السبت، 31 أكتوبر 2009

عرب الاحواز و قضايا الأمة العربية

د.خالد المسالمة

لازالت قضية الأحواز (عربستان) ، البلد العربي الغني بالبترول والمياه أحد القضايا المهمة في العلاقات العربية الإيرانية الساخنة و المتوترة . بين الفينة والأخرى تطفو على السطح وتتصدر قائمة الأولويات في العلاقات العربية -الإيرانية .

وفي كل يوم تتعرف قطاعات عربية على مأساة شعب الأحواز و على أهمية القطر العربي الأحوازي من الناحية الرستراتيجية بعد غياب و إهمال عربي رسمي وشعبي طال أمده.

الحركة الوطنية في الأحواز لم تكن غائبة عن قضايا الأمة العربية. كان الشعب العربي المحتل على الساحل الشرقي للخليج العربي حاضراً ، كبقية الشعوب العربية ، مشاركا في هموم ومعارك الأمة . واكب الشعب الأحوازي كل التطورات التي مرت بها المنطقة العربية و تفاعل معها . القضية الفلسطينية ظلت حاضرة في وجدان وضمير أبناء الشعب العربي الأحوازي كحضورها في ضمير ووجدان عرب سوريا و مصر و المغرب و السودان . وتفاعل الشعب في الأحواز مع ثورة الجزائر و انحاز إلى جانب احرار الجزائر مثلما انحاز بقية أبناء الأمة العربية إلى جانب هذه الثورة العربية العملاقة. الأفكار و التيارات السياسية المنتشرة في الوطن العربي كان لها صدى واسع و انعكاس مباشر على وعي وثقافة عرب الأحواز.

بعد عدة أشهر فقط من تأسيس جامعة الدول العربية في عام ١٩٤٥ بعث ستة و ثلاثين شيخ قبيلة و عشيرة عربية أحوازية ، يمثلون الأغلبية الساحقة من عرب الأحواز ، باسم شعب الأحواز رسالة طلب المساعدة و الوقوف الي جانب عرب الأحواز لتخليصهم من الاستعمار الفارسي . وفي الرسالة أكد ممثلي عرب الأحواز حق شعب الأحواز على الأمة العربية في الوقوف إلى جانبه في محنته. صحيح أن طلب العضوية لجامعة الدول العربية لم يستجاب له ، لأن عضوية الجامعة كانت حق فقط للدول العربية المستقلة سياسيا ، حسب اللوائح القانونية المنظمة لعمل الجامعة ، لكن جامعة الدول العربية تعاملت مع الشعب الأحوازي كجزء من الأمة العربية. هذا الطلب الموقع من ممثلي الأحواز المحتل يظهر الحس الفطري و الوعي السياسي الطبيعي بانتماء هذا الشعب إلى هذه الأمة و رفض مبكر للمحتل الأجنبي . لقد تكرر تقديم طلب انضمام إقليم الأحواز لجامعة الدول العربية من قبل ممثلي عرب الأحواز عدة مرات .عبر وفد رسمي حضر للخرطوم خصيصا ، ممثلا لمجموعة أحزاب و حركات التحرر الوطني الأحوازي قدم طلب انضمام عرب الأحواز للجامعة العربية لمؤتمر القمة العربية المنعقد في الخرطوم في ٢٠٠٨/٣/٢٨.

بقي شعب الأحواز قريب من قضايا الوطن العربي ويتفاعل مع جل الأحداث السياسية التي تعيشها أقطار الوطن العربي ويتفاعل مع جل الأحداث السياسية التي تعيشها أقطار الوطن العربي . أغلب الحركات السياسية في البلاد العربية كان لها انعكاس و تأثير مباشر على عرب الأحواز و انتشار بين صفوف الأحوازيين . وجد أغلبية شباب الأحواز في التيار القومي العربي ضالتهم ، و تأثرت أعداد كبيرة بإطروحات و توجهات هذا التيار الصاعد في أعوام الخمسينات و الستينات من القرن العشرين.

إن معاناة ابناء الشعب العربي في إقليم الأحواز بسبب سياسات الاحتلال الفارسي والتمييز العنصري والتعسف و الغطرسة التي مارستها السلطات الإيرانية ضدهم ، والغلو في محاربة هويتهم القومية، وتطلعهم إلى يوم الخلاص من المستعمر الفارسي و العودة إلى مكانهم الطبيعي في وسط الأمة العربية ، جعل أبناء الأحواز الأكثر في التأثير بالتيارات السياسية القومية العربية . إن توجهات وأهداف و مبادئ الحركة الناصرية و حزب البعث العربي الإشتراكي و حركة " القوميين العرب " في التحرر من المستعمر و الحرية الفردية و الوحدة العربية والعدالة الإجتماعية هي مبادئ و أهداف مألوفة و محترمة عند ابناء الشعب العربي في الأحواز. رموز حركة التحرر الوطني العربي، وفي المقدمة منها الزعيم العربي جمال عبد الناصر ، أصبحت في عيون وعقول عرب الأحواز ، المثل الكفاحي الذي يحتذى به في مسيرة تحرر هذا الشعب من المحتل الفارسي . كانت خطابات عبد الناصر في الخمسينيات و الستينيات من القرن العشرين الحدث المهم المرتقب عند كل فئات وطبقات الشعب العربي في الأحواز و كان صوت عبدالناصر من القاهرة يبعث الأمل بملايين عرب الأحواز.

لقد تشكلت في الأحواز في بداية الستينات من القرن العشرين أحزاب و حركات سياسية عدة ، ونالت هذه الأحزاب و الحركات الدعم المعنوي والمادي من قبل الدول العربية ذات التوجه القومي مثل مصر وسوريا و العراق . هذا الموقف من بعض الدول العربية كان مثار خوف و رعب عند حكام إيران . فانتعاش الحركة القومية العربية في إقليم الأحواز يعني بالنسبة لإيران بداية تفكك الدولة الإيرانية والكيان السياسي الذي عمل الشاه رضا على بنائه . وفي انتصار حركة التحرر الأحوازية في الحرية و التحرر و الاستقلال سيعني وأد حلم القوميين الفرس في إعادة إحياء دولة الأكاسرة

البائدة. هذه الدولة التي لن تقوم وتكبر كما كانت عبر التاريخ ، إلا على حساب شعوب المنطقة العربية ، وعلى وجه الخصوص على حساب العراق و دول الخليج العربي.

القضية الفلسطينية كانت دائماً حاضرة في وجدان عرب الأحواز وفي وعيهم السياسي . انعكاساً لذلك الحضور هذه الأعداد الكثيرة بين صفوف الأحوازيين التي تحمل أسماء قادة الفلسطينية. وفي أعوام السبعينيات من القرن الماضي عندما اشتد ساعد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية دخلت بعض فصائل حركة التحرر الفلسطينية مع فصائل حركة التحرر الأحوازية بعلاقة شراكة وتعاضد رتضامن. لقد تبنت حركة فتح الفلسطينية مساندة جبهة تحرير عربستان و تبنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مساندة و دعم الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز كذلك فعلت الجبهة العربية لتحرير فلسطين في دعم الجبهة العربية لتحرير الأحواز .فالعلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحركات التحريرية الأحوازية كانت استراتيجية و أكثر من ودية.

عندما زار ياسر عرفات رئيس منظمة تحرير الفلسطينية ايران عام ١٩٧٩ مهنئا القادة الجدد في طهران بانتصار الثورة على الشاه ذهب عرفات إلى مدينة الأحواز عاصمة الإقليم العربي وألقى خطابا حماسيا بالجماهير العربية المحتشدة في الملعب الرياضي و الساحات المجاورة له. كانت حشود الجماهير العربية المتعطشة لرؤية مناضلا عربيا فذاً و رمز الثورة الفلسطينية العملاقة تزيد على مليون ونصف المليون مواطن عربي بحياة فلسطين و شعب فلسطين بحماس شديد و عواطف متدفقة جياشة مما أثار حنق وغضب القيادات الإيرانية المرافقة له، وقاموا بإلغاء بقية بنود الزيارة التي كانت مقررة في الإقليم تحت حجج و ذرائع أمنية. كما تسربت بعض الأخبار خشي الفرس من تطورها الحماس الشعبي العربي في الأحواز إلى الثورة شعبية يصعب السيطرة عليها. وقال عرفات لمرافقيه من الوفد الفلسطيني ، وكان متأثرا بشدة من حفاوة الاستقبال الجماهيري العربي من شدة العواطف الجياشة التي أظهرتها جموع الجماهير العربية المحتشدة تجاه فلسطين و قيادة الثورة الفلسطينية : هذا شعب عربي أصيل يستحق منا كل الدعم والتأييد، والفرس يرهبون بشدة صحوة وثورة هذا الشعب العظيم.

وقف الشعب العربي الأحوازي بشكل عفوي وفطري الى جانب الشعب المصري في تصديه للعدوان الثلاثي البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي عام ١٩٥٦. وخرجت في أغلب المدن الأحوازية مظاهرات الدعم و التأييد لمصر و لقياداته وضد الجيوش الغزاة المعتدين. وكانت أصداء كفاح أبناء بور سعيد والسويس الإسماعيلية على القناة محل إعجاب كبير و تثير في نفوس المواطنين الأحوازيين مشاعر العزة و النخوة المعهودة فيهم .

ثورة الجزائر العملاقة، و على الرغم من بعد المسافات الجغرافية بين القطرين العربيين، كانت العائلات الأحوازية تتجمع حول المذياع في البقاليات و المقاهي، وفي البيوت الخاصة التي تمتلك المذياع لتسمع أخبار صوت العرب من القاهرة ، ولتواكب أحداث حرب التحرير الجزائرية ، ولتستمع للنشيد الوطني الجزائري . قلوب ابناء الأحواز كانت تفرح لانتصارات جيش الجزائري، وتحزن، مثل بقية العرب ، لسماع الأخبار السيئة عن مسيرة الصراع الدامي على أرض الجزائر الحرة.

يتذكر بعض المسنين الأحوازيين كيف أن اعداداً غير معروفة من عرب الأحواز حاولت الذهاب الى سوريا و إلى مصر بقصد التطوع في صفوف جيش التحرير الجزائري ، وأن كثيراً من هؤلاء الشباب لم يستطع تقدير الصعوبات البيروقراطية التي واجهتهم عند الحدود العديدة وتقدير الصعوبات المادية، و بعد المسافات بين الأحواز و أرض الجزائر تحرك هذا الشباب مندفعاً بروح العاطفة الجياشة للوقوف إلى جانب شعب عربي يكافح ضد مستعمر أجنبي غاصب. مندفعين برغبة التطوع بصفوف ذاك الجيش، الذي كان في أعوام الخمسينات من القرن الماضي ، تلهب إنتصاراته العارمة مشاعر ملايين الشباب العربي في كل بقاع بلاد العرب، وعلى أرض الأحواز أيضاً.

في كل معارك العرب مع القوى الخارجية كان الشعب العربي الأحوازي ينحاز دون تردد إلى الصف العربي، وظل عرب الأحواز يشاركون بقية الجماهير العربية قضاياهم القومية، بالنصر و الهزيمة على حد سواء.

فهزيمة الجيوش العربية في عام 1967 أصابت ملايين الأحوازيين بالحزن والدهشة كما أصابت بقية شعوب العربية. وعمت مشاعر الفرح والبهجة مدن و قرى الأحواز بتلك الأخبار التي زفت لهم انتصارات الجيش المصري والجيش السوري على جبهات القتال ضد الجيش الصهيوني عام ١٩٧٣ في حرب رمضان (أكتوبر) المجيدة.

و في الحرب العراقية ـ الإيرانية اتي دامت ثماني أعوام متواصلة جرت كثير من المعارك بين الجيش العراقي و الجيش الإيراني على أرض الأحواز، وكانت أحد عوامل التفوق العسكري العراقي هو إنضمام اعداد كبيرة من ابناء الاحواز إلى جانب الجيش العراقي، وتقديم المساعدات العينية والمادية المتنوعة لهذا الجيش. عندما دخل الجيش العراقي إلى المدن والقرى الأحوازية وجد هذا الجيش نفسه بين أهله وأبناء عشيرته، ووجد شعب متعاطف ومساند لجهده العسكري دون تردد و خوف من سخط وغضب السلطات الايرانية عليه. لقد أستقبل الجيش العراقي على الأرض الأحوازية استقبال الفاتحين والمحررين من رقبة المحتل الفارسي. لم تسجل خوادث عدوانية ضد الجيش العراقي من قبل المواطنين العرب الأحوازيين طول فترة وجودهم على الأرض الأحوازية. وفي المقابل أمتنع الآلاف من الشباب الأحوازي ممن هم في سن التجنيد الإلزامي من الإلتحاق بالجيش الايراني لمحاربة الجيش العراقي . لقد طورد الآلاف من أبناء الأحواز من قبل السلطات الفارسية ، وزج بأعداد كبيرة منهم في المتعقلات والسجون الإيرانية، وقتل الكثير منهم بتهمة مساعدة الجيش العراقي والامتناع عن تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الإيراني، والتملص من الخدمة على الجبهة العراقية أثناء فترة الحرب العراقية ـالإيرانية التي توقفت في ٨/٨/١٩٨٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق