الخميس، 25 فبراير 2010

أوباما المصري


شوقي عقل  

هادىء متواضع، طيب الابتسامة بسيط المنطق، يسير مباشرة إلى فكرته، هكذا قدم البرادعي نفسه في برنامج العاشرة مساء إلى ملايين المصريين، لم يكن تلعثمه الطبيعي، أو السهام الحادة التي ترميه بها محاورته الذكية، والتي لم تخف أيا من الانتقادات التي يكيلها له أعلام النظام الحاكم؛ تربكه أو تبين عجزه.   كانت ردوده بسيطة ومقنعة، مع ملاحظة أن حدة هذه السهام لم تخف التأييد القوي الذي تكنه المحاورة للبرادعي.
كانت النتيجة حاسمة لصالح العائد، امتلك الرجل ناصية قلوب مشاهديه، لعل السبب يرجع للهفة الجمهور للتغيير الذي طال انتظارهم له، لعله يرجع لكرههم للنظام القائم ومن يمثلونه، لعل أحلامهم بحياة كريمة ،وحرية ومكانة تليق بوطنهم طال انتظارها دون أن تتحقق، فألقوها على كاهل أول من طرح اسمه عليهم كبديل معقول.
لم يخل المشهد من ألم وطرافة وذكاء ،حين اشترك في الحوار أفراد من المشاهدين أو من الشارع،  فالمتحدثون من  أمة مليئة بالأسى والشجن  حتى حافتها، باكية وضاحكة ،فخور وتائهة، قوية وضعيفة، ثائرة وخاضعة ،جريئة وخجول، منبع للأخلاق، ومرتع للفساد معا ولا عجب، فأنت تتحدث عن مصر.

توسلت سيدة إلى البرادعي قائلة: أنا مريضة والفسدة سبب مرضي، لا تتركنا.

قالت له أخرى وآخرون غيرها: نحن معك، ولن نتركك.

في الشارع ذكر مواطن بسيط حين سئل عن البرادعي: نعم عارفه، ده حتى واخد شهادة الأيزو.

آخرون قالوا عن خبرة أصيلة بالساسة والسياسيين: نذهب للمطار لاستقبال الفريق القومي ولا نذهب لاستقبال البرادعي!

فالسياسة والساسة كانا دوما بابا للخداع وحلو الكلام والوعود الطلية، والعمل بها مجلبة للمشاكل مع نظام جعل عيد الشرطة يوما قوميا تعطل فيه المصالح، فهي الباب المؤدي الى سراديب أمن الدولة.
وكأنما لم يشأ رجال النظام أن يمر البرنامج دون تذكير بخصالهم الجلية، فقام أحدهم بالاتصال، وطرح العقبة الرئيسية التي ستواجه كل  مرشح ،وهي صعوبة المشاكل التي ستواجهه في حال وصل بسلامة الله وحمده الي سدة الرئاسة، وهي المشاكل ذاتها التي أوجدوها، فأصبحت سببا في استمرارهم، فهي حكمة عميقة لكل كبير لكي يستمر على كرسيه: عليك بخلق المآسي والأزمات لرعيتك لتظل متربعا على كرسيك لتحل هذه المشاكل. السيد المذكور المتصل ،له كتاب يعدد فيه  بأسلوب جدير به-  كعضو لجنة سياسات وكأستاذ بالجامعة -المزايا الشخصية العالية والقدرات الفذة التي يتمتع بها السيد جمال مبارك.
ومن جانبه فإن السيد البرادعي تحدث بتعاطف عن الأسى والقسوة التي يواجهها المواطن المصري في حياته اليومية. أشار إلى الفقر والفساد، جاء حديثه عاما متفهما، لا نعرف إن كان مبعث ذلك توجها إجتماعيا ذو طبيعة ليبرالية ناجمة في الأغلب عن معيشته الطويلة في الغرب واعجابه بالدولة الرأسمالية، أم أنه يخفي ميولا اشتراكية ديمقراطية، شبيهة بالاشتراكية  الأوروبية التي سادت غرب أوروبا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ،وساهمت في خلق مجتمعات الرفاه في النمسا والسويد وبريطانيا وحتى ألمانيا. أم أنه مجرد شفقة ورغبة في الإحسان إلى أبناء وطنه الذين سحقهم الفساد والقهر.
كان حديثه بيانا انتخابيا مباشرا، ذكر فيه بوضوح وجلاء توجهاته العامة، ما يمكن تلخيصه في الآتي: أولا رفضه   التام لتدخل الجيش بالسلطة ،واعتبار أن العسكري لايحق له الحصول على مناصب سياسية، إنه يدعو أن تعود مصر الى ما كانت عليه - قبل سيطرة العسكر- مجتمعا مدنيا.
ثانيا: احترامه للديمقراطية باعتبارها أساسا للمجتمعات الصالحة، وإشارته ذات الدلالة إلى أن الرئيس الهندي من السيخ، رغم أن طائفته لاتتعدى اثنان في المائة من جملة السكان، وأن رئيسها السابق كان مسلما، فهو لايرى مانعا أو غضاضة أن يكون المنصب السياسي لمن يستحقه بغض النظر عن دينه، وهو أساس آخر من أسس الدولة المدنية.    
ثالثا: عدم اعتداده بالأطر القانونية والأمنية، التي تضعها أجهزة النظام الأمنية لممارسة العمل السياسي، واعلانه أنه لن يقف على باب موظفي الحزب الحاكم ليطلب إنشاء حزب، وكذلك استعداده لعقد تجمعاته الجماهيرية دون إذن من أحد باعتبار ذلك جزء من حريته الأساسية. إنه يرسل رسالة واضحة باستعداده للصدام إذا استدعى الأمر.
رابعا: إدراكه أن قوته هى في وجود دعم شعبي واسع فاعل، أمام سطوة وتغول أجهزة الدولة الإدارية والأمنية، فظل يكرر قوله (ساعدوني لأساعدكم) 
خامسا: إنكاره لما يشاع من إعلام النظام ،انه مدعوم من الخارج وإشارته الى أن الإعلام الإسرائيلي ما انفك يهاجمه، وأنه مغضوب عليه من الإدارة الأمريكية.
سادسا: تجنبه الاشارة الى موقفه من اسرائيل والوضع المأساوي في غزة، لعله ينتظر اللحظة المناسبة، لعله يريد ان يظل بعيدا عن تلك المنطقة الخطرة، لعل له رأي يخشى ان يعلنه فيصدم شعبا لا مدخل له سوى وطنية زعمائه.
استطاع النظام الحاكم في مصر أن يفرغ الحياة السياسية من أي قيمة أو مضمون، وعبر سلسلة من الإجراءات الإدارية والقوانين المقيدة للحريات والأساليب الأمنية والمصادرات المباشرة ،والضربات الأمنية، استطاع بفضل ذلك كله أن يخلق حالة من الفراغ السياسي وأن يغيب الصراع السياسي بين القوى الإجتماعية المختلفة بالمفهوم الإيجابي ،الذي يستهدف صالح الجموع، كما هو حادث في المجتمعات الديمقراطية، كان نتيجة ذلك أن أصبحت مصر تتطلع وتنتظر بلهفة أن يأتيها مخلص، يحمل ابتسامة طيبة ووجها سمحا، ووعودا مبهمة عامة كوعود أوباما، لايعرف أحد كيف يمكن أن تنفذ، لايوجد لديه برنامج سياسي أو اجتماعي، لا يوجد لديه تاريخ سياسي، يحكم به على مسيرة هذا الشخص المرشح ليحكم بلدا كبيرا كمصر، لم يكن كل هذا مهما، فما أصبح يهم الناس، كل الناس، هو الخلاص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق