الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

أبطال الراية والحارة يصافحون أبطال غزة


د. مصطفى يوسف اللداوي
كاتبٌ وباحث فلسطيني
تعلق أهل غزة كما كثيرٍ من العرب بمسلسل باب الحارة السوري، وتابعوا بشغفٍ حلقاته، وانتظروا أحداثه، وخلت شوارع غزة من المارة مثل كثيرٍ من المدن العربية وقت عرض المسلسل على الفضائيات العربية، ولكن أهل غزة تعلقوا بالمسلسل وأبطاله أكثر، عندما وجدوا أنه يعكس معاناتهم اليومية، ويرسم صورةً لحياتهم وهم يعانون من الحصار المفروض عليهم، والحرمان الذي يطوقهم، والقتل الذي ينتظرهم، والسجن الذي يضم خيرة أبناءهم، ويروي قصص البطولة والتحدي التي يرسمها أهل الحارة، بصمودهم وتماسكهم وتعاونهم وتكاثفهم فيما بينهم، مسلمين ومسيحيين، إذ كلهم أبناء وطنٍ واحد، يعيشون على أرضٍ واحدة، ويعانون معاً من عدوٍ واحد، وقد أحسن مسلسل باب الحارة في الربط بين دمشق وغزة، دمشق التي كان يصلها الطعام والسلاح والمؤن عبر الأنفاق، التي تخترق البيوت والحواري لتربط بين الأهل، كما هي غزة اليوم، تعيش على الأنفاق التي أصبحت بالنسبة لهم كشرايين الجسد، تحمل إليهم الدم والغذاء والهواء، فتعزز صمودهم، وتقوي شوكتهم، وتحول بينهم وبين الاستسلام، كما نجح المسلسل في ربط الشام بفلسطين، وبين صور انتقال المجاهدين والسلاح من فلسطين إلى الشام والعكس، وكيف كان الناس يبيعون حليهم وأثاث بيتهم ليشتروا به سلاحاً يدافعون به عن أرضهم ووطنهم .
أبطال باب الحارة وأهل الراية وغيرهم من الفنانين السوريين ونقيبهم يزورون غزة، ويخترقون الحصار المفروض على أهلها، ويزورون بيوتها التي هدمها العدوان، ويجولون في شوارعها الخربة والمدمرة، ويتعرفون على أهلها ورجالها الذين صمدوا أمام آلة العدوان الإسرائيلية الهمجية الجبارة، ويتعرفون على سلاح أهل غزة البسيط، الذي استطاعوا من خلاله أن يضعوا حداً لأحلام قادة العدو الإسرائيلي، ويجبروهم على التراجع والانكفاء، ووقف الفنانون السوريون أمام عظمة الأم الفلسطينية التي أعطت وتحملت وصبرت، فكانت كالطود العظيم أمام هول الاعتداءات الإسرائيلية، وأعادت الأم الفلسطينية إلى الأذهان صور النساء الخالدات الماجدات كالخنساء، اللواتي قدمن من أجل قضيتهن فلذات أكبادهن، وجال الفنانون السوريون على شرايين غزة التي تمتد في عمق الأرض لتجلب لأهل غزة عناصر الصمود، والتي فيها قضى عشرات الشباب نحبهم وهم يحملوت الطعام والدواء لأهلهم في غزة، وطاف فنانوا سوريا وهم جزء من طليعة أهل الشام على المواطنين في غزة، واطلعوا على أحوالهم وظروف عيشهم، وأدركوا حجم المعاناة التي يعانيها أهل غزة نتيجة الحصار والحرمان، ودعو كل العرب إلى أن يخترقوا الحصار، ويكسروا الطوق ويعلنوا تضامنهم ووقوفهم مع أهل غزة، والتقوا بأطفال غزة، فرأوهم جنوداً مترسبلين في سلاحهم، ثابتين على مواقفهم، لا يخيفهم العدو، ولا يخشون الموت في سبيل الحفاظ على حقوقهم، وحمل فنانوا سوريا من أطفال غزة إلى أطفال سوريا وأطفال فلسطينيي سوريا، أننا سنثب على مواقفنا، وسندافع عن حقوقنا، وسنستعيد أرضنا، وسنبقى نحمل الراية عاليةً خفاقة حتى النصر، أو نسلمها للأجيال الطالعة من بعدنا لتبقى راية المقاومة طاهرة وشريفة، فلا تفريط ولا تنازل ولا تخلي عن بندقية المقاومة .
الفنانون السوريون الذين قاموا بتجسيد ملحمة معركة جنين، فجاءت في أبهى الصور النضالية، وصوروا أعظم الملاحم الشعبية الفلسطينية، وأعطوا عن الفلسطينيين صورةً رائعة في المقاومة والنضال، وفي خلق وابتداع وسائل المقاومة من أبسط الأشياء، وفي ظل أشد أنواع الحصار، ومن قبل جسد فنانوا سوريا قصة مهندس الانتفاضة الأسطوري يحيى عياش، وعرضوا للعالم العربي كله صورة المهندس الذي خلق من الضعف إمكانياتٍ مهولة، وصنع من العجز إرادة وتحدي لا يلين، وعبر فنانوا غزة عن تقديرهم لدرع نقابة الفنانين السوريين، الذي قدموه لفناني غزة وهم يقولون لهم أنتم الذين تعبرون عن روح الأمة، وأنتم المدافعين عن شرف العرب، وأعلنوا أنهم سيواصلون جهودهم لانتاج المزيد من الأعمال الفنية المعبرة عن روح الأمة النضالية، والتي تكشف عن رصيد الأمة النضالي، وسيسلطون الضوء على رموز المقاومة الفلسطينية وكبار الشهداء، وسيجعلون من مدرسة الفاخورة التي تصور قمة الإرهاب الصهيوني مدرسةً لتعليم الصمود والثبات.
فنانوا سوريا يزورون غزة وهم يحملون معهم آمال الشعب السوري، وطموحات اللاجئين الفلسطينيين على أرض سوريا، الذين يتطلعون بأمل إلى مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني، ويرون أن المقاومة والصمود هما السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف، واستعادة الأرض، وعودة اللاجئين الفلسطينيين من المنافي وبلاد اللجوء إلى أرضهم وديارهم في فلسطين، وقد جاء الفنانون السوريون ليقولوا للعالم كله أن أرض فلسطين كلها جزء من أرض الشام، إنها سوريا الجنوبية، وأنه لا يمكن سلخها عن أمتها العربية والإسلامية، وأن اغتصابها مهما طال فهو إلى زوال، فقد احتلها من قبل كثيرون، ولكنهم سرعان ما رحلوا عنها، وعادت فلسطين وأهلها ومقدساتها إلى عمقها العربي والإسلامي، وأهل فلسطين الذين ورثوا راية المقاومة عن أجدادهم، فسيبقون جذوة المقاومة مستعرة، لتعود الأرض العربية كلها حرة، ويرحل عنها الغزاة المستوطنون الصهاينة .
أما أهل غزة فقد استبشروا بزيارة الوفد السوري إلى القطاع، وبشوا في وجوههم فرحاً، وخرجوا لاستقبالهم والحفاوة بهم، ليعبروا لهم عن عمق الروابط التي تجمعهم بالشام وأهلها، واستقبلهم رئيس الحكومة الفلسطينية الأستاذ إسماعيل هنية وأركان حكومته، وهو يعلم أنهم طليعة الصامدين، ورواد الثابتين على الموقف، الصادقين في اللقاء، الأمناء على الثوابت، الحريصين على الكرامة العربية، واستعادة الحقوق العربية، وعدم التفريط في الثوابت والحقوق، وحملهم تحية غزة المحاصرة إلى دمشق القلعة الحصينة، عالية الأسوار، منيعة الجانب، وتحية أهلها إلى أهل الشام أهل الراية الخفاقة المتطلعين إلى نصرة أهلهم، وكسر الحصار المفروض عليهم، وتمكينهم من تحقيق أمانيهم وأحلامهم، ولكنهم تمنوا وقد تحققت زيارتهم إلى غزة، أن يزورا مدينة القدس، وأن يصلوا في مسجدها الأقصى، وأن يطوفوا في جنبات الحرم، وقد عاد حراً خالياً من أي دنس، مطهراً من أي رجس، تعلو قبابه ومآذنه أعلام فلسطين، وتصدح فوق مآذنه نداءات الله أكبر ... الله أكبر ، فأهلاً وسهلاً بهم طليعةً يعبرون غزة إلى بوابات الحرية والكرامة والإرادة، ويمهدون الطريق أمام فناني العرب كلهم ليسجلوا للمواطن العربي بالصورة والكلمة ثقافة المقاومة التي تصنع النصر والعزة والكرامة .
دمشق في 24/11/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق