الثلاثاء، 16 فبراير 2010

ايران والعرب والاستعداء الغربي الصهيوني


محمود عبد الرحيم:
كلما تابعت الرئيس الايراني احمدي نجاد في تصريحاته القوية ومواقفه الثورية ومظهره  البسيط المتواضع والواثق في نفس الوقت ،علاوة على خلفيته الاجتماعية والسياسية اتذكر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بكاريزميته وحسه الوطني التحرري،وكلما امعنت النظر في الموقف الغربي والصهيوني من المشروع النووي الايراني، يتداعى الى ذهنى ما جرى مع مصر حين حسمت امرها ،ورفضت الوصاية الاستعمارية ،وقررت الاعتماد على الذات لبناء نهضتها ،وشرعت في تأميم قناة السويس لتمويل بناء السد العالي والدخول الى مرحلة التصنيع، وما واجهته من ضغوط تجاوزت الحصار الاقتصادي والحملات الدعائية السوداء الى المواجهة العسكرية فيما عُرف ب"العدوان الثلاثي" الاسرائيلي البريطاني الفرنسي.
فرغم المسافة التاريخية بين الحدثين، الا ان التشابهات قائمة ، سواء ما يتعلق ببروز زعيم وطني يسعى لمصلحة شعبه وتحريرها من التبعية ، واتخاذ مواقف واضحة تجاه القوى المعادية وتحديدها جيدا، ودعم القوى المناوئة لها لاستنزافها
وكسر شوكتها ، أو نهج الرهان على الداخل وحشد الطاقات الذاتية، لاحداث نهضة شاملة مستقلة ،وبناء قوة تحميها من اي استهداف.
ويبدو جاليا الاستعداء الغربي لاي مشروع وطني ذي طابع استقلالي، ووجود المشترك "الاسرائيلي" العدواني في الحالتين، بل ونفس الخطاب ونفس الاتهامات تقريبا التى كان اخرها توصيف وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون لايران نجاد"بديكتاتورية عسكرية" الاقرب الى   مفردات رئيس الوزراء البريطاني ايدن باتجاه مصر ناصر.
من هنا فان التحركات الامريكية الواسعة في المنطقة العربية والتحريض الاسرائيلي المعلن باتجاه ايران لجهة مزيد من تشديد العقوبات عليها ،أو استهدافها عسكريا لعرقلة برنامجها النووي يدفعنا كعرب الى النظر بارتياب شديد لمثل هذه الجهود الشريرة التي تصب في خانة بقاء الكيان الصهيوني القوة النووية الوحيدة في المنطقة ،وعدم ايجاد قوى اخرى تخلق حالة من توازن القوة التى في الاخير اذا احسنا استغلالها فستصب في خدمة مصالحنا القومية.
ليس معقولا ولا مقبولا ان ننساق وراء الضغوط الامريكية والدعايات الصهيونية
ونتخذ من ايران عدوا ،ونتغاضي عن العدو الحقيقي للامة العربية ، في حين ان منطق العقل والمصلحة يقول بضرورة الانفتاح على هذا القوة الاقليمية المهمة،

وايجاد صياغة لارضية مشتركة ،وربما لتحالف استراتيجي ،خاصة ان ثمة ما يهيئ لمثل هذه الخطوة من جوار جغرافي ومشترك ثقافي وعقائدي ومصالح متقاطعة وعدو واحد"اسرائيل" وامريكا.
والاهم من ذلك وجود استعداد واضح لدى الجانب الايراني للتقارب مع العرب ،عكسته مبادرات متتالية تتواصل منذ  سنوات ،وشهدت ذروته ابان حكم الرئيس السابق محمد خاتمي، فضلا عن التطورات الداخلية والتفاعلات الاقليمية والدولية التى جعلت ايران اكثر براجماتية وواقعية ،وانهت حقبة تصدير الثورة الايرانية  تلك النقطة التى كانت تثير مخاوف كثيرين.
والسؤال الذي يجب ان نطرحه على انفسنا.. ايهما اكثر خطرا علينا وعلى مصالحنا في الحاضر والمستقبل العدو الصهيوني ام ايران؟ ، وايهما اولى بان نسعى للتطبيع معها تل ابيب ام طهران؟
مثلما جربنا ان نمد ايدينا للكيان الصهيوني بالسلام ،ولم نجنى اي شئ سوى الخسران وضياع الكثير من الحقوق العربية و الكرامة العربية والارض العربية ،خاصة في فلسطين المحتلة، فلنفعل الشئ معه باتجاه ايران، ونرى ماذا سنحصد؟وفي تصوري ان الحصاد سيكون وفيرا وعظيما،ولنتخذ من تركيا نموذجا بانفتاحها على هذا المنافس الاقليمي القوى لها ،بدلا من استعدائه اوالسير كالعميان في ركاب الاجندة الصهيوامريكية ،  فانقرة تتصرف بذكاء وحنكة ورؤية ثاقبة ، تحركها مصالحها الوطنية الخاصة ، ومنطق التعاون لا التصارع العبثي والمجاني مثلما نفعل.
لقد احسن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حين تحفظ على الحملة العدائية الامريكية باتجاه ايران وضرورة التعاون الخليجي في فرض مزيد من الضغط عليها ، وعلى حليفها الدولي"الصين"، واشارته المهمة الى البرنامج النووي الاسرائيلي العسكري الذي يغض الجميع الطرف عنه ،ويركز فحسب على المشروع النووي الايراني الذي تشير كل الدلائل حتى الآن انه للاغراض السلمية ، غير ان هذا الموقف يحتاج الى تطوير ابعد من هذا بكثير، يتجاوز مسألة التحفظ الى الرفض الصريح للمطالب الامريكية العدوانية غير المبررة ، والعمل على رفض نشر الدرع الصاروخي في منطقة الخليج ،وصولا الى تدشين حوار عربي ايراني يزيل سوء الفهم والمخاوف بين الجانبين، ويرسم خارطة المصالح الاستراتيجية المشتركة ،سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي ، ولا بأس من اشتراك الجانب التركي الذي بات يراهن على محيطه الاسلامي اكثر من الجار الاوروبي ،وتأسيس تحالف استراتيجي ينهض بهذا الاقليم الغني بثرواته الطبيعية والبشرية ،ويجعله  قادرا على مواجهة التحديات والتهديدات،وينهي حقبة الهيمنة والنزعات الاستعمارية التى لازالت تهيمن على الذهنية الغربية.
فايران وتركيا لاشك انهما قوتان مهمتان حققتا انجازا ملحوظا  على اكثر من صعيد خلال سنوات قليلة ،و بالامكان ان يمثلا  الى جانب اقطاب العالم العربي  الرافعة للامة العربية التى تنتشلها  من الركود وحالة الموات التى لا تليق بها ولا بشعوبها ، وان كان هذا الامر يقتضي منا كعرب استحقاقات ديمقراطية عاجلة ،بالاضافة الى فك الارتباط بكل من امريكا واسرائيل التى تتعارض مصالحهما بكل وضوح ،بل وتتصادم مع مصالحنا الوطنية والقومية.
*كاتب صحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق