الأحد، 14 فبراير 2010

لا لعودة "علاء الدين" إلى تونس


بقلم بسام بونني 
انطلقت سلسلة من الندوات المخصصة "لمحاربة الأفكار التي تنكر وجود المحرقة اليهودية في العالم العربي"، عبر شبكة المراكز الثقافية التابعة للسفارات الفرنسية في العالم العربي، وذلك في إطار مشروع "علاء الدين" لتوعيتنا بالهولوكست !!! ولأنّنا "بلد التسامح والاعتدال والتضامن" ولأن تونس الرسمية دأبت خلال السنوات الأخيرة على انتقاء من هو أهل لإعطائها دروسا بمقابل – ما يُعبّر عنه مجازا بعبارة "تعرف من أين تُؤكل الكتف" - فإنّ أولى هذه الندوات جرت في بلادنا وراء أسوار المركز الثقافي الفرنسي.
لا فائدة عزيزي القارئ في أن أذكّرك بأنّ منظمي الندوة لم يكونوا بحاجة إلى ترخيص وإن تقدّموا بطلب فإنهم لم يعانوا كما هو الحال في الندوات والأنشطة التي تنظمها المعارضة أو النقابات أو مكونات المجتمع المدني للتعبير عن تضامنها ومساندتها للقضية الفلسطينية.
لا فائدة أيضا في أن أشير إلى أنّ الندوة مرّت مرور الكرام وأنّ حرّاس "الوطنية" صاموا عن ردّ الفعل أو حتىّ مجرّد إبداء الرأي حيال هذه الندوة الاستفزازية. لكن، هناك دوافع وأسبابا موضوعية كافية لرفض المشاركة التونسية في هذا المشروع.
أوّلا، ليس هنالك تونسي واحد يحترم نفسه يشكّك في المحرقة، سواء مات فيها عشرون مليون يهودي أو يهودي واحد. فدافع القتل دنيء ومجرّد من الإنسانية. وقد عُرف عن السياسي التونسي، قبل قيام دولة إسرائيل، بعدم ربطه اليهودية بالصهيونية. ولعلّ تصريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لصحيفة L’Action Tunisienne   بتاريخ 8 جانفي 1938 خير دليل على ذلك. مؤسس الجمهورية التونسية قال آنذاك "إنّ اليهودية ديانة أمّا الصهيونية فأطروحة". بل ذهب بورقيبة في نفس الحوار، إلى المطالبة بـ"تنقية اليهودية من الصهيونية"، عملا بمطالب المفكرين الغربيين، خلال الحرب العالمية الثانية، بـ"تنقية ألمانيا من النازية".
ثانيا، كيف لنا أن نتلقّى دروسا في المحرقة اليهودية وقد امتحنت بلادنا في عدد من مواطنيها اليهود ؟ ألم يلق بطل العالم في الملاكمة التونسي يونغ بيريز مصرعه في مسيرة الموتى على تخوم معسكر آوشفيتس ؟ هل يجهل القائمون على هذا المشروع الذي بادرت به فرنسا وهي التي تنكر تاريخها الاستعماري أنّ آلاف التونسيين اليهود كانوا يحملون النجمة الصفراء، بينما أُجبر الآلاف الآخرون على العمل بالسخرة ؟ ثمّ من يجرؤ اليوم على التشكيك في أنّ التونسيين من المسلمين عرّضوا حياتهم للخطر وهم يوفّرون الحماية لليهود من بطش القوات النازية التي رابطت بالبلاد التونسية خلال عامي 1942 و1943، من الزعماء محمّد شنيق والبحري قيقة ومحمود الماطري إلى المواطنين العاديين كمحمد التلاتلي وخالد عبد الوهاب، أوّل عربي تمنحه مؤسسة "ياد فاشيم" لقب "الخيرين من بين الأمم" ؟
ثالثا، القائمون على مشروع "علاء الدين"، والجانب الفرنسي بالخصوص، هم المنكرون والمزيّفون للتاريخ. متى اعترفت باريس بالدور التاريخي الذي لعبه المنصف باي أثناء الوجود العسكري النازي ببلادنا رغم أنه رفض الانصياع إلى أوامر النازيين وحكومة  "فيشي" ؟ ألم يكافئه أجداد القائمين على مشروع "علاء الدين" بالخلع بتهمة "التواطؤ مع الأعداء" وبطريقة مهينة تمثلت في محاصرة القصر الملكي بالمرسى يوم 14 ماي 1943 قبل إخراج الباي واقتياده بالقوة إلى مطار العوينة ؟ حريّ بالفرنسيين، إذن، أن يردّوا الاعتبار لهذا الزعيم الوطني، قبل أن يسمحوا لأنفسهم بأن يعطونا دروسا في احترام ضحايا الحرب، مهما كانت ديانتهم. وردّ الاعتبار يجب أن يكون في نصوصهم وتأريخهم للحقبة الاستعمارية، لأنّ صورة المنصف باي لم ولن تهتزّ في تونس، وقد صدق حين قال لجلاّده، الماريشال ألفونس جوان  "القوة توجد الآن إلى جانبكم وليس لديّ سوى حقّي، ولا يخفى عليّ أنّ القوة لها السلطة المطلقة فافعلوا بها ما شئتم"، قبل أن يُذكّره "بأنّنا أظهرنا من آيات الوفاء لتعهداتنا ما يسمح لنا بانتظار حكم التاريخ باطمئنان". 
رابعا، تونس ملتزمة سياسيا وأخلاقيا بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين. فكيف للحكومة أن تقبل بأن تكون طرفا في مشروع "علاء الدين"  في الوقت الذي يرفض فيه القائمون عليه الاعتراف بالمحرقة الفلسطينية ؟ ألم تتراجع اليونسكو، الطرف الآخر في المشروع، عن اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية ؟ ثمّ حتى لو قُدّر لبلادنا أن تحتضن مثل هذه الندوات، فهل علينا أن نقبل بمجيء الصهيوني سارج كلارسفيلد؟
ختاما، إذا كان مشروع "علاء الدين" بوابة للتطبيع فلا وألف لا. وإذا كان حقّا درسا للتونسيين حتى يعوا المحرقة، فمليون لا ولا. وليكنس كلّ واحد أمام بيته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق