الجمعة، 19 فبراير 2010

52 عاما على الوحدة المصريّة السوريّة المغدورة: الوحدة مازالت حلم الأمّة وخلاصها


يوم 22 فيفري تحلّ الذكرى الثانية والخمسون للوحدة المصريّة السوريّة. وهي أوّل تجربة وحدويّة عربيّة في العصر الحديث. ولكنّها إلى ذلك أوّل فشل يواجه التجارب الوحدويّة الكثيرة التي عرفتها أقطارنا العربيّة على مدى الخمسين عاما الماضية. وهو فشل ترك من المرارة والشعور بالإحباط ما جعل حلم الوحدة الذي سكن أجيالا من العرب يبدو تصوّرا طوباويّا أو عبث مراهَقة، وجعل الإقليميّين يضخّمونه لينفّروا الشباب العربيّ من الوحدة ويغرقوهم في مهاوي التجزئة وجدران الدول القطريّة.
"رائدة ومغدورة".. تلك هي الوحدة المصرية ـ السورية.
كانت مغدورة حقّا لأنّنا ما زلنا نعتقد أنّه كان بالإمكان حماية تلك التجربة الوحدويّة من أعدائها الظاهرين، وممّن كانوا يتربّصون بها الدوائر ويكيدون لها بالتواطؤ مع الجهات الأجنبيّة.. وكانت كذلك مغدورة من الجماهير التي طالما حلمت بها لأنّها كانت ترى فيها خلاصها من الاحتلال والقهر والتسلط، لكنّها لم تفعل شيئا عندما هوى عليها أعداؤها بمعاول الهدم والخراب.
لقد تمّ اكتساح الحدود الإقليميّة بين سوريا ومصر بضربة واحدة، فخرجت الجماهير العربيّة داخل الحدود الإقليميّة الجديدة للجمهوريّة العربيّة المتّحدة وخارجها تعلن تأييدها للوحدة ولقائدها الزعيم جمال عبد الناصر. وكان واضحا للجميع أنّ وحدة الإقليميْن مستهدفة قبل الإعلان عنها، وأنّ أعداء الداخل والخارج لن يقبلوا بحدث على هذه الدرجة من الخطورة على مصالحهم وامتيازاتهم.
من الإنصاف أن نقول إنّ أخطاء كثيرة شابت تجربة الوحدة المصريّة السوريّة لعلّ أبرزها أنّه لم يتمّ تحويل الطاقات الكامنة في الجماهير واندفاعها نحو الفعل الوحدويّ إلى عمل خلاّق يُكسب الوحدة جهاز مناعتها الضروريّ ويصبح درعا واقيا لها من الأنواء القادمة. ولذلك فإنّ حماس الجماهير للوحدة وتغنّيها بها وتعليق آمالها عليها وصدق وطنيّتها وولائها القوميّ.. كلّ ذلك لم يكن كافيا لحماية دولة الوحدة.
يوم 28 سبتمبر 1961 حدث الانفصال، ومشى أنصار التجزئة مزهوّين بنصرهم.. وزعم آخرون أنّ قصور المشروع القوميّ تنظيميّا وفكريّا كان سبب الانفصال ومبرّره، رغم أنْ لا شيء.. لا شيء على الإطلاق كان يبرّر الانفصال لأنّه في المحصّلة النهائيّة نكوص وارتداد واصطدام مع حركة التاريخ.
بعد الانفصال تحوّلت الدولة القطريّة إلى مؤسّسات ضخمة تقف حاجزا أمام الوحدة وأمام الحريّة، وكان لا بدّ أن تتحوّل بالضرورة إلى قلعة لمحاربة الفكر القوميّ واجتثاث الوحدويّين واصطناع العملاء. ذلك أنّ القطريّة هي الحليف الطبيعي الموثوق للاستعمار، وهي الضمانة الأقوى لبقاء الأمّة في حالة شلل وعجز عن مواجهة المشروع الاستعماريّ بكل أشكاله وأدواته.
إنّ الإقليميّة كانت وما تزال النقيض الرئيس للقوميّة. ولأنها ثمرة عدوان غير مشروع ممثّل في الاحتلال الذي جزّأ وطننا فإنّها كذلك غير مشروعة. وربّما لهذا السبب فإنّ كلّ التسويق الإعلاميّ والثقافيّ والتربويّ والسياسيّ للدولة القطريّة لم ينجح، بل اصطدم بواقع الخيبات وانصراف جماهير الأمّة عن أطروحاتها. ورغم كلّ محاولات التشكيك والاتّهام التي طالت التجربة الناصريّة وتجربة الوحدة المصريّة السوريّة فإنّ عورات الإقليميّة كانت تنكشف تباعا في كلّ مكان من الأرض العربيّة. وعجز الإقليميّون بأفكارهم وأقلامهم وحكوماتهم أن يقدّموا للجماهير العربيّة بديلا ناجعا. بل استمرّ مسلسل الانهيارات وتتالت الخيبات وتعمّق التخلّف وتحرّش بنا الضعيف قبل القويّ..
وها نحن اليوم نقف على خطوب جديدة تقودنا إليها الإقليميّة، فمع تراجع المشروع القوميّ وانكفاء الحلم بالوحدة بدأت أعراض كثيرة لأزمات قادمة تنهش جسد الأمّة العربيّة. فقد بدأت العصبيّات القطريّة تتحلّل لتنجب مسوخا جديدة: عصبيّات طائفيّة ومذهبيّة وعرقيّة وجهويّة و.. يسعى مروّجوها وأنصارها إلى تحويلها إلى حقائق جديدة، وإلى إجبارنا على تجرّع مرارتها وسمومها.
لكلّ هذه الأسباب فإنّ الوحدويّين العرب مدعوّون إلى إعادة هدف الوحدة العربيّة إلى الصدارة بين أهدافهم القومية، وتجديد الترابط الوثيق بينه وبين كل أهداف الأمّة في الحريّة والاستقلال والعدل الاجتماعيّ والتنمية المستقلة والديمقراطيّة والتجدّد الحضاري حتّى يكون أمننا القومي مصانا، وتتوفّر للأجيال القادمة سبل العيش والحرّيّة والعزّة..
عبد الكريم بن حميدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق