الاثنين، 26 أكتوبر 2009

رفض حماس لمرسوم الانتخابات

رشيد شاهين

لا نعتقد بأنه كان مفاجئا لأي كان هذا الموقف الذي اتخذته حركة حماس، بعد أن أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن المرسوم المتعلق بأجراء الانتخابات في كانون الثاني يناير القادم، وصار الحديث من قبل كل من أدلى بدلوه من حماس أو ممن يساندها في موقفها ينصب حول الموقف القانوني من المرسوم، وفيما إذا كان يحق أو لا يحق للسيد محمود عباس توقيع مثل هذا المرسوم، لا بل فيما إذا كان الرئيس نفسه يتمتع بشرعية أم لا، وكان هناك ما يشبه الإجماع على أن الرجل انتهت مدة ولايته الدستورية، وبالتالي فان كل ما يصدر عنه أو يرسمه يعتبر غير قانوني وغير شرعي ولا يجوز الأخذ به.

السؤال الذي يطرح عند سماع كل هذا الذي يقال، هل فعلا هذه هي المشكلة، وهل الخلاف والنزاع والانقسام هو ناتج عن شرعية أو عدم شرعية أبو مازن، وهل الخلاف فعلا قانوني كما يقول البعض خاصة ضمن حركة حماس؟ أم ان الخلاف سياسي بالدرجة الأولى وليس قانوني؟. السؤال الآخر الذي يتبادر إلى الذهن، إذا كان الرجل غير شرعي، و"منتهي الصلاحية" كما يقال، إذن لماذا كل هذا اللف والدوران على مدار العامين الماضيين؟، ولماذا توسيط مصر وغير مصر في موضوعة الانقسام الفلسطيني؟، وهل لو تم الاتفاق على إنهاء الانقسام سواء بالشروط الفتحاوية أو الحمساوية أو المصرية أو أية شروط أخرى هل كنا سنسمع مثل هذه المواقف وكل هذا اللغط؟

يمكن لنا ان نتفهم موقف حماس وانها ربما كانت تراهن على ان أبو مازن لن يقدم على مثل هذه الخطوة، لكن هل يستدعي إعلانه كل هذا الذي نسمعه والعالم معنا؟ سواء الكلام المسؤول أو غير المسؤول، الذي يصدر من هنا وهناك، وهل كان بالامكان أفضل مما كان؟.

منذ استيلاء حركة حماس على قطاع غزة بالقوة العسكرية أو بالحسم العسكري أو بالانقلاب، والجميع يسمع عن ضرورة إنهاء الانقسام وإعادة اللحمة – لجناحي الوطن- لكن منذ ذلك الحين، ما الذي جرى؟، والى أين وصلت الأمور في الساحة الفلسطينية؟، وهل كان هناك أية بوادر أو إشارات جدية من قبل طرفي الانقسام لإنهاء هذا الوضع الشاذ، والعودة إلى الاصطفاف بخندق الوحدة الوطنية، وبالتالي مواجهة كل ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مؤامرات؟.

ان محاولات أي كان لصبغ الموضوع بصبغة قانونية لا يمكن بتقديرنا ان تمر، حيث أصبح جليا ان الخلاف بين طرفي المعادلة ليس قانونيا، بقدر ما هو خلاف سياسي صرف، يقوم بشكل أساسي على كيفية اقتسام السلطة أو – الكعكة- برغم ما فيها من سموم وسلطة منقوصة غير كاملة بدون سيادة أو استقلالية، سلطة مفرغة من محتواها وليس فيها سوى الاسم، وما عدا ذلك ليس سوى أوهام روجها الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي، كما روجها قبل هؤلاء وأولئك جميعا الفلسطيني، الذي يخادع نفسه بأن لديه سلطة ونفوذ وانه صاحب قرار...الخ.

لا نعتقد بان كل هذا الضجيج الذي علا بعد ان أعلن الرئيس عن مرسومه له ما يبرره، خاصة وان هنالك ثلاثة اشهر بين إعلانه والاستحقاق الانتخابي، ومن هنا فإننا نعتقد بأنه إذا ما خلصت النوايا فان بامكان طرفي النزاع الوصول إلى حلول وسط بكل ما يتعلق بخلافاتهم التي فرضوها على الساحة الفلسطينية وأضرا بالقضية الفلسطينية من خلال تلك الخلافات كما لم يفعل احد من قبل، إننا على ثقة من انه فيما لو توفرت النوايا لحل الحلافات، فانه يمكن التوصل إلى توافق شامل يرضي الجميع، وعندئذ سوف يتبين ان الموضوع لا علاقة له بشرعية أو لا شرعية محمود عباس، حيث يمكن الاتفاق على موعد جديد للانتخابات، ولا شك سوف يتم إلغاء المرسوم الصادر، وإصدار مرسوم جديد يتم من خلاله تحديد تاريخ جديد متفق ومتوافق عليه للانتخابات.

ثم ان هنالك قضية أخرى تتعلق بكل التصريحات التي تصدر عن قيادات حماس، الذين يؤكدون بأنهم لا يخشون الانتخابات، وانهم لديهم الثقة الكاملة بانهم سوف يحققون نتائج ان لم تكن أفضل من السابق فهي لن تكون أسوأ وخاصة بعد – فضيحة غولدستون- التي صبت عمليا في مصلحة حماس، وهي وحتى لو افترضنا انها لم تصب في مصلحة حماس، فهي على الأقل أضرت بالسلطة وبحركة فتح، ولا شك ان فتح سوف تدفع الثمن لقضية غولدستون أو على الأقل هنالك جهة ما في الحركة ستدفع الثمن. كذلك فان عدم إجراء الانتخابات سيضر بالقضية الفلسطينية، عدا عن ان أحدا لا يضمن ان يجر التأجيل تأجيلا آخر ثم آخر، وقد يمتد هذا إلى فترة طويلة، لا احد يعلم مداها والى أين ستنتهي. والسؤال هنا هو ان لم تجر الانتخابات فأي مصير سيكون للمجلس التشريعي الفلسطيني؟.

حديث البعض عن محاولات الاستئثار بالسلطة من قبل فتح لم يعد مقنعا، لأننا نرى تهالكا من قبل الجميع على الاستئثار بالسلطة وما توفره هذه السلطة من امتيازات أدارت رؤوس البعض، بحيث لم يعد يرى المصلحة الوطنية إلا من خلال ما يتحقق له من مصالح خاصة سواء على المستوى الشخصي أو الفصائلي.

في مقابل ما تقوله حماس ومن معها عن عدم دستورية المرسوم، هنالك من يقول بأنه استحقاق وطني ودستوري وقانوني وديمقراطي، برغم تفضيله ان تجري الانتخابات من خلال توافق وطني ينهي الانقسام ويعيد اللحمة -ونحن مع هذا التوجه-، ويحذر من انه قد يعمق الانقسام، فيما يرى البعض الآخر بأنه لا مخرج إلا من خلال الانتخابات بغض النظر عن التوافق من عدمه، لان عدم إجراؤها يعني ان الساحة الفلسطينية ستكون – تايهة-، بدون مرجعية دستورية شرعية، سواء فيما يتعلق بالرئاسة أو المجلس التشريعي. كما يطرح هؤلاء تساؤلا مهما يتمثل في، هل هذا المرسوم هو انتهاك للقانون؟ وإذا كان كذلك فهل هو الانتهاك الوحيد الذي جرى خلال الفترات الماضية أم انه تمت عشرات حالات الانتهاك ولم يحرك أي من المشرعين والنواب والقانونيين شيئا؟. أو ليس تأجيل الانتخابات وعدم أجراؤها في موعدها يعتبر خرقا للقانون ويعني فراغا دستوريا سيجعل من المجلس والرئاسة فاقدين للأهلية والصلاحية والشرعية؟.

نحن نعلم ان هناك من هم ضمن حركة فتح من لا يعنيه كثيرا قضية المصالحة، وهو يحاول الدفع باتجاه تكريس الانقسام، لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال ان تبقى الأمور على ما هي عليه إلى أمد غير معلوم، خاصة وان فريقي النزاع كان لديهما من الوقت ما يكفي ويزيد من اجل المصالحة، وكانت أسباب تأجيل الوصول إلى عملية توافق وطني غير مقنعة وغير منطقية في كثير من الأحيان.

لا نعتقد بان أحدا من المخلصين معني بان تكون حركة حماس خارج الصورة، خاصة وانها احد المكونات الأساسية والرئيسية في المشهد السياسي الفلسطيني، شاء من شاء وأبى من أبى، ولا نعتقد بان أحدا يستطيع ان يهمشها أو يغفل ما تشكله في الساحة الفلسطينية، وما لها من ثقل حقيقي، وتأثير لا يمكن التغاضي عنه، لكن هذا لا يعني ان يكون القرار الحمساوي هو القرار الفصل خاصة في ظل دعوات من الأغلب الفلسطيني بإجراء الانتخابات.

إننا نعتقد بان هنالك إمكانية لإجراء الانتخابات في – جناحي الوطن- خاصة إذا ما توفرت النوايا لدى الجميع، وإذا ما كانت هذه الانتخابات تحت إشراف ورقابة فلسطينية وعربية ودولية، أما القول منذ الآن عن إنها سوف تكون مزورة، فنعتقد بأنه ليس سوى استباق للأحداث ومحاولة للهروب إلى الأمام، حيث ثبت ان الانتخابات التي جرت في المرة الماضية كانت وبشهادة الجميع انتخابات شفافة ونزيهة ولم تشبها أية شائبة، كما اننا لا نرى أي مبرر لعدم إجراء الانتخابات في قطاع غزة، وبامكان حركة حماس وبقية الفصائل في القطاع مع رقابة عربية ودولية الإشراف على هذه الانتخابات، حتى في ظل عدم التوافق، شريطة التزام الجميع بما تفرزه تلك الانتخابات من نتائج، لكن هذا كله ومن جديد يعود إلى النوايا ومدى صدقها في الخروج من الحالة الراهنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق