السبت، 31 أكتوبر 2009

الرساله الخامسة الموجهه للطليعه العربيه المؤمنه : كيف نبني الطليعه الجديده

علاء أسعد الصفطاوي

كيف نبني الطليعه المؤمنه الجديده ؟

سؤال وجيه وبديهي ..وحتى لا تحتار العقول ولا تتضارب الآراء ..، بدايه لابد أن ألف نظر القارىء الكريم أننا هنا نتحدث عن اعاده بناء مواصفات " انسان " جديد بكل معنى الكلمه ..إنسان يستطيع أن يحمل على عاتقه همّ أمته كلها .. وليس همّ قطر صغير بعينه ، ويتحمّل كل أعباء المرحله الخطيره القادمه ..انسانا لا يحمل قيما ومبادىء فقط ولا يتحلى بصفات..كالشجاعه والتقوى والنبل والنزاهه والزهد والايثار والحلم والغوث والتضحيه والفداء فحسب..بل يمارسها يوميا على الأرض ومع الناس وفي مواجهه النظام الرسمي الفاسد الذي استلب الناس حقوقهم وقهمر ارادتهم وغيّب علمائهم ومثقفيهم عن الحكم والقرار ..لذلك ..ولأن هذا الموضوع هو على درجه كبيره جدا من الأهميه اقترح على القارىء أن أحيل إحابه هذا السؤال على القرآن الكريم وهو الكتاب الذي اختاره لنا المولى عز وجل خالقنا ليشكل لنا منهجا كاملا متكاملا في حياتنا الى جانب السنه النبويه المطهره وهي التي ترصد أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الواقع المعاش على مدى ثلاثه وعشرون عاما ، لماذا القرآن والسنه النبويه ..حتى ترى ونستلهم الدرس كيف سطرت النماذج المؤمنه الأصيله الأولى حركتها في واقع الحياه وكيف تمكنت بقياده الأنبياء والرسل وأتباعهم من تغيير الواقع الفاسد وتحقيق الانتصار على قوى البغي والظلم والإفساد في كل العصور، فالقصص النبوي في القرآن لم يكن الهدف منه التسليه وقتل الوقت لا سمح الله ، وإنما النظر والدرس والقدوه والإعتبار..

الطليعه المؤمنه – مقدمه في شروط البنـــاء :

ما من نبي أو قائد رسالي أو ثوري إلا وبدأ دعوته ورسالته التغييريه وقد التف حوله في بدايه الدعوه مريدوه وأنصاره ورفاق دربه المؤمنين بدعوته.. ودون هذه المجموعه الطلائعيه الأولى لا يمكن الإنطلاق لإحداث التغيير الاجتماعي .. فالمجموعه الأولى تشكل طليعه النواه الصلبه للدعوه التغييريه ..وبها تقاد الحركات التغييريه في مرحله الثوره على الواقع وبتوجيهاتها تتجاوز الدعوه التغييريه المفاصل والمنعطفات التاريخيه لها باتجاه تحقيق الإنتصار.. وبهذه الطليعه تقاد الدول والمجتمعات بعد تحقيق النصر..لذلك كان حرص الدعوات والحركات التغييريه على تربيه وتأهيل واصطفاء هذه النخبه الفريده من الرجال حرصا شديدا ..فمن الضروري اختيار الرجال الأوائل بحرص شديد ، وأعداد النواه الأولى إعدادا يليق بجلال الأفكار والمهام والتبعات الثقيله الملقاه على عاتق الدعاه التغييريين .. إعدادا يتيح فرض أقصى درجات الطاعه والإنضباط داخل الإطر الحركيه وأعضائها المنتسبين للدعوه ..إعدادا يسلّح أعضاء الدعوه وطلائعها الأولى بزاد من التقوى والصبر والجلد واليقين والتفاؤل والتضحيه حتى آخر رمق .. ، و بشكل يهيأهم ويتيح لهم تحمل مشاق الدعوه وعثراتها وعدم التساقط في منتصف الطريق ، إعدادا لا يدخر طاقه ولا يوفر جهدا ولا يغفل عن وسيله ولا أداه الا واستقدمها واستعان بها وأدخلها في سياق ذخائر الدعوه ليستفاد منها عند الحاجه ..إعداداً يُستعان من خلاله بأسس التقدم العلمي وآخر ما توصل اليه العلم والمبتكرات الحديثه من تقنيات واختراعات وأدوات علميه معرفيه ليس فقط كي تخدم الأمه وطلائعها التغييريه في معركه الإعداد الطويله بل كذلك لتكون أرضيه صلبه لتأسيس البنيه التحتيه النواه للصناعه الوطنيه التي تسعى للإكتفاء الذاتي والإستقلال عن أعداء الأمه الحقيقيين الذي نصادقهم ونواليهم اليوم من الغرب في كافه مناحي الحياه ..والإستغناء عن آلاته وأدواته وأسلحته التي لم يقدمها يوما لعيون الأمه مجانا إلاّ ليسمح من خلالها للحاكم الذي يواليه من أن يطحن من خلالها عظام معارضيه سواء كانوا ليبراليين أو اسلاميين أو قوميين ، أو يطارد بها أخلص مجاهدي الأمه أو يشارك من خلالها في معارك ضد الأشقاء رُسمت خططها في ثكنات الجيوش الغربيه والإسرائيليه.. ينبغي على الطليعه المؤمنه الجديده وهي تسعى للوصول الى أهدافها أن تعد العدّه كاملاً .. إعدادا لا يغفل عن أي عنصر من عناصر الإستنهاض والتفوق والقوه الماديه والمعنويه إلاّ وأخذ به .. اعدادا لا يسمح بالمطلق بأن يدخل الى صفوف الدعوه من قد يشكل في يوم من الأيام عبئا عليها ..أو يصبح عقبه أمام المشروع التغييري برمته ، إعدادا يأخذ بعين الاعتبار وضع نظريه تربويه جهاديه متكامله لتربيه النشأ وإعداد الطلائع المجاهده وتدريبهم ميدانياً بشكل متواصل وصناعتهم على عين الله .. وزرع بذور التضحيه والفداء ونكران الذات في عقولهم وضمائرهم استنادا لشروط البيعه مع الله عز وجل باعتبار أن الشهاده في سبيل الله هي أسمى أماني المسلم الطلائعي الرسالي .. وبعدها .. ، لن يكون مهما ماهيه العدو الذي يراد مواجهته ولا نوعيه السلاح الذي بحوزته ولا عدده ولا عدته .. فشروط تحقيق النصر التي وعدها الله لعباده في القرآن شرطان لا ثالث لهما الأول : شرط معنوي يتمثل في إخلاص النيه والعمل والغايه لله عز وجل إخلاصا لايّشرَك به أحدا وثانيها الإعداد..الإعداد المادي والمعنوي على قدر الإستطاعه من القوه ومن رباط الخيل مصداقا للآيه ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوه ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين ..) وهي مفاهيم واسعه وجليله تكاد تصل الى كل مفرده من مفردات الحياه السياسيه والإجتماعيه والثقافيه والعقديه والماديه ..وبعد اكتمال تحقيق هذين الشرطين في واقع الناس .. كان حقا على رب العزه جل وعلى أن ينصر جنده المجاهدين ويُنزل رحمته بعباده المؤمنين العاملين مصداقا للآيه الكريمه: ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ..ولنا في قصه طالوت وجالوت ومعارك الاسلام البطوليه في بدر وأحد والخندق واليمامه وحطين وعين جالوت وغيرها كل الدرس والعبره .

ينبغي على أبناء الطليعه المؤمنه الجديده أن يتيقّنوا من حقيقه أساسيه وهي أن كل تأخير في إنجاز أهداف الحركه التغييريه وتحقيق الإنتصار يرجع في الأساس الى عدم تحقق أحد هذين الشرطين أو كلاهما بعناصرهما التفصيليه المتفرعه عنهما في واقع الطليعه المؤمنه وفي دنيا الناس .. الأمر الذى يستدعي من قياده الحركه ومفكريها اجراء مراجعه تقويميه دوريه مستمره للأداء العام بغيه معرفه الأخطاء واستكشاف مواطن الخلل ومعالجتها والاستفاده الدائمه من خلاصاتها وعبرها ،،

ولا شك أن هناك مدارس فكريه عديده أسست لفكره الطليعه التغييريه الأولى وكيفيه تشكيلها استنادا الى تجارب عشرات الشعوب والدول منذ ميلاد الإنسان على هذه الأرض.. ولكني لم أجد أبدع ولا أروع ولا أجمل ولا أكمل من تجربه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار في تشكيل الطليعه المؤمنه ..فهي التجربه الخارقه التي استندت أساسا الى توجيه رباني أولا ثم الى أداء بشري فريد من نوعه ثانيا .. لتشكل في عمومياتها مثالا رائعا وأنموذجا فذاً لذلك الجيل الفريد وللأجيال اللاحقه من بعده وقدوه و منهاجا حركيا وسلوكيا قويما يصلح للقياس عليه والسير على نهجه في كل زمان ومكان ..ليس فقط بالنسبه لأبناء الطليعه الحركيه بل لكل ماتعلق بشئون الدين والدنيا .. فقد شكل عليه الصلاه والسلام هو وصحبه الكرام مدرسه حركيه وسلوكيه كامله للحياه ..وأعترف أنني استفدت أيّما استفاده من كتابين جليلين قراتهما قبل خمسه عشر عاما وأعدت دراستهما من جديد الأول بعنوان (المنهج الحركي للسيره النبويه) للأستاذ القدير "منير محمد الغضبان" والثاني بعنوان ( فقه السيره النبويه) للدكتور العلامه الشيخ " محمد سعيد رمضان البوطي" .. الى جانب كتاب هام ثالت لا يقل أهميه عن السابقين وهو كتاب ( زاد المعاد في هدى خير العباد) للعلامه الفقيه المحدث بن قيم الجوزيه جزاهم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ولا أنسى الكتاب الرائع والكنز الذي لا تحصى جواهره للشهيد الأستاذ / سيد قطب رحمه الله "في ظلال القرآن ".. لذلك أُحيل من أراد أن يستزيد في هذا الموضوع الى هذه الكتب الجليله ..وفي الرساله السادسه التاليه سنناقش انشاء الله بتفصيل أكثر أهم الملاحظات التي سجلتها حول مجمل التجربه الحركيه النبويه للاستفاده في تطبيقها قدر ما أمكن في الواقع الحالي والمعاصر ..ولكني فقط ألفت هنا أن مسيره الحركه التغييريه في المجتمعات ..هي سنه للكون وليست نشازا عنه ..وأن من ارتضى لنفسه أن يكون نشارزا عن هذا الكون وقوانينه فعليه أن يستمر في نومه ملء الجفون فيما يذبح أبناء الأمه كل يوم وتنتهك حرماته ..وتسرق خيراتها ,,يحاصر مخلصيها ..وتدمر بناها التحتيه ويعربد أسوأ أبناء الأمه وهم القله ليست فقط المندسه بل المارقه والمجرمه .. والله عز وجل يقول بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ويقول كذلك : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) ..ينبغي حقا منذ اليوم أن نحول أيامنا كلها الى عطاء وكدح وعمل ..وفقا للآيه الكريمه : ( يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ) ..،ومن أراد أن يستمر في النوم فأولى بالأمه أن تقذف به وبأمثاله الى أقرب مجمع نفايات ..وحسبنا في كل ذلك أننا نبتغي وحه الله عز وجل ورضوانه وجنه عرضها السماوات والأرض ..نعم إن سلعه الله غاليه ..ألا إن سلعه الله الجنه ..ولن يفور بها حتما النوّم في أحضان نسائهم ولاالركّع لبني صهيون وأسيادهم في البيت الأبيض .

موعدنا غدا إن شاء الله مع الرساله السادسه قبل الأخيره للطلائع المؤمنه .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق