السبت، 31 أكتوبر 2009

القاطرة السورية للعلاقة الثلاثية ضمانة نجاح المشروع

بقلم: زياد ابوشاويش

أعادت الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في زيارته الأخيرة لإيران قبل يومين أمام حشد من التجار ورجال الأعمال الإيرانيين والأتراك في طهران التذكير بالمشروع الاستراتيجي لحلف السلام والتعاون بين سورية وايران وتركيا والعراق الذي اقترحه الرئيس بشار الأسد قبل سنة من الآن وأثنى على فكرته وآليات تطبيقها كل من إيران وتركيا وقال السيد أردوغان في هذه الكلمة: "إن التعاون بين سورية وتركيا وإيران يحظى بالأهمية بالنسبة للسلام في الشرق الأوسط وإن تواجد القوات الأجنبية في المنطقة ليس هو الطريق لتحقيق هذا السلام". وأكد أيضاً على أن استقرار المنطقة هو الحل الأكيد لمشاكل المنطقة وتحقيق الرخاء بين بلدانها.

في ظل التوتر الذي ساد المنطقة لأعوام طويلة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 1020 ووصول المحافظين الجدد بعقليتهم العدوانية وأحلامهم الامبراطورية كانت سورية تفكر بالكيفية التي تخرج المنطقة من الأزمة الكبرى التي نجمت عن غزو العراق وترافقت بتهديدات واضحة لسورية في ظل هجمة إعلامية غير مسبوقة عليها بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري عام 2005.

الاستراتيجية السورية الثابتة والمبدأية بقيت على ركائزها الأساسية بل وتعززت ثوابتها بتحدي العنجهية والصلف الأمريكي حين أعلن الرئيس بشار الأسد أنه ما دام الأمريكيون يصرون على لغة التهديد فلا بأس من المواجهة ونحن لن ننحني وقال كلمته الشهيرة "سنكسب شرف المواجهة وسوريا الله حاميها".

كان على سورية بعد ذلك أن تختار التكتيكات الأصوب لمواجهة ظروف صعبة وحصار أمريكي ظالم مع طعنات في الظهر من بعض من كانوا محسوبين عليها في لبنان، والأخطر التهديدات الإسرائيلية في ظل مستجدات الغزو الأمريكي ووجود القوات الغازية على حدود سورية الشمالية، فكيف تصرفت وعلى أي تكتيك اعتمدت؟ الحقيقة أن من تابع مجريات الأحداث وردود الفعل السورية عليها أدرك أن القيادة السورية بقيت ممسكة بأطراف اللعبة ونهايات خيوطها منذ البداية وأن تكتيك الدفاع المرن لم يكن وحده خلف النجاح الذي حققته السياسة السورية بل أيضاً الهجوم المدروس والحذر على جبهات رخوة للعدو أقلقت الأمريكيين وأخرجتهم عن طورهم حين اتهموا سورية بالوقوف خلف المقاومة العراقية التي أسموها إرهاباً، وذات الأمر فيما يتعلق بحزب الله ومن بعدهما حركة حماس، وفي كل هذه الجبهات حققت التكتيكات السورية المستندة لاستراتيجية سليمة وثابتة ببعديها الوطني والقومي نجاحات كبيرة أبدى الكثير من المراقبين والمحللين الاسترتيجيين إعجابهم بها وخاصة القدرة على تركيم بعض المكاسب لاحداث التغيير المطلوب ولإفشال االبرنامج المعادي لترتيب أوضاع المنطقة وتهميش الدور السوري إن لم يكن أكثر.

لم يكتف التكتيك السوري بهذه النجاحات على الصعيد العربي في لبنان وفلسطين والعراق بل تعداها باتجاه تثبيت دعائم هذه النجاحات بوضعها في إطار دولي يقويها ويحافظ عليها عبر فتح البوابة التركية على مصراعيها بالاستناد للموقف التركي الجديد من إسرائيل ونظرتها للحقوق العربية والفلسطينية بعد وصول حزب التنمية والعدالة للحكم، وكذلك بتعزيز التعاون والتحالف مع إيران التي تقيم معها حلفاً استراتيجياً منذ نجاح الثورة الايرانية وسقوط الشاه، وهذا السور الدولي الواقي عملت السياسة الحكيمة للقيادة السورية والدبلوماسية المبادرة والنشطة على تعزيزة وتسميكه بالانفتاح على أوروبا وتوسيع نطاق التعاون في مختلف المجالات مع بعض الدول المركزية في الاتحاد الأوروبي لتنتقل بعد ذلك لباقي الدول.

إن النجاحات التي تحققت للسياسة السورية على الصعيد الأوروبي ما كان لها أن تتحقق إلا عبر تلك الاستراتيجية المبدأية لسورية وموقفها تجاه القضايا القومية والحقوق العربية ورفض التدخل الأجنبي في الشؤون العربية، وبشكل أوضح رفض الاحتلال الأمريكي ومقاومة سياسة الإملاءات في لبنان والشرق الأوسط. في ظل هذه المعطيات كان لابد من نقلة نوعية على صعيد ترسيخ الدور السوري والمكاسب المحققة لمدة زمنية طويلة وتعميق جذور الواقع الجديد والقدرة على مواجهة مستجدات ليست في الحسبان حيث لا أمان واستقرار طالما بقيت السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل والمجافية للحقوق العربية وكذلك التطرف الصهيوني ورفض اسرائيل لعملية السلام واستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني، هذه النقلة عمل عليها الرئيس الأسد منذ قام بتأمين جبهة بلاده الشمالية مع تركيا الحليف الاستراتيجي السابق لإسرائيل ومركزاً جهد

سورية على الحدود الغربية في مواجهة اسرائيل والشرقية لمواجهة مستجدات الغزو الأمريكي للعراق.

إن مشروع التحالف السلمي بين سورية وايران وتركيا والعراق الذي رفضته الحكومة العراقية وقيادات ما بعد الاحتلال الأمريكي قد حظي بموافقة واهتمام تركيا وايران واعتمد في جوهره على ترسيخ السلام والامن والتعاون الاقتصادي بين هذه البلدان لتصبح زكيزة شرق أوسط جديد ومختلف عن ذلك الذي تسعى أمريكا وإسرائيل لتشكيله وكما هو واضح فالفرق يتلخص في الفرق بين منظومة تنتج عن الغزو والعدوان وأخرى تنتج عن الصداقة والتعاون والسلام، الفرق بين منظومة تقوم على أساس النهب والاستغلال بقوة السلاح وبشكل قسري ومنظومة تقوم على أسس المساواة والرخاء لشعوب المنطقة بغير إكراه.

هذا هو جوهر المشروع الذي تبناه وعمل له الرئيس بشار الأسد لحماية مكتسبات بلده وشعبه وأمته والذي قدم تفاصيله بما فيها طرق المواصلات وخطوط السكك الحديدية بين هذه البلدان والمشاريع المشتركة التي يمكن قيامها والانفتاح على بوابة أوروبا وآسيا والكثير مما يقال في التفاصيل المرتبطة بعملية الدمج بين اقتصادات هذه الدول وتعزيز العلاقات الثقافية بينها، وقد لاحظنا التقدم الهائل في علاقات هذه البلدان بعد طرح المشروع ولعل نتائج زيارة الرئيس الأسد الأخيرة لكل من طهران وأنقرة وكذلك زيارة رئيس وزراء تركيا لطهران وغيرها من زيارات المسؤولين في الدول الثلاثة تؤكد ما ذهبنا إليه في موضوح المشروع الاستراتيجي الذي تشكل سورية بقيادة الرئيس الأسد قاطرته وهمزة الوصل بينه وبين المنطقة العربية لفائدة كل العرب. وبقي أن نشير إلى مسألة رفض العراق وبعض العرب لهذا المشروع لنقول أن العراق لن يصبح سيد قراره مع وجود الاحتلال في العراق وأن عرب أمريكا ومشروعها في المنطقة لن يكونوا مع هذا المشروع الحضاري الذي يستبعد مشاركة الأمريكيين بل ويعتمد على خروجهم من المنطقة في الأساس. أما الموضوع الكردي فهو جزء من اهتمام البلدان الثلاثة لكنه لا يشكل أحد الأسس لقيام التحالف ذلك أن المسألة الكردية قديمة وكانت أكثر حدة في السابق. البناء بدأ يتشكل في أرض الواقع وبعد فترة سنجده مكتملاً وسيثني على مهندسه كل من يشاهده كما أثنى على نجاحات سورية وقيادتها كل من تابع وراقب كما ذكرنا في مطلع المقال، وسينجح المشروع رغم كل العراقيل والضغوط التي ستمارس لإفشاله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق