الأحد، 14 فبراير 2010

الشرق الأوسط والهيكل الجديد لتجارة النفط ..!


   كمال القيسي

عضو منتدى الفكر العربي



 تشير الأحداث النفطية العالمية إلى حقيقة مفادها، ان الصناعة النفطية العالمية والمؤسسات المالية المرتبطة بها تتصّف بعدم المثالية والتوازن الهيكلي، مما أدّى إلى ظهور مأزق رئيسي "غير  جيولوجي" يتمثّل في فشل آليات سوق النفط في تصحيح العجز بين العرض والطلب وإستقرار أسعار النفط العالميّة. هناك جملة من الأسباب والعناصرالمترابطة التي أدت إلى ظهور مآزق دوريّة منها :
·   زيادة الإستيرادات النفطية للولايات المتحدة الأمريكية بين 1985 – 2004 إلى ما يقرب من ثلاث أضعاف وإنخفاض معدل النمو السنوي لإستيراداتها إلى النصف إبتداء من عام 2000 .
·    خلال نفس الفترة أعلاه تحوّلت الصين من مصدّر إلى مستورد عالمي كبير للنفط حيث بلغ معدل النموالسنوي لإستيراداتها بحدود 23% (معدل النمو السنوي لإستهلاكها من الطاقة 16% مقارنة بالعالم 3%).
·   تصاعد النمو الإقتصادي لآسيا( الصين،الهند،اليابان..) وأثره الكبير الحالي والمستقبلي على سوق النفط العالمي والأسعار.
·   تتوقّع المؤسسات البحثية إستمرار حصول زيادات جوهرية في وتائر الطلب العالمي على النفط والغاز بالرغم من تحقق إرتفاع  في مستوى كفاءة إستخدام الطاقة.
·     إن زيادة وتائر الإستهلاك المستقبلي للنفط في الدول المستوردة الكبيرة سوف يعظّم من القوة التفاوضيّة للدول المصدرة للنفط ذات الإحتياطيّات الكبيرة والطاقة الإستخراجيّة العالية.
·   بالنسبة للدول الغربية والآسيوية الكبيرة تعتبرقيمة ضمان تدفق التجهيزات النفطية والغازية لها أعلى من قيمة أسعارها في الأسواق العالمية .
 في ضوء هذه الحقائق وغيرها،تسعى الدول المستوردة الكبيرة( الصين،الهند،روسيا،اليابان..) إلى إبطال عبيء تأثير الأسعار المستقبلية عن طريق تطوير علاقات إقتصادية ثنائية مع الدول المصدّرة(مقايضة/تجارة متقابلة) تتضمّن الإستثمار والتجارة في السلع الصناعية ومنها صناعة السلاح. ويعتبرالإتفاق الذي جرى بين الصين وإيران في خريف عام 2004 نقلة نوعيّة في هيكل تجارة النفط العالمية حيث يتضمّن هذا الإتفاق عدة إتفاقيات في مجال النفط والغاز والناقلات والإستثمارات الصناعية وغيرها تتراوح قيمتها الإجمالية بين 200 – 400 مليار دولار على مدى 25سنة. وفي مجال الصناعة النفطية تقوم شركة النفط الوطنية الصينية بتمويل كافة مراحل الإستكشاف وتنمية وتطوير الحقول والبنى التحتية ذات العلاقة وبناء الناقلات. على غرار ذلك، قامت إيران بعقد إتفاقية مشابهة مع الهند بقيمة أقل من إتفاقيتها مع الصين. يستند هذا النوع من الإتفاقيات على تكليف المؤسسات العامة المملوكة للدول المستوردة والمصدرة بتطوير المصالح الإستراتيجية الوطنية. فالدول المستوردة للنفط تقوم بتقديم أموال بتكلفة منخفضة(عائد رأس المال) إلى مؤسساتها النفطية لتحفيزها على إعتماد صيغ إستراتيجيّة تنافسية وأخذ المخاطر في مجال الإستثمارات النفطية والغازيّة في الدول المنتجة والمصدّرة للنفط والغاز. ويتيح هذا النوع من الإتفاقيات لحكومات الدول المصدرة للنفط، الحصول على التمويل اللازم بمعدلات فائدة منخفضة وبصيغ أفضل عن ما تعرضه شركات النفط الغربية الخاصة المحكومة بقواعد أسواق المال العالمية. كما يحقق هذا النموذج أيضا للدول المصدرة للنفط ،  نجاحات سياسية وفوائد إقتصادية أخرى إلى جانب تأمين الإستثمارات اللازمة لتطويرصناعتها النفطية وضمان الأسواق لمنتجاتها في المدى المتوسط والبعيد. لقد غيّرت الإتفاقيات النفطية الطويلة ذات الأمد الطويل من قواعد اللعبة بحيث مكّنت الدول المستوردة للنفط والغاز من تحقيق التوازن التجاري الثنائي مع الدول المصدرة لها عن طريق عوائد التمويل والصادرات الصناعية وصفقات السلاح وغيرها من السلع والخدمات. وقد أدت العلاقة الوثيقة بين حكومات الدول المستوردة والمصدّرة من خلال شركاتها النفطية الوطنية إلى تنمية المصالح الإستراتيجية في أسواق الطاقة العالمية. وحققت الصفقات الثنائية الطويلة الأجل للدول المستوردة  معدل  تكاليف للطاقة (النفط والغاز) أقل من الدول المستوردة الأخرى التي تحصل على إحتياجاتها النفطية والغازيّة من الأسواق العالمية.  والولايات المتحدة الأمريكية كغيرها من الدول الكبرى تسعى إلى تنمية علاقاتها الثنائية خارج منظمة التجارة العالمية ومنظمة التجارة الحرّة لوسط أمريكا CAFTA. حيث قامت بتوقيع عدّة إتفاقيات مع معظم دول منظمة التعاون الخليجي GCC. ومن الأسباب الرئيسية التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهيمنة على الإحتياطيات النفطية الكبيرة خارج حدودها، خاصة في منطقة الشرق الأوسط ،هوالتصدّي لفرنسا وألمانيا وروسيا والصين واليابان والهند  من أن تجعل منطقة الشرق الأوسط  مجالا حيويّا وشرعيا لمصالحها النفطيّة.إلا أن التقارب الإستراتيجي بين المصالح الروسية والأوربية والصين قد يعمل على منع أمريكا من إحكام السيطرة على السياسات النفطية في الشرق الأوسط( ليس من مصلحة هذه الدول بقاء أمريكا في العراق). أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تعتبرالهيمنة ضرورة إستراتيجية إقتصادية نظرا للضعف النسبي لقوتها الإقتصادية الحقيقيّة مقارنة بقوتها العسكرية الأعظم في العالم. فالإقتصاد الأمريكي يعاني من عجزكبير دائم والحاجة  الماسّة المستمرة لتدفق الأموال الأجنبية. إضافة لذلك،  فشلها في إنجاح برامجها في خفض إستهلاكها من النفط ورفع كفاءة إستخدامه لإحداث تغيّر نوعي في مستوى معيشة مواطنيها. أي أن أمريكا تعاني من قصور كفاءتها في إستهلاك الطاقة (خاصة النفط) مقارنة بأوروبا واليابان ودول أوروبية أخرىمما جعل الإقتصاد الأمريكي عاجزا عن دفع فاتورة الإستيرادات النفطية بعملة أخرى غير الدولار.  لذلك كلّه نرى أن أمريكا تحاول جاهدة  إبقاء  هيمنتها على نفط الشرق الأوسط  من أجل التحكّم بكمياته المتاحة الآن ومستقبلا وكذلك أسعاره في الأسواق العالمية . ويعتبر إحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق أحد الروافد الرئيسية لتغذية إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على نفط الشرق الأوسط وإبقاء تجارة النفط العالمية تتم  بالدولارالأمريكي. إن الهيكل الجديد لتجارة النفط العالمية قد يؤدي إلى بلورة مخاطر سياسية وإقتصادية لأمريكا تتمثّل في ظهور قوى وكتل إقتصادية منافسة لها على نفط الشرق الأوسط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق