة تنشأ في اليمن وتطرح مشكلة كبيرة تصير معها قضية الانفصال السياسي أقل خطورة بالمقارنة مع ما تنتجه تلك الثقافة من تفكيك للبلاد.
ما هي أسباب ذلك برأيكم؟
- هذه المشكلة برزت إلى السطح بسبب عدم قدرة النظام على إنتاج مشروع وطني حقيقي قامت من أجله الثورة اليمنية، وإذا استطعنا إنتاج هذا المشروع أعتقد أن كل القضايا قابلة للحل. فمثلا توجه السلطة وأطراف أخرى لضرب الحزب الاشتراكي اليمني لم يأت لكونه فقط حزبا سياسيا بل لأنه كان تعبيرا عن مشروع وطني تاريخي ولذلك كان الهجوم على هذا المشروع الثقافي التاريخي الذي يعد جزءاً رئيسياً من خريطة المشروع السياسي الوطني. وعندما نتحدث عن الفيديرالية فنحن نقول إن النظام لم يكن قادرا على تقديم مشروع وطني تاريخي وحدودي يمكنه حماية الوحدة والتماسك الوطني، ولمن يقول إن الفيديرالية مقدمة للانفصال نسأله لماذا لم يحدث انفصال في الهند أو الإمارات العربية المتحدة مثلا أو في الكثير من دول العالم التي تقوم على نظام الاتحاد الفيديرالي؟ أعتقد أنه ليس هناك إرادة سياسية لإنتاج دولة مرنة تحقق مصالح الناس، والقضية تكمن في قدرة أي دولة على إدارة مصالح الناس وإدارة الاختلاف وأن لم تكن قادرة على ذلك فليس لها معنى.
هل يمكننا اعتبار ذلك سبباً لرفض النظام السياسي الفيديرالية كحل للأزمة اليمنية ؟
- المعلن أن هناك مخاوف لدى السلطة من الانفصال، وهذا باعتقادي ليس السبب، فالسلطة ليس لديها القدرة على التعاطي مع التنوع كما ليس لديها القدرة على فهم أن إدارة مصالح الناس والاختلاف يمكن أن تتم بمشاركة الجميع باعتقاد أن هذا قد يهدد مصالحها، وبالتالي ترى السلطة أن المركزية الجامدة هي التي تحمي مصالح النخبة الحاكمة في مواجهة الأصوات العالية التي تطالب بتنوع المصالح والاعتراف بالاختلاف، واعتقد أن القضية قضية مصالح ليس إلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق