السبت، 7 نوفمبر 2009

السعودية بين فكي الحوثيين والقاعدة

نضال نعيسة

وأخيراً خرج الصراع بين السعودية وجماعة الحوثيين إلى العلن، والذي كان مستتراً وتحت الرماد حتى وقت قريب، وقد تجلى بهجوم شنه مقاتلون حوثيون يوم الثلاثاء الماضي على موقع حدودي بين اليمن والسعودية، أوقع قتيلاً سعودياً وجرح عدداً آخر، وزعم متحدث حوثي أمس في تصريح لفضائية ناطقة بالعربية، بوجود أسرى سعوديين لدى جماعته. تطور يعتقد بأنه الأخطر والأكثر مفاجئة تتعرض له المملكة السعودية منذ أمد غير قليل.

رد السعوديون، على هذا التطور الدراماتيكي وغير المسبوق، بقصف وغارات جوية على مواقع الحوثيين، في حرب يبدو أنها انفتحت على شتى الاحتمالات واللانهايات والتوقعات ريثما تصمت لعلعة الرصاص. غير أن الأهم في منظورها العسكري، هو أنها بين جيش نظامي، وجماعات ميليشاوية وشبه عسكرية لا ضابط ولا عنوان لها، والمعروف تماماً في العلوم العسكرية عبر التاريخ النجاح صعوبة وربما استحالة تفوق القوى النظامية في حرب العصابات، أو التفوق على مقاتلين متخفين، والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى، ومنها الأحدث والأقرب جداً، حزب الله أمام إسرائيل في جنوب لبنان، وحماس ضد إسرائيل في غزة، والحوثيون أنفسهم ضد الجيش اليمني في جبال صعدة الوعرة...إلخ. وكانت الجيوش النظامية دائماً عرضة للفشل والانهزام والانكفاء في حروب العصابات، ولعل في المثل العراقي عبرة، أيضاً، برغم اختلاف التضاريس وانبساطها، وهو من أقرب النماذج على انكسار هيبة وسطوة وجبروت القوة الأمريكية الأعظم في التاريخ أمام مقاومين عراقيين مسلحين بأسلحة بسيطة، ويقال بأن "قناص بغداد"، الذي قتل 143 جندياً أمريكياً، وعطب عشرات آخرين كان أحد العوامل وراء الانسحاب المذل والمهين الإجباري للجيش الأمريكي خارج المدن العراقية، ولن ننسى "الفرار" الجماعي للقوات البريطانية من البصرة، ناهيك عن العبوات الناسفة التي لن تستطيع العلوم العسكرية وقوتها التكنولوجية الضاربة من أن تجد حلاً، وطريقة للتعامل معها، والتي كبدت الأمريكيين خسائر فادحة. ومن هنا فإن التدخل السعودي يعتبر توريطاً خطيراً، وليس تورطاً، وهو غير مضمون العواقب، وانغماساً في صراع عبثي طويل المدى، حيث أن الجيش النظامي اليمني لم يستطع حسم هذه الحرب المفتوحة ضد الحوثيين أو تحقيق أي تقدم ضد أشباح متحصنين في الجبال وفي مناطق وعرة هم أدرى بشعابها وبتفاصيلها، وبالرغم من التصريحات النارية وعنتريات جنرالات الحرب اليمنيين واستعراض عضلاتهم ضد أبناء شعبهم.

وفي نفس السياق، مثلاً، لم يفلح القصف السجادي الأمريكي الـ Carpet Bombings المتواصل، ولأشهر في أوج الحرب الأمريكية ضد أفغانستان من تحقيق هدفها في القضاء على فلول القاعدة، وقتل أسامة بن لادن، والنيل من أتباعه الذي يعتقد بأنهم يتحصنون هناك، فأين التكتيك والقوة السعودية من نظيرتها الأمريكية؟ وهل ما عجزت عنه أمريكا، هي الأخرى، في أفغانستان ستفلح فيه السعودية مع الحوثيين في طبيعة وتضاريس ربما أشد تعقيداً ووعورة سياسية واستراتيجية وعقائدية، إذ أن المنظور الإيديولوجي والرمزي العقائدي غير غائب، البتة، عن هذا الصراع، وهو الأخطر، ربما، والأكثر مدعاة للقلق، من بين جميع تداعياته، أن تنشب الحروب المذهبية في الإقليم؟

ويعتقد بأنه واحد من إنجازات الحوثيين، كانوا قد سعوا له، وهو أنهم قد نجحوا في استدراج المملكة السعودية لهذه الحرب، كي تأخذ ذاك الطابع، والتي ما كان ينبغي على الأشقاء في السعودية التورط فيها، حيث لا يمكن الجزم أو التكهن بقدرة السعوديين على إنجاز ما عجزت عنه القوات المسلحة اليمنية ضد أبناء جلدتها، وهي-اليمينة- الأقدر منطقياً على التعامل معهم من غيرها، ناهيك كما أسلفنا عن بعدها الرمزي الخطير.

صحيح أنه من حق السعودية الدفاع عن أراضيها وحدودها وسلامة وأمن ترابها الوطني من أي اعتداء آثم قد يطالها وهو حق شرعي، لكن الصحيح أيضاً أن الاعتبارات العقائدية والإيديولوجية الحساسة جداً في إقليم مضطرب، وبغض النظر عن الإستراتيجية والعلوم العسكرية الأخرى، كان يجب أن تؤخذ في الحسبان، وأيضاً الضرر الكبير الذي سيلحقه هذا التورط بسمعة المملكة محلياً، وعربياً، ودولياً. وأن ضبط النفس وعدم الانجرار وراء رغبة حوثية ظاهرة في "أقلمة"، وربما تدويل النزاع وإخراجه من طابعه وإطاره المحلي، وهو أول إنجاز حوثي، على ما يبدو، هو الأولى، وهو ما كان يجب الأخذ به.

ولن نتكلم عن الجرح السعودي الدموي النازف والمفتوح، فيما يبدو حرباً مع الأشباح وخفافيش الظلام، والذي له أبعاد ومضامين واعتبارات أخرى مختلفة، مع القاعدة التي لا تتورع عن الإعلان، جهاراً، عن رغبتها في تقويض نظام الأسرة المالكة في السعودية، وإقامة إمارة إسلامية بزعامة "المجاهد الأكبر وأمير المؤمنين" أسامة بن لادن. وهذه الحرب السعودية، الأخرى، أيضاً، مع القاعديين، يبدو أن لا نهاية، ولا مخرج قريب لها. فقائمة الـ85 مطلوباً سعودياً، الأشد خطراً، والتي أصبحت قائمة الـ 83 بعد مقتل اثنين من القائمة في الشهر الماضي قرب جدة، على أيدي قوات الأمن السعودية كانوا يتخفون بأزياء نسائية، قد تتسع تضم أسماء وأرقام أخرى مهولة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم التأييد الكبير والتعاطف الذي يحظى به أسامة بن لادن في الشارعين العربي والإسلامي، والذي تشكل القوى السلفية وفكرها عاموده الفقري، وبغض النظر عن طوابير الساخطين الآخرين ولكل أسبابه ودوافعه المتشعبة. فعلى أي جانبيك تميل؟

لقد كان لإتباع سياسات القوة والغطرسة ورفض الحوار والاحتكام للسلاح عواقب وخيمة وكارثية على كل من اتبع ذاك النهج عبر التاريخ، ولم يفلح إلا في مزيد من سفك الدماء وزهق الأرواح البريئة، وكانت تلك السياسات موضع إدانة، قبل أن تبوء وتنتهي بالفشل، فهل ستخرق هذه القاعدة الثابتة شبه العلمية، في آخر حروبنا البسوسية العدمية والعبثية؟ لننتظر ونرى.