الأحد، 14 فبراير 2010

العراق: رسالة .. في مفترق الطريق


جهاد بشير
  2/14/2010
يقف العراق اليوم على مفصل الانتقال إلى مرحلة أخرى من مراحل تاريخه المعاصر، وعلى الرغم من أن المرحلة القادمة لن تكون حاصلة كما يطمح أبناء الشعب العراقي، تماماً مثل المراحل السابقة التي كانت مظلمة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، إلا أن ذلك يمثل مشاهد الحياة التي عاشها أبناء هذا البلد الواقع بين مطرقة الاحتلال وسندان الحكومات التي نصبها .
المؤشرات البارزة حالياً لا تنبئ عن تفاصيل معمقة ودقيقة للمرحلة القادمة لكنها على ما يبدو لا تختلف عن سابقاتها، فإذا حصلت علامات اختلاف فستكون بوجوه مقنّعة لم تُتقَن صناعةُ أقنعتها ما يجعل الكثير من تفاصيلها تبدو ظاهرة للعيان؛ وسبب ذلك أن الأساس الذي انطلقت منه وقائع المشهد السياسي العراقي هو العملية السياسية التي أنشأها الاحتلال والذي تعمّد صياغتها بهذا الشكل لدوافع مهمة بالنسبة له ترتبط ببنود برامجه ومشاريعه ليس على مستوى العراق فحسب وإنما على المنطقة كلها .
وفي مفترق الطريق ينعدم وجود بعض الإشارات سواء بفعل فاعل أو بسبب أن طبيعة المفترق المتحصلة ابتداءً من طبيعة المشهد تقتضي عدم وجود إشارات في مثل هكذا مكان ..!
المؤسف في القضية أن المشهد السياسي في العراق يسير ضمن إطار مخطط الاحتلال وكلما حاول أبناء الشعب العراقي التعبير عن استيائهم وغضبهم بصورة عملية قطع الطريق عليهم ذراع الاحتلال الأضخم وأعني به الحكومة التي هي بطبيعة الحال الأداة التنفيذية الأساس لبنود كثيرة من برنامج الاحتلال فهي أولاً مرتبطة به وجوداً وعدماً، وثانياً تدين له بالولاء الذي ألزمها بعمل ما لا يمكنه هو أن يفعله بصورة علنية لإعتبارت وضعتها الإدارة الأمريكية تتعلق بمسائل دولية أو قانونية من أجل إضفاء الشرعية على البرامج والمخططات التي تنطلق منها مشاريعه في العراق، ولهذا فإن مصلحة الاحتلال والحكومة في التغاضي عن عدد من الركائز التي وضعت في عمليتهم السياسية وتعمد إزالة الكثير من إشارات الطريق مصلحة كبرى متبادلة في الوقت الحالي على أقل تقدير .
ومن هنا فإن حكومة المالكي الحالية وإن كانت هي غير شرعية أصلاً من منظار القوى المناهضة للاحتلال، فإنها وهي في مفترق الطريق غير شرعية أيضاً قياساً إلى برنامج الاحتلال نفسه؛ لأنها وببساطة خارج إطار الدستور الذي وضع تحت مظلة العملية السياسية ونتجت عنه هذه الحكومة، إذ أنها تجاوزت مدتها الدستورية وهي تلعب اليوم خارج الحلبة (الرسمية) التي صُنعت لها، ولهذا عمدت إلى القيام بإجراءات مفروضة عليها إقليمياً فهي أسيرة لمخطط آخر يعتبر ناتجاً عن مخطط الاحتلال من زاوية تبادل المصالح.. وما قضية الاجتثاث، وحوادث إزالة النصب التاريخية في بغداد، وحملات الاعتقالات المسعورة التي تنفذ في مناطق بعينها، وغير ذلك إلا جزء من تبعات ذلك الأسر ..!
حين أدركت حكومة المالكي أن شرعيتها بالنسبة للاحتلال تهاوت وان استمرارية بقاءها حتى بلوغ مفترق الطريق هو مصلحة أمريكية بحته؛ ألزمت نفسها بممارسة ما تستطيع من أفعال تحقق للمشروع الإقليمي غاياته قبل أن يضغط الأمريكيون زر الإطفاء لإنهاء هذه المرحلة، حتى وإن كان المستقبل يحافظ نوعاً ما على طبيعة العلاقة بين الأمريكان وإيران باعتبارها بؤرة المشروع الإقليمي إلا أن ذلك المستقبل ـ مهما كان شكل المشهد القادم ووفق ما يبدو ظاهراً من (البروتوكول) ـ سيستبعد منه المالكي وحكومته التي عضت بنواجذها على المشروع الإقليمي متأملة أن يعيدها إلى المساحة التي يشترك بها مع المشروع الأمريكي ..!
الرسالة التي ينبغي بثها إلى أبناء الشعب العراقي في هذا المفترق تتلخص في أن الاحتلال الذي تخلى عن الكثير من ما وضعه على أنه أسس وقواعد للعملية السياسية في العراق بدوافع مصلحته مستعد للتخلي عن أكثر من ذلك إذا تعرضت مصلحته لأي تهديد أو دهمها خطر ما .. وليس من تهديد يواجهه أكبر من أن يتم اجتثاث العملية السياسية من جذورها عبر مقاطعة الانتخابات ..!
إن عدم نجاح الانتخابات سيفضي إلى أمر كفيل بتقويض مشاريع الاحتلال وإصابتها بتصدعات لا يمكن له إصلاحها، فالحكومة الحالية راحلة برغبة الأمريكان أنفسهم، والاحتلال يعول على المرحلة القادمة لترسيخ برنامجه وإنعاش مشاريعه عبر مداعبة مشاعر العراقيين بشكل جديد للحكومة حتى وإن كان بمحاصصة مبرقعة بعباءة وطنية..! فإذا قُطع هذا الطريق عليه عبر فشل مسرحية الانتخابات التي يريدها لتكون داعماً شرعياً لشكل المرحلة القادمة فإنه سيلجأ على أقل تقدير إلى زاوية ضيقة عبر تشكيل حكومة انتقالية لتصريف الأعمال وسيكون حينها في ضعف شديد وحرج إزاء إنجازاته التي طالما تشدق بها أمام المجتمع الدولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق