الجمعة، 19 فبراير 2010

وحدة لا يغلبها غلاب


شوقي عقل
  تمر هذا الشهر الذكرى الثانية والخمسين للوحدة المصرية السورية، لايستطيع من شهد تلك الأحداث الا أن يذكر تلك الأيام، كان ضياع فلسطين مازال قريبا بعد،  ولا يصدق أحد ماحدث. كانت معركة السويس قد انتهت بنصر سياسي لعبد الناصر، والأحلام كبيرة، سيقوم العرب قومة رجل واحد، وتجتاح الجيوش العربية شراذم الصهاينة، وتعود فلسطين كما كانت، عربية، ويعود أهلها الذين كانوا منتظرين يوم العودة في المخيمات على حدودها، ويبكي االرجال مع صوت عبد الوهاب: أخي جاوز الظالمون المدى، وهم واثقون أن ساعة التحرير والعودة قد حانت، وتسير الجماهير العربية تهتف من المحيط الهادر الى الخليج الثائر: لبيك عبد الناصر. انتهت تلك الاحلأم الى كوابيس لم يصل إليها خيال أشد الناس يأسا وتشاؤما: فبعد مطلب تحرير فلسطين، كل فلسطين، أصبح المطلب القومي الملح فتح المعابر لإدخال الطعام والدواء إلى الشعب المحاصر في غزة، وبدلا من الوحدة الشاملة لكل الأقطار العربية، أصبحت التجزئة والتفتت يهددان السودان والعراق واليمن، والحديث يدور عن خطط لتقسيم دول عربية أخرى حتى مع كونها ترتبط برباط وثيق مع الصديق الأمريكي، ففي عالم السياسة لا حديث إلا للمصالح، تقسيمات على أسس طائفية ودينية وعرقية، لينمو عدد الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية بلا نهاية، وبلا قيمة كما هو حاصل الآن. والخلافات العربية – العربية لا نهاية لها، بدأت بخلافات سياسية مابين قومي ومحافظ، اشتراكي ورأسمالي، شرقي وغربي، وانتهت الى خلاف كروي، تجيش له القوى وتذاع الأغاني الحماسية في الإذاعات، وتعقد مجالس الأمن القومي! تعبير دقيق عما أصبحت تساويه الأمة العربية في عهدها الزاهي: إنه لاشيء.  
تدمر الولايات المتحدة الحدود السياسية للدول في سعيها للسيطرة على العالم، تقتحم الحدود الاقتصادية والحواجز الجمركية بمجموعة النظم والاتفاقات الدولية مثل إتفاقية التجارة الحرة (الجات) وتقوم رؤوس الأموال المنقضة كالعاصفة بالقضاء على أية إمكانية للإستقلال الحر لاقتصاد الدول، وهي حركة تتم عبر شاشات الحواسب الآلية دون أن تبالي بالحواجز الجمركية أو بسيطرة وسيادة الدول على اقتصادياتها. ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة تدمر الحدود السياسية للدول وتفتتها الى كيانات أصغر فأصغر، حدث هذا في الإتحادالسوفيتى ويوغسلافيا والعراق، ويؤدي وجودها العسكري والسياسي والإذلال الذي تمارسه على الأنظمة الحاكمة في دول العالم الثالث بإجبار تلك الأنظمة على القبول بسياسات تخالف توجهات شعوبها الوطنية، وتشجيع قوى معارضة تم تربيتها وإعدادها في الدهاليز الخلفية لواشنطن كي تقوم بدور القادة السياسيين لشعوب لا تكن لهم سوى العداء والاحتقار، يشجع كل تلك العوامل على نمو الجماعات الجهادية المستقلة عن سلطة الدولة المحلية، وتزايد قدرة تلك الجماعات على خلق وايجاد مناطق محررة لاتخضع لتلك السلطة، أي باختصار تفتيت الدول القائمة بدلا من ضمها لتشكيل كيان قومي، وتدمير بنيتها السياسية الى كيانات أصغر فأصغر كما حدث بالصومال والسودان والعراق، وكما حدث في مصر والجزائر ولبنان بدرجة أقل،  إنه عالم السوق، عالم القطب الواحد الذي لا مجال فيه للدول القومية أو المستقلة إقتصاديا وسياسيا، إلا بشروط من نافلة القول أن نذكر أنها لا تتوافر في النخب العربية الحاكمة.    
حققت أوروبا وحدتها، وحدة لا تقوم على مشاعر روح القبيلة أو اللغة المشتركة أو الدين المشترك، إذا اعتبرنا التعدد الطائفي داخل الديانة المسيحية بين الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية مانعا لوحدة تقوم على أساس ديني، بل وحدة تقوم على أساس من مصالح اقتصادية محددة وعلى تقارب في مستوى الدخل الفردي ومستوى التقدم التقني والحضاري والثقافي، فهي وحدة دول ما بعد انتهاء عصر القوميات، إنها أوروبا المتقدمة نتاج عهود من استعباد واستغلال شعوب العالم الثالث.
يختلف الوضع في المنطقة العربية التي تضم جنبا إلى جنب دول تتمتع بأعلى مستويات الدخول في العالم، وأخرى من أقل تلك الدخول، دول تتمتع بوفرة مالية مدخرة للأجيال القادمة وأخر ترزأ تحت وطأة عجز مزمن، فكانت النتيجة الحتمية قيام الحواجز الإدارية والجمركية بين تلك الدول،  تباين إقتصادي واجتماعي وثقافي عميق يمنع أي تفكير جاد في تحقيق الوحدة العربية،  لن يحل بالحديث الحماسي عن وحدة اللغة والمشاعر والدين الواحد، ولا برفع الرايات وتذكر الأحلام  القديمة والأمنيات الطيبة.
ورغم التوحد السياسي للنخب العربية الحاكمة، ضمن البرنامج المحدد للقطب الأعظم، فإن الحواجز الإدارية والسياسية لم تقل، بل على العكس فقد زادت كنتيجة طبيعية لضعف تلك النخب وقسوتها في التعامل الأمني والشرطي مع شعوبها، وفي سبب أساسي منه- كما اسلفت -التباين الإقتصادي الكبير.
إن مشاعر الانتماء الى الأمة العربية لاشك فيها، وهي المشاعر الدافعة للرغبة العارمة لدى الشعوب العربية عبر تاريخها لتحقيق الوحدة، وهي تحلم أن تعود الدولة العربية الواحدة التي تحققت لبرهة من الزمن، امتدت حوالي مائتي سنة من منتصف القرن السابع الى منتصف القرن التاسع الميلاديين، وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي قامت فيها تلك الوحدة.
 مشاعر الانتماء تلك هي التي جعلت من قضية فلسطين وتدمير العراق قضية تهم كل العرب، مثلها مثل باقي القضايا العربية المصيرية، والوحدة العربية - في حال تحققها -هي الإطار المادي الملموس لذلك الانتماء القومي، وهو إطار من المستحيل تحقيقه أو إنجازه - كما بينت - في عالم اليوم، وتصبح الدعوة إليه من قبيل الأوهام الساذجة ويتضمن قدرا من خداع الجماهير التواقة لتحقيق تلك الوحدة، أو على أحسن الفروض خداعا للذات بأحلام لا تقف على أرض صلبة، ولكنه على كل حال يظل حلما قد يتحقق في زمن آخر تكون فيه حال الأمة وحال العالم غير ماهو عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق