الخميس، 26 نوفمبر 2009

قـــراءة لكلام غير مقنع


عبد الشافي صيام ( العسقلاني(
       بالصدفة اطلعت على المقابلة التي أجراها السيد رئيس السلطة محمود عباس مع التلفزيون المصري.
       صحيفة القدس العربي نشرت بالأمس 18/11/2009 جانبا من الحوار الذي أجرته معه القناة المصرية ، وقد لفت انتباهي العنوان الذي اختارته الصحيفة لتنشر تحته الحوار : عباس: لا أقدس المناصب وقرار عدم الترشح لا رجعة عنه وطلبت البحث عن بديل .
      ولإخـراج القــارئ الكــريم من تـــأثير الموحيـــات الإعـــــلامية ، وحالة " التعطيس " اللاإرادي ، نوضح بأننا نضع علامة استفهام حول ما يصدر عن السيد الرئيس عباس من تصريحات أو بيانات أو مواقف
       يقول بأنه لا يقدس المناصب .. !!
وهو الذي جمع في أسبوع عدة مناصب بطرق غير مرضي عنها فلسطينيا .. وعلى قاعدة : ( 2+3 = 15 و 15+3 = 18  .
"طبعا " مثل هذا الكلام عندما يُسوَّق للشارع المصري يتقبله على أنه كلام " أبو ذر السياسي " .
       ويقول : إنه ماض في قراره القاضي بعدم ترشيح نفسه لخوض انتخابات الرئاسة الفلسطينية المقبلة ، طالما لم تغير كل من أمريكا وإسرائيل مواقفها حيال عملية السلام . وأن قرار عدم ترشحه اتخذه بعد تفكير عميق، وأنه 'لا رجعة عنه في حالة استمرار الأوضاع الراهنة'، لكنه عاد وأكد أن قراره يمكن العدول عنه 'في حال قدمت أمريكا وإسرائيل شيئا واضحا لشعبي' .
وكما تقول القاعدة الحِرَفـِيَّة : من يهدم لا يبني .
فإن من يشترط لا يرفض ..!!
لقد عشنا سنوات على وعود أمريكية وصهيونية لم يتحقق منها شيء ورغم ذلك كنا نصر ولا زلنا على التمسك بسراب تلك الوعود . ولعلي لا أتوافق مع الكثيرين الذين اعتبروا ردة الفعل " الباهتة " التي صدرت عن رأس الدبلوماسية الأمريكية السيدة كلينتون ، بأنها تراجع عن دعم استمرار السيد عباس في موقعه بقدر ما هي توطئة للوصول لمثل هذا المطلب الذي سيضاف إلى أنـَّـات الوعود السابقة ، وبذلك نتجنب الصدام مع " الناطـــور" على قاعدة <العنب والناطور> .
ويمضي السيد عباس في حديثه الذي لا شك صفق له الكثيرون من عصابة النفاق والتزوير والانتفاع والانتهازية وعبر أبواق السلطة وأجهزتها ودوائرها ، ويمضي نافيا أن يكون للضغط الشعبي الفلسطيني عليه اثر في إمكانية عدوله عن قراره ، ويقول : ' أنا شخص عنيد، وليس المهم ما يطلب مني ، والأهم ماذا أريد أنا ، ولن يتغير قراري تحت أي ضغط إلا إذا انتهت الدوافع التي جعلتني أقدم على اتخاذ هذا القرار '.
سؤالنا على من يبكي هذا الشعب ، وعلى أي ديمقراطية نتحدث ، ولأي انتخابات نحضِّر ، إذا كان القرار ، فردياً والرأي فردياً .
وهذا الأمر يذكرنا بذلك الرئيس الذي كان يخطب في الجماهير وأنه المبعوث لهم بإرادة إلهية لخدمة الشعب ، وفجأة توقف عن الكلام ومد يديه في جيوبه يفتش عن شيء فهبَّتْ جوقة النفاق من حوله متراقصة الأرداف فاغرة الأفواه .
هل تبحث عن شيء يا صاحب الفخامة والســيادة والأبهة والعظمة .. ؟
فأجابهم باقتضاب أبحث عن الشعب .
وأخرج منديلاً من الورق ليعطس فيه ..
فهب الشعب " المعطوس " بحناجر مبحوحة من ظمأ الحاجة ..
يرحمكم الله .. !! .
   هذا هو الشعب الذي يحرص عليه الرؤساء .
   وتحدث كما جاء في الحوار عن الأسباب والظروف التي دفعته لاتخاذ هذا القرار مشيرا إلى : ' استمرار البناء الإسرائيلي في المستوطنات، وتهرب إسرائيل من استحقاقات خطة خارطة الطريق، والافتراءات التي تخللت وتبعت تأجيل مناقشة تقرير غولد ستون ' .
قبل أيام ذكرت الأنباء بأن وكالة الفضاء الأمريكية وجدت مياهً على سطح القمر ، وفي آخر الخبر ذكرت بأنها وجدت أيضاً .. مؤتمر أنابوليس ، وخطة السلام العربية .
فهل تعتبر المستوطنات شرعية حتى تكون التوسعة هي غير الشرعية يا جماعة ـ على رأي فيصل القاسم ـ عندما يخاطب محاوريه ؟
وهل هناك شك في " ملعوبية " تأجيل تقرير " جولد ستون " حتى يوصف الموقف الرافض " لملعوبية " التأجيل بالافتراءات ؟
ويشير التقرير .. " إلى أن قراره يمكن أن يكون مرفوضا وغير مقبول لدى الكثيرين من الشعب الفلسطيني، لكنه أكد انه مصر عليه "
هنا نود أن تطمئن السيد رئيس السلطة بأن قراره مقبول لدى غالبية الشعب الفلسطيني وليس مرفوضا كما يقول . فليمض في إصراره من أجل مصلحة شعبه وهذه هي الحقيقة التي نََصْدُقهُ بها ، ولا داعي للتعلق بتقارير بعض سفرائه الكذابين بأن الجماهير تطالبه بالبقاء في مواقعه .
وعن مواصفــات الشخص الذي ســيأتي من بعـــــده في رئاسة السلطة قال : ' أن يكون مواطنـا يحمل حق المواطنة ، وإذا وجد إنسان غير عادي نعمل له هوية ، والمواصفات بالنهاية يحددها الشعب '، ' والشعب الفلسطيني واع، وقادر على الاختيار، وهو يريد شخصا نظيفا محترما، ولا خلاف عليه '. .
" ميت يا حلاوة على الحلاوة " .. بهذه السطحية ترسم ملامح الشخصية التي ستقود النضال الفلسطيني حاملة تاريخ نضالنا وتضحيات شعبنا وشهدائنا وأسرانا وميراث قائد نضالنا الشهيد الرمز ياسر عرفات ، وتركة أوسلو وما جرَّته على شعبنا من مصائب ونكبات ، وكأن العملية " روبوت آلي " نـُركِّبُ له بطاريات ، ونعمل له هوية وتصريح  " VIP " واحكم يا عم ..!!
وتطرق في الحديث الى موضوع المصالحة مع حركة حماس ، وقال : إنه بذل جهدا كبيرا لإنهاء هذه الأزمة ، وأنه أرسل موفدا باسم حركة فتح ووقع على الورقة المصرية ، متهما حركة حماس بإعاقة الوصول لاتفاق
وقال : إن الانتخابات 'تبقى الأسلوب الأمثل لإعادة اللحمة الفلسطينية'، لافتا إلى أن حماس التي تتحدث عن عدم شرعيته ترفض إجراء الانتخابات ، وقال ' هم (حماس) آخر من يحق لهم الحديث عن القانون، لأنهم انقلابيون'.
حول موضوع المصالحة نترك الرد كما جاء على لسان الرئيس السوري بشار الأسد الذي أعلن في مقابلة له قبل أسابيع بأن من يتحمل مسئولية إفشال المصالحة هو الرئيس عباس . كما ألمح إلى مسئولية مصر عن استمرار الحصار المضروب على قطاع غزة .
أمام هذا المشهد المتداعي والمتصدع يقف رئيس السلطة مناورا حتى لو أصرَّ على موقفه بعدم الترشح ، فهو يترك الساحة الفلسطينية تعاني من حالة الضعف والانقسام وكل المؤسسات الدستورية الفلسطينية تفتقد إلى شرعية الاستمرار ، وهو ما سيسجله عليه التاريخ .
لكننا نقول ومن موقع التعاطف مع الرجل واحترامنا ومحبتنا له والتي تمتد لسنوات ، فعلاقتنا لا يذيبها ماء المصالح الشخصية والنفعية ، ولا نتخلى عن مبدأ الوفاء وأخلاقيات العلاقة الأخوية . فالرجل حاول واجتهد أن يتوصل إلى حل عن طريق التفاوض ، ففشلت المحاولة ولم ينجح الاجتهاد ، وهو ما يستدعي إلى تغيير هذا المسار .
مقدرين له تجربته ودوره من أجل خدمة شعبنا وقضيتنا .
هذه هي مواقف الرجال .. فكلنا نعيش أزمة .. وكلنا بحاجة إلى التضامن ، لكن ليس على حســـــاب الوطن ومستقبل أجيالنـــا .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق