السبت، 30 يناير 2010

الفساد والاحتلال : منظومة متكاملة"


  معن بشور
            حين يعلن المسؤولون في أكثر من دولة أطلسية أرسلت قواتها إلى أفغانستان للمشاركة في احتلال بلد آسيوي مسلم عصّي على الهيمنة الأجنبية إنهم لن يرسلوا أموالاً إلى حكومة كارزاي بسبب الفساد المستشري هناك، وحين تكشف شهادات "لساسة" عراقيين ساهموا في تمهيد الأجواء لاحتلال بلدهم عن حجم الفساد في عراق ما بعد الاحتلال، وحين تنضح الصحف الأمريكية وتقارير المحاسبة في الكونغرس بفضائح شركات أمريكية كبرى في صفقات عقدتها مع الحاكمين بقوة الاحتلال في بغداد، ألا يحق لنا أن نسأل عن عمق العلاقة العضوية بين الوجود الاستعماري الخارجي وبين ظاهرة الفساد الداخلي...
          وحين نلاحظ استشراء الفساد في الأنظمة الخاضعة للنفوذ الأمريكي أو الأجنبي في ضوء معادلة بسيطة تقول انه كلما ازداد ارتهان الحاكم للاملاءات الخارجية كلما ازداد تورطه في الفساد على حساب شعبه وموارد بلاده، أليس من حقنا ان نتحدث بعد ذلك عن علاقة وثيقة بين الفساد كمنظومة سلوك عالمية وبين النفوذ الأجنبي كوسيلة لهيمنة خارجية على مقدرات الأوطان وإراداتها واستقلالها.
          فإذا لم يكن هناك من رادع وطني أو قومي أو أخلاقي يردع أهل الفساد عن بيع وطنهم، وعن الإذعان لمشيئة المحتل وإملاءاته طمعاً في مال أو جاه أو في الأمرين معاً، فماذا يردع هؤلاء إذن عن استباحة موارد بلادهم وثرواتها وأموالها العامة والخاصة لتكتمل معهم دورة الكسب غير المشروع.
          فمقاومة الفساد إذن لا تنفصل عن مقاومة الاحتلال ورفض الإذعان لإملاءات المحتل، بل هي عنوان آخر من عناوين أي مقاومة تسعى لحرية شعبها واستقلال بلدها ولنشر العدل في مجتمعها والعالم، ذلك إن الفساد ليس مجرد شهوة بشرية لجمع الثروة بطرق غير مشروعة فحسب، بل هو منظومة سلوكية متكاملة تمهد للاحتلال والهيمنة، ولبقائهما طويلاً، كما أنها منظومة تقوم على توزيع الفتات على الفاسدين من أهل البلاد لكي يتمكن المستعمرون من نهب خيرات الشعوب ومواردها.
          ولا نكون مغالين أبداً إذا اعتبرنا أغلب المتورطين في الفساد عملاء علنيين او سريين لمشروع الاحتلال والهيمنة الأجنبية، واعين لما يفعلون او غير واعين، كما لا نكون متعسفين حين نرى أن الطريق لمكافحة الفساد هو ذاته الطريق لنيل الاستقلال او تحصينه.
          ولا نكون مغالين أبداً إذا اعتبرنا أن الفساد هو خطر يتهدد الأمن القومي للأمم، تماماً كما هو خطر شبكات التجسس والسماح بقيام قواعد عسكرية أجنبية وتسهيل احتلال دول مستقلة، وبالتالي فان مكافحة الفساد بكل أشكاله هو جزء من تحصين الأمن الوطني والقومي للدول والأمم على حد سواء.
          وحين يضطر المحتل الى نفض يده من بعض الفاسدين من أعوانه الذين انكشف أمرهم، يسارع هؤلاء الى مراجعة سادتهم بالقول: ألا نستحق نحن مكافأة على خدماتنا لكم، ألم نساعدكم بسرقاتنا المحدودة على ارتكاب سرقاتكم غير المحدودة" فيجيبهم أسيادهم بقسوة: التزموا اصمت وإلا سنفتح كل ملفاتكم ونتخذ بحقكم كل "الاجراءات".
          " شجعوا الفساد في المجتمعات والدول، فبذلك تضعفون مناعتها الوطنية والقومية وتمهدون الطريق أمامنا"  تلك واحدة من القواعد الرئيسية للاستراتيجية الصهيونية الجهنمية التي يجري تطبيقها في فلسطين، وعلى امتداد الأمة، إذ كلما اقترب "الزعماء" من ممارسة الفساد، كلما بات ممكنا للصهاينة وحلفائهم اختراق الإرادة الوطنية وكسب "الانصار" بين "المسؤولين"، وتحويلهم الى جلادين بحق شعوبهم.
          أفكار تستحق ان نتأمل بها طويلاً وان نستخرج منها الدروس المناسبة والعبر الضرورية، ونتعرف على مكامن الخلل الوطني والقومي الناجم عن الفساد، وليس فقط الخلل الإداري والهدر المالي والانحلال الخلقي الذي يشيعه الفساد وينمو في ظِله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق