الثلاثاء، 16 فبراير 2010

اتخاذ العبر من جريمة اغتيال الشهيد المبحوح



أ.د. محمد اسحق الريفي


إن اغتيال القائد الشهيد محمود المبحوح هو اغتيال للشعب الفلسطيني كله، ولكل شرفاء أمتنا العربية والإسلامية، وهي جريمة نكراء فيها الكثير من العبر التي يجب على أساسها وضع محددات جديدة لعلاقاتنا نحن العرب والمسلمين مع الغربيين، مثلما غيرت أحداث برجي مركز التجارة الدولي في 9/11/2001 العالم كله، وانعكست على علاقاتنا بالغربيين.
لقد قامت الدنيا ولم تقعد بسبب حادثة البرجين بمدينة نيويورك في 2001، رغم وجود أدلة قوية على أنها حادثة مدبرة، تورط فيها الموساد والسي آي إيه، واتخذها الغربيون وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة لمعاداة العرب والمسلمين، فشنوا عليهم الحروب، واستباحوا دماءهم وأعراضهم وأوطانهم وكرامتهم وحقوقهم، في العراق وأفغانستان والصومال وباكستان، وفي كل مكان يتواجدون فيه، وذلك في إطار حرب شنها الصليبيون الجدد، ومعهم الصهاينة، على أمتنا العربية والإسلامية، سموها "الحرب على الإرهاب".  وعاملوا كل عربي ومسلم يقيم في البلاد الغربية، أو يزورها، أو يتنقل بين دول العالم، عبر الموانئ والمعابر والمطارات، على أنه إرهابي، فأصدروا قوانين جائرة بحقه، تنتهك حقوقه وتمتهن كرامته، وأباحوا لأنفسهم التجسس عليه، واعتقاله لمجرد الاشتباه به دون أية أدلة، ومصادرة حقه في حرية التعبير، ومنعه من القيام بأنشطة مشروعة وقانونية لصالح الأمة العربية والإسلامية.
فعندما يدخل العربي والمسلم المطارات الأوروبية والأمريكية، يتم عزله عن الآخرين، ويعامل معاملة قاسية، وكأنه مجرم جاء للقتل والتخريب، ويتعرض لعملية إذلال وإهانة مقصودة، ويتم تفتيشه حتى الملابس الداخلية والجوارب، أمام المسافرين جميعاً، ويفتح له ملف خاص، ويستجوب بتعسف شديد، وتأخذ بصمات أصابعه بطريقة مذلة، وتأخذ صورة رقمية له رغم أنفه، ثم تبدأ أجهزة المخابرات بمتابعته والتنصت عليه وعد أنفاسه.  هكذا يعاملنا الغربيون، بسبب اتهام مجموعة من العرب والمسلمين بالتورط في أحداث نيويورك.
وأمام جريمة اغتيال الشهيد المبحوح، التي ثبت تورط فرنسيين وألمانيين وأيرلنديين وبريطانيين فيها، الذين بلغ عددهم أحد عشر أوروبياً، وغيرها من جرائم الاغتيالات التي حدثت في لبنان وقبرص ومالطة والأردن، وسوريا، وغيرها، وضلع في تنفيذها غربيون، ناهيك عن عمليات التجسس لصالح العدو الصهيوني، فإن العرب والمسلمين جميعاً بحاجة إلى مراجعة حساباتهم وطريقة تعاملهم مع الغربيين، الذين يأتون إلى بلادنا العربية للإفساد والاغتيالات والتجسس.  ونحن أيضاً بحاجة ماسة إلى سد كل منافذ وثغرات التطبيع مع العدو الصهيوني، وقطع الطريق على العدو الصهيوني إلى تحويل بلادنا العربية والإسلامية إلى مسرح دموي لأجهزة مخابراته، وأجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية، يسفكون عليه دماء الأحرار والشرفاء من أبناء أمتنا، في إطار ما يسمى "عولمة الأمن"، والتي بدأت تتبلور بشكل واضح وتتخذ أبعاداً خطيرة جداً على العرب والمسلمين، والتي جاءت جريمة اغتيال الشهيد المبحوح ثمرة خبيثة لها.
صحيح أن هناك فروق بين حادثة نيويورك وجريمة اغتيال الشهيد المبحوح، ولكن هذه الفروق تزول وفق معايير تحديد مفهوم الإرهاب، حتى من منظور غربي، وبالنظر إلى حجم مشاركة الغربيين في هذه الجريمة، ووقوف دول غربية وراءها، إلى جانب الكيان الصهيوني وبعض الجهات الفلسطينية العميلة، فالمقصود بجريمة اغتيال الشهيد المبحوح ليس هو شخصياً فحسب، وإنما غزة بأكملها هي المقصودة، ومليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون محاصرين مسجونين فيها، ومن ثم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، دون تقليل من قيمة هذا القائد الفذ ودوره العظيم في الدفاع عن فلسطين وشعبها، فقتله جاء في إطار الحرب على المقاومة الفلسطينية، وإحكام الحصار على غزة، ومنع وصول السلاح إلى المقاومين والمجاهدين فيها، ومحاولة إجبارها على الاستسلام.
إنها جريمة إرهاب كبرى تستهدف مئات ألوف الأبرياء في غزة، الذين يهددهم العدو الصهيوني، على مرأى من العالم ومسمع، بحرب صهيونية جديدة، لسفك دماء الأطفال والنساء والرجال والشيوخ.  وهذا سبب كافٍ لتغيير طريقة تعاملنا مع الغربيين الذين يتجسسون علينا ويفسدون في بلادنا ويغتالون شرفائنا وأحرارنا المخلصين لأمتهم.

16/2/2009



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق